ملامح مشروع تنموي شامل يهدف إلى جعل المدينة منصة للاستثمار وساحة لتألق رياضي وسياحي تنهض أكادير اليوم كخلية نحل لا تهدأ، مدفوعةً بطموح جديد ينبض في شرايينها الحضرية. دينامية متسارعة غير مسبوقة تشهدها المدينة، عنوانها ورش مفتوح للتنمية والتحول الشامل، حيث تتقاطع الرؤية الملكية مع تطلعات الفاعلين المحليين لإعادة رسم ملامح أكادير كقطب حضري حديث ومزدهر. من تهيئة البنيات التحتية الرياضية والطرقية، إلى تعزيز الخدمات العمومية وتحسين جودة الحياة، وصولا إلى الاستعدادات الكبرى المرتبطة بالاستحقاقات الوطنية والدولية، مثل مونديال 2030 وكأس أمم إفريقيا 2025، كلها تشكل ملامح مشروع تنموي شامل يهدف إلى جعل أكادير منصة للاستثمار، وساحةً لتألق رياضي وسياحي يليق بمكانتها الإستراتيجية في المغرب الجديد. إنجاز: عبد الجليل شاهي (أكادير) تستعد أكادير، تحت إشراف مجلس الجماعة الذي يترأسه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، لإطلاق سلسلة من المشاريع التنموية الكبرى خلال الأسابيع القليلة المقبلة، في إطار رؤية طموحة تهدف إلى إعادة تأهيل المدينة وتعزيز جاذبيتها، قبيل احتضانها لمنافسات كأس الأمم الإفريقية المرتقبة نهاية العام الجاري، وتمهيدا لاستحقاقات عالمية قادمة، أبرزها مونديال 2030. ملايير لتفعيل مشاريع حضرية خصص مجلس جماعة أكادير ميزانية ضخمة تناهز 7 ملايير درهم و270 مليون سنتيم لتفعيل مشاريع حضرية كبرى، تروم تحسين البنية التحتية وتعزيز المرافق الرياضية والثقافية، والارتقاء بجمال المدينة ونظافتها، في انسجام تام مع المعايير الدولية لاستضافة التظاهرات الكبرى. ومن أبرز هذه الأوراش، التي ستشرف على تنفيذها شركة التنمية المحلية "أكادير ماسة تهيئة"، إعادة تأهيل القصر البلدي، المقر الرئيسي للجماعة، بكلفة مليار سنتيم، إلى جانب تهيئة مرائب السيارات بمبلغ 300 مليون سنتيم، وإعادة تأهيل الفضاء الرياضي والترفيهي "أدرار"، بكلفة تناهز 320 مليون سنتيم. كما يشمل المخطط التنموي الجديد تهيئة الأحياء ناقصة التجهيز الواقعة بسفوح الجبال المحيطة بملعب "أدرار"، الذي سيحتضن مباريات كأس إفريقيا، وكأس العالم 2030، حيث سيتم إدماج 50 منزلا بحي "أيت تاووكت"، ضمن مشروع يهدف إلى تحسين المظهر العمراني والاجتماعي للمنطقة، بكلفة 450 مليون سنتيم، مع اعتماد لون موحد لواجهات المنازل، على غرار تجربة مدينة شفشاون، لخلق طابع بصري مميز قادر على استقطاب الزوار وتعزيز الجاذبية السياحية. كما تشمل خارطة المشاريع تهيئة وإعادة تأهيل عدد من حدائق الأحياء (950 مليون سنتيم)، وتأهيل الفضاء الرياضي والترفيهي الزيتون (800 مليون سنتيم)، إضافة إلى بناء قاعة رياضية مغطاة بالحي المحمدي، بكلفة تفوق مليار و100 مليون سنتيم، فضلا عن مشاريع موازية تمسّ مؤسسات ثقافية وترفيهية أخرى، من أجل ترسيخ مكانة أكادير كوجهة حضرية ورياضية وسياحية رائدة في السنوات المقبلة. حكامة مالية شهدت الوضعية المالية لجماعة أكادير خلال سنة 2024 تحسنا واضحا، إذ ارتفعت المداخيل إلى 827 مليون درهم، في النصف الأول من السنة، مقارنة بـ514 مليون درهم سنة 2022، ما يمثل زيادة بنسبة 61%. هذا التطور يعود بالأساس إلى اعتماد آليات فعالة في تحصيل الموارد من قبل الجماعة بشكل مباشر، ما عزز من استقلاليتها المالية. كما تم اعتماد سياسة صارمة لترشيد النفقات والمصاريف، في إطار استراتيجية مالية تمتد من 2022 إلى 2027، وترتكز على ثلاثة محاور رئيسية، تنمية الموارد، التحكم في الإنفاق، وتنويع مصادر التمويل. هذه المقاربة ساهمت في تحقيق نتائج ملموسة، لاسيما في ما يخص تمويل المشاريع الكبرى، وعلى رأسها برنامج التنمية الحضرية الذي تصل مساهمة الجماعة فيه إلى مليار و880 مليون درهم. وقد تم إلى حدود 31 دجنبر 2024 سداد ما مجموعه مليار و35 مليون درهم، فيما تبقت 545 مليون درهم سيتم تمويلها عبر صندوق التجهيز الجماعي بشروط ميسرة. الصندوق عرض قروضا بفوائد تتراوح بين 4% و4.5% تمتد على سبع سنوات، مما يجعل منه شريكا إستراتيجيا في دعم المشاريع التنموية للمدينة. وفي سياق مواز لتعزيز موقعها المالي وتجاوز الإكراهات العقارية، رفعت جماعة أكادير خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة عشر دعاوى قضائية ضد شركات وأفراد ومؤسسات عمومية، في خطوة تهدف إلى استرجاع مستحقاتها المالية وتصفية الوضعية القانونية للعقارات اللازمة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالاستحقاقات الوطنية والدولية، وفي مقدمتها المشاريع الملكية، مونديال 2030، وكأس أمم إفريقيا 2025، وقد انصبت أغلب هذه الدعاوى على قضايا نزع ونقل الملكية، إضافة إلى ملفات تتعلق بالحيازة واستخلاص الديون المستحقة لفائدة الجماعة. أما بخصوص الفائض المالي، فقد تم إدراج 170 مليون درهم ضمن الفائض التقديري في ميزانية 2024، غير أن الأداء الفعلي فاق التوقعات، حيث بلغ الفائض مع نهاية النصف الأول من السنة نحو 255 مليون درهم، وجه منها 100 مليون درهم لدعم برنامج التنمية الحضرية، في حين سيتم استثمار الجزء المتبقي في مشاريع رياضية، اجتماعية وثقافية تهدف إلى تقوية البنية التحتية وتحقيق تنمية شاملة على المستوى المحلي. إنقاذ أيقونة السينما في خطوة نوعية تهدف إلى صون الذاكرة الثقافية والحفاظ على التراث المعماري لأكادير، تم رصد اعتماد مالي يناهز 6 ملايين درهم لترميم أقدم قاعة سينمائية بالمدينة، "سينما السلام"، الواقعة في قلب حي الباطوار، والتي تعد من آخر ما تبقى من معالم ما قبل زلزال 1960. القاعة، التي صنفت في 2015 تراثا وطنيا بقرار من لجنة ثلاثية تمثل وزارات الداخلية والثقافة والتجهيز، كانت مهددة بالاندثار تحت ضغط لوبيات العقار، قبل أن تتحول ملكيتها إلى جماعة أكادير كهبة من أحد رجال الأعمال الغيورين على هوية المدينة، هذا التحول شكل نقطة ضوء في مسار إنقاذ هذا الصرح الثقافي، الذي ظل لعقود يحتضن ذاكرة أجيال من سكان أكادير وزوارها. مشروع الترميم، الذي سينجز على مراحل، عرف انطلاق أشغاله بعد فتح الأظرفة المتعلقة بطلب العروض في أبريل الماضي، بمقر شركة التنمية المحلية "أكادير الكبير للنقل والتنقلات الحضرية". ويشمل المشروع تهيئة المبنى التاريخي لقاعة "السلام" ومحيطه، وترميم الواجهة، وإحداث فضاءات خضراء، ضمن رؤية تروم تحويل الموقع إلى مركز ثقافي ينبض بالحياة وسط المدينة. القاعة، التي كانت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي من أبرز فضاءات الترفيه لشباب المدينة، تعيش اليوم وضعا مترديا رغم موقعها الإستراتيجي على مقربة من المنطقة السياحية، وقد تحولت، في ظل الإهمال، إلى نقطة سوداء تقلق السكان والفاعلين المدنيين، ما جعل مشروع الترميم بمثابة إعادة إحياء لمعلمة تختزن روح المدينة ونوستالجيا أجيال كاملة. وبهذا المشروع، تجدد جماعة أكادير التزامها، الذي سبق أن أكده رئيس المجلس الجماعي عزيز أخنوش في 2022، بالحفاظ على التراث العمراني والمعنوي للمدينة، ووضع الثقافة في صلب مشاريع التنمية الحضرية الشاملة. ترميم ساحة الأمل انطلقت بأكادير الأشغال التحضيرية لمشروع إعادة تهيئة ساحة الأمل، إحدى أبرز المعالم الحضرية التي تحتضن سنويا أهم الفعاليات الثقافية والمهرجانات الوطنية والدولية، هذا المشروع الواعد رصدت له ميزانية تناهز 20 مليون درهم، وتقدّر مدة إنجازه بستة أشهر. تندرج هذه المبادرة في إطار جهود جماعة أكادير للنهوض بالبنيات التحتية وتعزيز الجاذبية الثقافية والسياحية للمدينة، عبر إعادة الاعتبار لساحة تعد القلب النابض للأنشطة الفنية والاقتصادية بعاصمة سوس. يهدف المشروع إلى تأهيل الساحة الكبرى وتحسين جاهزيتها لاحتضان التظاهرات الكبرى، بما يتماشى مع طموحات سكان المدينة وتطلعات زوارها، وجعلها وجهة حضرية تليق بمكانة أكادير قطبا سياحيا وثقافيا في وسط المملكة. في المقابل، كانت ساحة الأمل محط انتقادات متزايدة من فعاليات مدنية ونشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، الذين أعربوا عن استيائهم من حالة التدهور التي آلت إليها خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الإهمال المتراكم، وغياب الصيانة الدورية، مما انعكس على تآكل أرضيتها وظهور الحفر في عدة مواضع. كما أشار عدد من المواطنين إلى افتقار الساحة للمرافق الأساسية كدورات المياه، مواقف السيارات، ومرافق الخدمات، وهو ما يضعف قدرتها على استيعاب الأنشطة الكبرى بشكل مريح ومنظم. من هذا المنطلق، يمثل مشروع التهيئة الجديدة فرصة حقيقية لإعادة الاعتبار لساحة الأمل، وتحويلها إلى فضاء حضري عصري ينسجم مع باقي المشاريع التنموية المفتوحة بالمدينة، والتي تروم الارتقاء بجودة العيش وتحقيق عدالة مجالية شاملة. نظام مراقبة متطور أعلنت شركة التنمية المحلية "أكادير سوس ماسة تهيئة" عن إطلاق مشروع إستراتيجي طموح يهدف إلى إرساء منظومة متكاملة للمراقبة بالفيديو، هذا المشروع، الذي يأتي في إطار برنامج التنمية الحضرية لأكادير (2020-2024) الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يمثل علامة فارقة في السعي نحو تحسين جودة الحياة وتطوير البنية التحتية للمدينة. يعنى المشروع بتركيب كاميرات مراقبة متطورة، تشمل كاميرات "بتز" الدوارة ذات القدرة العالية على التتبع، إلى جانب الكاميرات الثابتة الملونة التي توفر دقة استثنائية في التسجيل، كل ذلك مدعوم بجميع المعدات والملحقات اللازمة لضمان تشغيل النظام بأعلى درجات الكفاءة والفعالية، إضافة إلى ذلك، يتضمن المشروع تركيب أجهزة متطورة لنقل تدفقات الفيديو والبيانات عن بعد، باستخدام تقنيات بصرية أو لاسلكية، مع ضمان الربط عبر بنية تحتية تعتمد على الألياف البصرية، مما يضمن نقلا سريعا وآمنا للصور وأوامر التحكم. ولتفعيل هذا النظام بشكل مثالي، يولي المشروع اهتماما بالغا لتدريب الكوادر المحلية على استخدام الأجهزة والبرمجيات المبتكرة، مما يضمن استدامة النظام وكفاءته في مواجهة التحديات المستقبلية. هذا التدريب سيسهم بلا شك في رفع مستوى فعالية المنظومة وتعزيز قدرتها على تحسين الأمن العام في المدينة. تحيين برنامج العمل شهدت جماعة أكادير، خلال دورة ماي الأخيرة، مراجعة شاملة لبرنامج عملها الجماعي، في إطار تقييم مرحلي لحصيلة المشاريع وتحديث الأولويات التنموية للمدينة، وقد أفضت عملية التحيين إلى تثبيت 146 مشروعا، إما في طور الإنجاز أو مبرمجة للانطلاق في المستقبل القريب، ما يعكس دينامية واضحة في تنفيذ الالتزامات السابقة، رغم استمرار بعض التأخير في إنجاز 56 مشروعا من اللائحة الأصلية، والتي يرتقب تنفيذها خلال هذه السنة أو السنة المقبلة. وقد تم إغناء النسخة الجديدة من البرنامج بإدراج 40 مشروعا إضافيا، من بينها 17 مشروعا تندرج ضمن التحضيرات الجارية لاحتضان أكادير لمنافسات كأس إفريقيا للأمم، في المقابل، تم تحيين أو استبدال 25 مشروعا من القائمة السابقة، في الغالب بسبب تعقيدات تتعلق بصعوبة تعبئة الوعاء العقاري، وهو تحد مزمن يواجه تخطيط وتنفيذ عدد من المشاريع الحضرية بالمغرب. كما تواجه الجماعة ضغوطا مالية، دفعت المجلس الجماعي إلى المصادقة على منح الإذن لعزيز أخنوش، رئيس الجماعة بالحصول على قرض بقيمة 540 مليون درهم، لتغطية مساهمة الجماعة في برنامج التنمية الحضرية. ونظرا لالتزام الجماعة بتوفير مساهمتها المالية في عدد من البرامج التنموية، أصبح من الضروري البحث عن مصادر تمويل إضافية، كما هو الحال بالنسبة إلى برنامج التنمية الحضرية الذي تسهم فيه الجماعة بنسبة 31 في المائة، فإلى جانب اللجوء إلى بيع بعض العقارات الجماعية، كالمخيم الدولي الذي حدد ثمنه الافتتاحي في 280 مليون درهم (28 مليار سنتيم)، لجأت الجماعة أيضا إلى الاقتراض لتغطية نفقاتها الضرورية. وقد سبق للجماعة أن ولجت أسواق المال، من خلال عملية إصدار سندات طلب بقيمة مليار درهم، عن طريق اكتتاب خاص لمؤسسات استثمارية وطنية ودولية، بهدف تنويع مصادر تمويل برنامج التنمية الحضرية للمدينة. ويعد هذا القرض، عبر سندات الطلب، الأول من نوعه الذي تحصل عليه جماعة ترابية على الصعيد الوطني منذ صدور قانون الاقتراض، المتعلق بالجماعات الترابية في 24 يناير 2022، حيث تمكنت جماعة أكادير من الحصول على قرض بمليار درهم، سيخصص جزء منه لتمويل التزامات الجماعة، ضمن برنامج التنمية الحضرية 2020-2024. وتسهم وتيرة التنسيق مع مختلف الفاعلين، خاصة السلطات الولائية، في الدفع بعجلة التنفيذ، وقد أصبح الرهان اليوم قائما على تعزيز التعاون المؤسساتي لتجاوز العقبات التمويلية والعقارية التي تؤخر بعض الأشغال. ورغم السياق الاستثنائي الذي تفرضه استعدادات المغرب لتنظيم تظاهرات رياضية كبرى، مثل كأس العالم وكأس إفريقيا، لم تغفل الجماعة الحاجة إلى التدخل في الأحياء الناقصة التجهيز، وقد تم تسجيل تدخلات في عدد من هذه المناطق، من بينها تيكيوين، تدارت العليا، سفح الجبال، أغرود، وبنسركاو، حيث شرعت الجماعة في تحسين الإنارة العمومية وإعادة تأهيل شبكة الطرق، وتنفيذ مشاريع ذات طابع ثقافي، رياضي واجتماعي، بدعم من اتفاقيات شراكة، أبرزها تلك الموقعة مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. وفي ظل تعدد الأوراش المفتوحة، تطرح إشكالية احترام الآجال أحد التحديات المحورية، فعلى الرغم من التزام المجلس بإتمام المشاريع ضمن الجداول الزمنية المعلنة، لا تزال بعض العراقيل الميدانية تؤثر على وتيرة التنفيذ، ومع ذلك، تشير المؤشرات إلى وجود تفاعل مؤسساتي إيجابي في تدبير هذه العقبات، سواء داخل المجلس أو خارجه. وباتت التحولات التي تعرفها أكادير ملحوظة لدى السكان والزوار، إذ تشهد المدينة تحسنا تدريجيا في بنيتها التحتية ومرافقها الحضرية، غير أن هذه الإنجازات تظل مهددة بسلوكات فردية غير مسؤولة، قد تقوض مجهودات التحديث، ما يسلط الضوء على أهمية إشراك المواطن في الحفاظ على المنجزات، ليس فقط مستفيدا، بل شريكا في صيانتها واستدامتها.