انفصام تشريعي أم اضطراب النصوص؟

أشيبان: ما يثبت به النسب لا تثبت به الخيانة الزوجية أو الفساد أو الاغتصاب يرى الدكتور مصطفى أشيبان، المحامي بهيأة البيضاء، أن أغلب قضاة التحقيق والحكم يستندون، في إدانتهم للمتهمين بالاغتصاب والجرائم الجنسية، على تقارير المختبرات العلمية للشرطة العلمية أو للدرك الملكي، لإثبات علاقة المتهمين بالحمل، أي وجود علاقة دموية أو جينية بين الولد والمتهم (والده البيولوجي) دون الخوض في الأحكام الشرعية والفقهية المتعلقة بموضوع النسب وشروطه، وهل ناتج عن خطبة أو ولاء بشبهة أو غيرهما، للاعتقاد بأن ذلك لا يدخل في اختصاص القضاء الجنائي. ويعتبر المتحدث نفسه أن قاضي التحقيق مهمته جمع الأدلة لإثبات وقوع الجريمة ونسبتها للمتهم، قصد إحالته على قضاء الموضوع (الغرفة الجنحية أو الجنائية) لمناقشتها بعد متابعته في إطار تكييف قانوني يتلاءم وطبيعة الفعل الجرمي ،ووسائل إثباته التي تتنوع بين الاعتراف والقرائن والشهود والخبرة القضائية، وكلها تخضع للسلطة التقريرية للمحكمة ومدى اقتناعها من عدمه، مادام قانون المسطرة الجنائية يمنحها هذا الحق، بل وحتى الاعتراف لم يصبح أقوى دليل ضمن وسائل الإثبات في مواجهة الظنين، بل يخضع بدوره كسائر الوسائل الأخرى للسلطة التقديرية للقضاء، إما يأخذ به إذا كان مدعما بقرائن أخرى ومستوفيا لشروطه العامة، أو لا يعتد به إذا كان منتزعا بالإكراه أو العنف أو التعذيب. ويؤكد أشيبان أن دور تقارير الخبرة التقنية الطبية، يبقى تقنيا علميا ويدخل في مجال النسبية، ويستأنس به لإصدار صكوك المتابعة أو الحكم، ولكن لا ينبغي أن يكون قطعيا أو قاطعا عن مناقشتها، حتى لا تدخل في حكم المطلق أو تسبغ بالقدسية دون وسائل الإثبات أو النفي. ويشترط مصطفى أشيبان تحقق شروط موضوعية أولا، قبل اعتبار الخبرة الوراثية وهي: السرية في الإنجاز والتخصص، أي أن تناط لمختبر عمومي مختص والاستجابة للخبرة المضادة أو الأمر بإجراء خبرة ثانية، تحال على جهة أخرى قصد الجزم في الخلاصة أو على الأقل إجراء مقارنة النتائج والوسائل اتقاء للوقوع في إدانة بريء، فالضحية في الجرائم الجنسية (الاغتصاب والافتضاض والفساد والخيانة الزوجية)، قد لا تكون بريئة في شكايتها، إما بدافع الانتقام أو الابتزاز، وهو ما يجب التصدي له بذكاء وحكمة حتى لا تنطلي حيلتها على المتدخلين في المسطرة الجنائية مرورا بقضاء التحقيق والحكم. أما عن الدافع للجوء إلى الخبرة الجينية سواء من أجل تقرير المتابعة والإحالة أو من أجل الإدانة، فيرى المتحدث نفسه، أنها تظهر العلاقة بين الفعل والنتيجة الإجرامية، وهي بذلك تقيم المسؤولية الجنائية وترتيبها، لأنها مؤسسة على شيء مادي محسوس أو حسي لا يتوفر في وسائل الإثبات الأخرى كالاعتراف أو القرائن، بل إن الخبرة تنزل منزلة شهادة الشهود، كما اعتبرها القضاء المدني في أكثر من نازلة، حيث شبه الخبير بالشاهد في القضية. ويدق أشيبان ناقوس الخطر في ما يخص طغيان الاقتناع بالطابع العلمي للخبرة والإيمان بقطعيتها في جمع الأدلة الجنائية، الشيء الذي يدفع بعض قضاة التحقيق، وعن غير حق، إلى الأمر بإيداع المتهم السجن بسبب نتيجة الخبرة الجينية، خاصة في جرائم الاغتصاب، بعدما قرروا في ما سبق تمتيعه بالإفراج المؤقت أو تركه في حالة سراح عند استنطاقه الابتدائي، نظرا لوجود قرائن وتصريحات فقط، تهيمن على المحاضر التي بين أيديهم، وهذا ما يعتبر اجتهادا في غير محله وضربا لمبدأ قرينة البراءة ومخالفة لسياسة ترشيد الاعتقال الاحتياطي. معتبرا أن الأخذ بهذه التقارير من قبل جهات البحث التمهيدي أو التحقيق الإعدادي أو حتى قضاء الحكم لإثبات الجرائم، وإن كان مستساغا قانونيا وعلميا، فإن ذلك رهين بضوابط وشروط موضوعية تخضع للسلطة التقديرية والاقتناع الصميم للمحكمة، التي يستوجب عليها تعليل قرارها تعليلا منطقيا مقنعا، وليس مجرد تعليل عام يشمل الواقع والقانون فقط، وهما غير كافيان للإدانة أحيانا. وذهب أشيبان إلى أن الطابع الرسمي للجهة القائمة بالخبرة لا يضفي الحتمية في النتيجة، لأن الرأي والاستنتاج يخضعان للمناقشة العلمية من قبل ذوي الاختصاص كذلك، وبالتالي ينبغي التمييز بين الوثائق الرسمية التي لا يطعن فيها إلا بالزور، وتقارير الجهات الرسمية التي تتضمن معلومات تخضع للنسبية وللمراجعة والقابلية للتراجع عنها، حسب الطرق العلمية والتقنية المعتمدة، إذ ما يثبت به وقوع الجريمة لا يثبت حتما قيام الفاعل به، وما يثبت به النسب لا تثبت به الخيانة الزوجية أو الفساد مثلا. مصطفى صفر

انفصام تشريعي أم اضطراب النصوص؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرجاء يطلب اللجوء بمراكش

إيلام يتحدى عائلة بلمليح

مقالات ذات صلة