تقرير أمني يكشف تغلغل الجماعة في فرنسا وتلقيها تمويلات مشبوهة لتهديد قيم الجمهورية عقد الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون، مجلسا للدفاع في قصر الإليزيه، لمناقشة تقرير وصف بالخطير والحساس، يتناول نشاط جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، وخلص إلى أن الجماعة تشكل خطرا على أمن الجمهورية، بسبب تغلغلها وأنشطتها وشبكاتها المتعددة داخل الدولة، في ما وصف باختراق واسع النطاق داخل المجتمع، من خلال المساجد ودور العبادة والجمعيات الخيرية والمدارس التعليمية، التي تستغلها للتجنيد، في "حربها" ضد قيم الجمهورية الفرنسية، مدعومة بأموال قطر ودول خليجية أخرى، ومستغلة خطاب المظلومية وتوظيف شعار "الإسلاموفوبيا"، في وقت تحافظ فيه على مبادئها القائمة على تقديم الشريعة على القانون وكراهية اليهود ودونية المرأة ورفض الآخر الديني. إنجاز: عصام الناصيري أعد التقرير الذي يحمل عنوان "الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا"، سفير فرنسي ومسؤول في الشرطة، بتكليف من وزارات الداخلية والخارجية والدفاع، قاما أثناء إنجازه بزيارات ميدانية داخل فرنسا، و4 دول أوربية أخرى، كما اجتمعا بـ 45 أكاديميا فرنسيا وأجنبيا من تيارات فكرية متعددة، إضافة إلى مسؤولين محليين ومركزيين ومن الجالية المسلمة. التأسيس تطرق التقرير إلى ظهور الجماعة، قبل قرن من الزمن في مصر، وكيف وضعت لرؤية إسلامية شمولية تختلف عن السلفية، مشيرا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تأسست في 1928 في مصر، التي كانت تحت الهيمنة البريطانية منذ سبعينات القرن التاسع عشر، وكان مجتمعها يعاني آثار انهيار الإمبراطورية العثمانية وإلغاء السلطنة والخلافة عام 1924. في هذا السياق دعا الإخوان الأوائل إلى رد فعل جماعي من الشعب عبر "أسلمة من القاعدة" تعتمد على "الدعوة"، وتهدف إلى تحقيق نظام حكم إسلامي ينبثق من أسلمة سلمية لأغلبية السكان، وأورد التقرير قولة مؤسس الجماعة، حسن البنا، المعلم البالغ من العمر 22 عاما حينها، "الإسلام هو الحل في مواجهة الغزو العسكري والسياسي والاجتماعي القادم من الغرب". وأوضح التقرير أن الجماعة حددت منذ البداية هدفا عالميا للإسلام الذي تدعو إليه، والقائم على ثلاثية الدين والحياة والدولة، وهذا أدى إلى انفتاح تنظيم الإخوان المسلمين على كل مسلم يبحث عن هوية إسلامية. وتميز تنظيم الجماعة بهيكل هرمي مستوحى من حسن البنا، الذي احتفظ بمكونين أساسيين من الطريقة الصوفية الأصلية، المتمثلين في التنظيم التقليدي للطرق الصوفية والاهتمام المركزي بالتربية، فبعد انتقال البنا إلى القاهرة في 1932، وسع الإخوان فروعهم في جميع أنحاء مصر لنشر الدعوة والتعليم والعمل الخيري، وتم إنشاء هيكل قيادي هرمي (التنظيم)، يتوج بالمرشد العام، الذي ينتخبه أعضاء المجلس الاستشاري. ويقوم الهيكل الهرمي لجماعة الإخوان المسلمين، على المرشد العام، ثم مكتب الإرشاد، يليه المجلس الاستشاري، ثم المكاتب الإقليمية، تليها المناطق، وأخيرا الأسر. بلوغ السلطة يقول التقرير إن الإخوان وصلوا إلى السلطة خلال الربيع العربي، بدعم من قاعدة شعبية قوية وأجهزة جمعوية ونضالية منظمة، إذ حققت الأحزاب الإسلامية انتصارات انتخابية كبيرة ابتداء من 2011، مما أوصلها إلى السلطة في تونس والمغرب ومصر. ولوحظ انفتاح المجال السياسي لصالح الأحزاب الإسلامية في الأردن، حيث سمحت الإصلاحات الدستورية والانتخابية للإخوان المحليين بزيادة ظهورهم، وكذلك في ليبيا مع إنشاء حزب العدالة والبناء. هذا الصعود دعمته وشجعته تركيا وقطر، حيث طورت السلطة السياسية علاقات وثيقة مع الحركة منذ عقود، وأظهرت دعمها عبر الوسائل الإعلامية والسياسية (إطلاق قناة الجزيرة في 1996 وبث "حوارات يوسف القرضاوي"). وقال التقرير إنه في مصر، لم يستطع الرئيس مرسي، الذي حصل على 24 في المائة فقط من الأصوات في الجولة الأولى، إشراك ممثلي المعارضة للنظام السابق في ممارسة السلطة، والذين ساهموا في فوزه الانتخابي، وأدت ممارسته الرئاسية العمودية للسلطة ومنحه الحصانة القانونية لقرارات الحكومة إلى سقوطه في يونيو 2013، بعد احتجاجات شعبية غير مسبوقة وتدخل الجيش. وفي المغرب وتونس، نجحت الأحزاب المنبثقة عن الإخوان المسلمين في الاندماج الدائم في اللعبة المؤسساتية، ففي تونس أظهرت حركة النهضة، عكس مصر رغبة سريعة في الاندماج في اللعبة السياسية، حتى عبر تنازلات عقائدية وتحالفات مع أحزاب غير إسلامية، وشاركت في السلطة حتى انتخاب قيس سعيد في 2019. إخوان المغرب في ما يتعلق بالمغرب، يقول التقرير إن حزب العدالة والتنمية، وريث الشبيبة الإسلامية، التي اتبعت تعاليم سيد قطب، بقي في الحكم عقدا كاملا (2011-2021)، في إطار تحالفات مع قوى سياسية أخرى. ويعود هذا الاستمرار أساسا لقبوله الإطار الذي وضعه الملك، الذي يعترف الحزب بشرعيته، حتى في المجال الديني. بالتوازي مع العدالة والتنمية انتشرت إيديولوجيا الإخوان في المغرب عبر جماعة العدل والإحسان، التي تأسست في 1973 وتتسامح معها السلطات، حسب تعبير التقرير. واستلهمت الجماعة الفكر الإخواني في بداياتها تحت قيادة مؤسسها الشيخ عبد السلام ياسين، لكنها اليوم تبدو منفصلة عن العدالة والتنمية وتضع نفسها منافسا له. تغلغل في فرنسا تطرق التقرير في جزء كبير منه إلى الإخوان المسلمين والإسلام السياسي في فرنسا، وكيف بنى الإخوان شبكة واسعة من المؤسسات في فرنسا، وكيف يشكل "مسلمو فرنسا" الذراع الرئيسي للإخوان في فرنسا. في 1983 تأسس "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" (UOIF)، ثم تغير اسمها عام 1989 إلى "اتحاد المنظمات الإسلامية لفرنسا"، قبل أن تعتمد اسم "مسلمو فرنسا" في 2017. وتعتبر الجناح الوطني لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا. ويترأس الجمعية منذ 2021 محسن نجازو، إمام مسجد مريم، ومدير المعهد الديني ابن خلدون في مرسيليا، وهو من القيادات القديمة في الجمعية. يقول التقرير إن كبار قادة "مسلمو فرنسا" الحاليين والسابقين يشغلون مناصب رئيسية في المجلس الأوربي للمفتين (CEM)، حيث تمتلك فرنسا أكبر عدد من المقاعد في الجمعية العامة (10 مقاعد). وأضاف أنه حسب مراقبين متابعين للحركة، فإن العدد الفعلي للأعضاء المعتمدين في الجناح الفرنسي للإخوان المسلمين يقدر بنحو 400 شخص، ولا يتجاوز بأي حال 1000. ويوجد 139 مسجدا تابعا لـ "مسلمو فرنسا" موزعة على 55 مقاطعة، بالإضافة إلى 68 مسجدا قريبا من الجمعية، أي ما يعادل 7 في المائة من إجمالي 2800 مسجد في فرنسا. كما أن 10 في المائة من المساجد المفتوحة بين 2010 و2020 انضمت لـ"مسلمو فرنسا" (45 من أصل 447). ويبلغ متوسط عدد المصلين في مساجد الحركة يوم الجمعة حوالي 91 ألف مصل، علما أن حضور المسجد لا يعني بالضرورة العضوية في التنظيم. تدعي جمعية "مسلمو فرنسا" أنها تضم 53 جمعية، معظمها دينية، منها 31 نشطة (قياديوها ممثلون محليون للجمعية) و22 عادية (انضمام بسيط). وتزعم أيضا أنها تتعاون مع 51 جمعية أخرى تدير مساجد في فرنسا، وتمتلك 26 مسجدا إما مباشرة أو عبر شركات مدنية، لكن التحقيقات تشير إلى وجود 280 جمعية مرتبطة بالحركة، تعمل في مجالات متعددة مثل الشؤون الدينية والخيرية والتعليمية والمهنية والشبابية والمالية. أموال الخليج تبلغ ميزانية "مسلمو فرنسا" حوالي 500 ألف أورو سنويا، بعد انخفاضها إلى النصف خلال خمس سنوات، وكان لإلغاء "الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا" في "لو بورجيه"، الذي كان يجذب أكثر من 100 ألف مشارك في العقد الماضي، تأثير كبير على مواردها المالية. ولتمويل مشاريعها، اعتمدت "مسلمو فرنسا" بشكل كبير على صناديق التبرع في أواخر العقد الأول من القرن الحالي، إلا أن العديد منها أغلق بسبب سوء استخدام الأموال . إلى حدود 2019، كانت مشاريع "مسلمو فرنسا" قادرة على تلقي تمويلات خارجية من قطر عبر المراكز الإسلامية (ستراسبورغ، ميلوز، فيلنوف داسك، شيلتغهايم، ليل، مرسيليا، المعهد الأوربي للعلوم الإنسانية IESH، ومساجد سين سان دوني)، ومن الكويت عبر (ميلوز، فيلنوف داسك، شيلتغهايم، مرسيليا، نوجينت، ليل)، والسعودية عبر (ميلوز وIESH). خلاصات اعتبر التقرير أن الطابع التخريبي للإسلام السياسي، الذي يستهدف تغيير النظامين السياسي والاجتماعي على المدى البعيد، يظل سمة ملازمة لجماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها، وما زال حاضرا بقوة في الحركات المنبثقة عنها. ورغم تكييف الإيديولوجية مع الغرب عبر شخصيات مثل يوسف القرضاوي وعائلة رمضان باستخدام ثنائية الخطاب، وادعاء "الإسلاموفوبيا" باعتبارها أداة للتضليل، تظل المبادئ الأساسية كما هي. وخلص التقرير في ما يتعلق بالهيكل التنظيمي السري، أن الإخوان في أوربا وفرنسا يعتمدون على نواة سرية ذات قيادة هرمية، مع توسع نفوذها عبر شبكة أوسع من الأنشطة الظاهرة، ويعتمدون في إستراتيجيات الاختراق على المجال الديني من خلال بناء المساجد وتدريب الأئمة، وفي المجال التعليمي من خلال المدارس الدينية مثل معهد ابن خلدون، ويعتمدون أيضا على المجال الاجتماعي من خلال جمعيات خيرية وشبابية باعتبارها أذرعا للتجنيد. الإخوان لا يتغيرون بالنسبة إلى الثوابت الإيديولوجية، يرى التقرير أنها غير قابلة للتغيير، من خلال تقديم الشريعة على القوانين المدنية ("القرآن دستورنا")، الأمر نفسه لدونية المرأة ورفض الآخر الديني (تكفير المرتد، معاداة اليهود تحت غطاء "معاداة الصهيونية"). وفي ما يتعلق بأدلة التخريب، فتتمثل حسب التقرير في أعضاء ومنظمات معادية للجمهورية، مثل الداعية حسن إيكويسن المطرود في 2022، وجمعية "CCIF" التي حلت في 2020 بسبب التحريض على الكراهية، وجمعية "هيومانيتير" التي تخضع لتحقيق قضائي حول تمويل الإرهاب. وخلص التقرير أيضا إلى أن الإخوان يتلقون تمويلات خارجية مشبوهة من قطر عبر صناديق وهمية مثل "الوقف"، الذي أغلق لتمويله أنشطة دينية غير قانونية. وانتهى التقرير إلى أنه رغم ادعاء الإخوان الاعتدال، إلا أن الحركة الفرنسية الممزوجة في الوقت الحالي بالسلفية والتيار التبليغي، تواصل تنفيذ أجندتها عبر التمويه بخطاب "الإسلاموفوبيا"، وبالاختراق القانوني عبر جمعيات ظاهرها إنساني، وبالتمويل الخليجي المشبوه، إلا أن هذه الآلية الممنهجة، المدعومة بشبكة دولية، تهدد القيم الجمهورية وتستدعي يقظة مستمرة من السلطات الفرنسية.