من السيطرة الاستعمارية إلى التحرر الوطني احتضنت المكتبة الوسائطية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالبيضاء، أخيرا، لقاء علميا وأكاديميا، نظمته جمعية البحث "ملتقى الذاكرة والتاريخ" في موضوع " الكتاب المدرسي زمن الحماية: من أداة للسياسة الاستعمارية إلى وسيلة للتحرر الوطني". في هذا الخاص تتوقف "الصباح" عند أهم النقط والمداخلات التي قدمت خلال اليوم الدراسي، بناء على تقرير تركيبي مفصل أنجزته مجموعة من الباحثين التابعين للجهة المنظمة للتظاهرة التي تخللها معرض لنماذج من الكتاب المدرسي زمن الحماية وبداية الاستقلال من إعداد عبد الله نكيب جامع التحف والمهتم بتاريخ البيضاء، إضافة إلى معرض تشكيلي للفنان عبد القادر عسري. إعداد: عزيز المجدوب انبنت إشكالية الندوة، حسب محمد معروف الدفالي، رئيس جمعية البحث "ملتقى الذاكرة والتاريخ" خلال كلمته التقديمية، على التوظيف الاستعماري للكتاب المدرسي والتوظيف الوطني التحرري وهو اختيار استحضر ثلاثية القضية والنقيض والتركيب، أي من صراع الوطنية ضد الاستعمار وصولا إلى عهد الاستقلال. وأضاف الدفالي أن النقطة الأولى انصبت على البرنامج والمضمون التربوي للتعليم في عهد الحماية، وانكبت الثانية على المضمون الاستعماري للكتاب، بينما اهتمت الثالثة بالخطاب الوطني من خلال الكتب المدرسية المخصصة لتلاميذ المدارس الوطنية الحرة. مضمون استعماري قدم الباحث صالح شكاك "قراءة في بعض البرامج التعليمية زمن الحماية" مبرزا صعوبة البحث في تاريخ التأليف المدرسي، مشيرا إلى أن التعليم كان تقليديا قبل الحماية ويتمثل ذلك في وجود كتاتيب قرآنية، وأبرز بعد ذلك طبيعة النظام التعليمي خلال الحماية الذي كان موجها بالأساس نحو أبناء الأعيان من أجل خدمة الإيديولوجية الاستعمارية، ما يعني أن النظام التعليمي كان نخبويا. وأضاف شكاك أن الكتاب المدرسي كان المصدر الأساس للتعلم، كما أوضح أن سيرورة الدروس في المنظومة التربوية لفترة الحماية لم تكن تغيب فيها المكونات التي نعتبرها اليوم أساسية في إنجاز الدروس وإن بمصطلحات ومفاهيم بيداغوجية تختلف عما هو مألوف في الوقت الحالي، من قبيل التحضير وأهمية الوسائل التعليمية التي كانت تشكل فيها السبورة الركن الأساس. كما أثار مسألة ذات أهمية، وهي استمرارية شبه واضحة للبرامج الدراسية بعد الاستقلال، وأعطى مثالا بكتاب في المنطقة السلطانية من تأليف جماعي تميز بأنه موجه للمتعلم ومتنوع الوسائل التعليمية، وآخر في المنطقة الخليفية. الحركة الوطنية والمحتوى التربوي أما الباحث أسامة الزكاري فتوقف عند "معالم المضمون التربوي في خطاب الحركة الوطنية الإصلاحية بالشمال"، مسلطا الضوء على مسألة غياب الكتاب المدرسي في المنطقة الشمالية، مما دعا إلى إرسال ثلاث بعثات إلى المشرق، في ثلاثينيات القرن الماضي، لجلب كتب مدرسية في إطار مشروع وطني لمواجهة التعليم الاستعماري. هكذا كان ميلاد المدرسة الأهلية وبروز أول مشاريع التأليف من قبل محمد داوود والتهامي الوزاني. وفي هذا السياق أيضا أسس المعهد الحر خلال الحرب الأهلية الإسبانية والمطبعة المهدية سنة 1928، التي كانت تقوم بطبع كتب في مجالات الدين واللغة والتاريخ التي حازت النصيب الأكبر. وما ميز التأليف المدرسي في المنطقة الشمالية خلال هذه الفترة أن أغلب مؤلفيها كانوا منخرطين في العمل السياسي مثل عبد الخالق الطريس، كما شارك في هذه الفترة محمد عزوز حكيم في التأليف. وأشار إلى أن المؤلفين كانوا يقومون بطبع معظم كتبهم المدرسية على نفقتهم. وقد اعتبرت هذه الحركة ردا وطنيا على مشروع فالديراما، منظر الحماية الإسبانية، وكانت أهدافها تتمثل في: تأكيد الهوية الوطنية، دعم التعليم للعمل التحرري، التضامن الإسلامي، التسامح، البعد الإفريقي والعربي للمغرب، البعد الأمازيغي في إصدارات معهد مولاي المهدي. أداة إيديولوجية من جانبه تحدث الباحث محمد الراشيدي عن "الكتاب المدرسي زمن الحماية بالمغرب: الأهداف والغايات" مركزا على مفهوم الكتاب المدرسي من وجهة النظر الاستعمارية، وكذا أهميته أداة أيديولوجية في هذه الفترة. وقام المتدخل بإثارة مسألة تنوع برامج التعليم في مغرب الحماية حسب المناطق والجهات مما كان يعكس تعددا وتنوعا في أجرأة السياسة التعليمية، فضلا عن الطابع النخبوي والبراغماتي لهذه السياسة التي عملت على تلميع صورة فرنسا في الكتب المدرسية. كما ركز على دور شخصيات معينة في رسم معالم السياسة التعليمية، مثل ليوطي وجورج هاردي وبول مارتي. وخلصت المداخلة إلى أن النظام التعليمي في المغرب بعد الحماية ظل يعاني اختلالات أبرزها ضعف تكوين الأطر التعليمية. نموذج هاردي توقف الباحثان محمد صهود وشكير عكي عند موضوع "الكتاب المدرسي للتاريخ في عهد الحماية والإيديولوجيا الاستعمارية عند جورج هاردي". وركز الباحثان على الكتاب المدرسي الذي ألفه جورج هاردي G. Hardy وبول أوريس P.Aures والمعنون: المراحل الكبرى لتاريخ المغرب Les Grandes Etapes de l’Histoire du Maroc. وانطلق المتدخل من أن الكتاب المعني يتموقع في موقع بين الكتاب المدرسي وبين التأليف العام، فهو ليس صيغة مدرسية؛ ذلك أنه تغيب فيه الدعامات والملخصات والأسئلة، التي اعتبرها مؤلفا الكتاب مكونات تخضع لاجتهاد المدرسين واختيارهم حسب نوعية المتعلمين وطبيعة الوضعية البيداغوجية. يضم الكتاب 19 فصلا هي بمثابة قضايا تاريخية يمكن تفصيلها وتفريعها إلى دروس حسب الوضعيات. واعتبر المتدخل أن مضمون هذا الكتاب يكرس رؤية استعمارية واضحة من خلال طبيعة المواضيع وطريقة تناولها وترتيبها، على أنه أثار الانتباه إلى بعض الإشارات التي تنم عن حس بيداغوجي متقدم. ومن مؤشرات هذا الحس البيداغوجي تضمينه لترسيمات حتى يكون الدرس مفيدا، وإنهاء الدروس ببعض القراءات التي تعمق معارف التلميذ أو تفتحه على قضايا محددة، وهو يستهدف تلميع صورة الاستعمار بأنه مصدر الأمن والرفاه المادي. التاريخ بين الكولونيالي والوطني اختار الباحث حسن شكير الحديث عن "تدريس التاريخ في المرحلة الابتدائية من الأهداف الكولونيالية إلى الأهداف الوطنية"، منطلقا من التصنيف الذي يتم اعتماده عادة خاصة بعد بيداغوجيا الأهداف، والذي يرتب الأهداف حسب درجة عموميتها وتجريدها وحسب مستويات المسؤولية فيها، ومن الغايات التي تعكس البعد الفلسفي الإستراتيجي، وتختص بها الدولة التي تحدد عبرها نوعية المواطن المراد تكوينه، ثم الأغراض التي تختص بها المؤسسة الوصية على المنظومة التعليمية. كما استحضر شكير الأهداف الخاصة الوسيطة التي تعتبر مرتكزا لتحديد المضامين والطرق الموجهة للمتعلم، وانتهاء بالأهداف الإجرائية التي يتكلف المدرس بأجرأتها في الفصل الدراسي. وتمحورت المداخلة حول السياق المجتمعي للحماية الذي اعتبره محددا لتخطيط السياسة الاستعمارية، وبدأ بالإشارة إلى أن الحملة الكولونيالية انطلقت في البداية من إرسال المستكشفين والجغرافيين والأنثروبولوجيين لرسم صورة واضحة عن المجتمع المغربي عبر تقارير دقيقة. وذكر ببعض الأهداف الكولونيالية لتدريس التاريخ في الابتدائي وهي عديدة، منها حاجات المجتمع سلبا وإيجابا إلى إخضاع المجتمع المغربي لسياسة الاستعمار، وتحقيق خدمة الأسياد، وخصوصية المادة... آليات الرقابة ركز الباحث مصطفى الرايس على موضوع "آليات الرقابة على الكتاب المدرسي زمن الحماية الفرنسية: كتاب "تاريخ المغرب" لمحيي الدين المشرفي نموذجا"، وقد قدم المتدخل توطئة للتعريف بالكتاب الذي صدر في أربعينات القرن الماضي إثر تكليف السلطان محمد بن يوسف للمشرفي بوضع برنامج دراسي للمدارس الحرة. وتناول الكتاب قضايا سياسية واقتصادية وثقافية همت مختلف المراحل التاريخية من العصر القديم إلى فترة السلطان محمد بن يوسف، معتمدا مرجعية بيداغوجية ودعامات ديداكتيكية. قدم الكتاب للجنة الرقابة التي رفضته، واعتبرت أنه لا يمكن الاعتماد عليه في المدارس الإسلامية الفرنسية، نظرا لأنه لا يتضمن أي قيمة تربوية وآخذت على المؤلف تركيزه على التلاحم العربي الأمازيغي، كما امتعضت من توقف الكتاب عند زيارة الجنرال غيوم وانتقدت ما ورد في الكتاب حول حرب الريف، وأدوار الزوايا في المغرب. بعد الاستقلال أعيدت صياغة مضامين الكتاب وقدم سنة 1958 تحت عنوان جديد وهو "التاريخ الجديد"، وأشاد به السلطان محمد بن يوسف ووزارة التعليم آنذاك، رغم بعض الانتقادات التي وجهت لبعض مضامينه وجوانبه الشكلية. مواجهة الخطاب الاستعماري توقف الباحث زكريا البدراوي عند موضوع "التأليف المدرسي الوطني في مواجهة الخطاب الاستعماري"، كتاب "دروس التاريخ المغربي" لعبد الله الجراري نموذجا، وتناول الكتاب في سياق تجربة التأليف المدرسي باعتبارها أول تجربة في 1935- 1946، وتعرض في بداية المداخلة إلى السياق التاريخي للكتاب والمرتبط بوعي الحركة الوطنية بتأسيس المدارس الحرة في مواجهة السياسة الاستعمارية الإقصائية. وأوضح البدراوي أن مبادرة عبد الله الجراري اندرجت في إطار جهود حصلت من قبل وتعثرت، وجاءت بعد اقتراح من بعض الشخصيات المغربية. بعد ذلك قام بعرض مضمون الكتاب الذي قسمه إلى 5 أجزاء متفاوتة الحجم، وأوضح أن الكتاب تناول تاريخ المغرب من فترة الأدارسة إلى عهد السلطان محمد بن يوسف مرتبا المادة المعرفية ترتيبا كرونولوجيا، ومعتمدا على المراجع العربية القديمة، ووضع أسئلة تقويمية لكل درس، وخاتمة لكل دولة حاكمة في المغرب. كما استحضر المتحدث نفسه الصدى الطيب للكتاب من لدن سلطات الحماية وولي العهد بعد صدور أول جزء سنة 1935، حيث اعتمد ككتاب رسمي في القرويين والمدارس الحرة. كما ركز على دور الكتاب في مواجهة الأطروحات الاستعمارية، وبث روح المقاومة في الأجيال الصاعدة بالتذكير بالمقاومة المغربية منذالعصر المريني إلى عهد العلويين، واسترجاع لحظات مجد المغاربة، وإنقاذهم للحضارة الأندلسية، والبعد الحضاري للمغرب ودور المرأة في تاريخ المغرب. الكتاب المدرسي استحضر الباحث محمد اقبال اسويدي موضوع "دور الكتاب المدرسي في سيرورة التنشئة الاجتماعية بمدرسة جسوس 1934-1955". وتوقف الباحث عند تأسيس المدرسة من قبل أحمد بلافريج في سياق بث الروح الوطنية والحفاظ على هوية المتعلمين الدينية والثقافية، وكانت مخصصة للمرحلة الابتدائية، ويتلقى التلاميذ تكوينا في اللغة العربية. وأشار إلى أن الكتب المدرسية المعتمدة هي نفسها المعتمدة في المدارس الحرة؛ وهي المطالعة الرشيدة والقراءة المصورة؛ وهي تتطرق لأدب الأطفال في تطابق مع السلفية الجديدة وقيم العطاء والتسامح والعمل والمسؤولية واستقلالية الشخص. وفي سياق التعليق على الكتب لاحظ بأن جزءا منها مستورد من فرنسا، والبعض الآخر مستعمل في مدارس الأعيان، وبعضها الآخر غير مدرج في الامتحانات الإشهادية، وأشاد بالدور الوطني والوجداني لها في تكريس القيم الوطنية والإنسانية وتكييف الكتب لظروف حياة الطلاب واجتهاد المدرسين، كما أضاف أنه بعد انتهاء كل حصة بدنية ينشد التلاميذ نشيدا فرنسيا مترجما إلى اللغة العربية.