مسؤولون كبار بمراكش أمام الجنايات بتهم ثقيلة بعدما تحالفوا مع مضاربين ضد مشاريع ملكية طمعا في الاغتناء من بين ملفات جرائم الأموال التي استأثرت باهتمام الرأي العام وجعلت "الصباح" تقرر تسليط الضوء عليها، في محاولة لسبر أغوارها، ملف تبديد عقارات للدولة توجد بمناطق إستراتيجية وتفويتها لعلية القوم تحت غطاء تشجيع الاستثمار، ما تسبب في حرمان خزينة الدولة من ملايير الدراهم، وهي الفضيحة التي كشفت الغطاء عن شخصيات كبيرة استغلت نفوذها ووظفت القرار العمومي لخدمة مصالح شخصية، وهو ما يشكل انحرافا جسيما في ممارسة السلطة، كما ألحق أضرارا بالغة بالمجتمع، عامة، وبسكان الجهة، خاصة، والذي كان بالإمكان توظيفه في رفع تحديات الاستثمار الحقيقي والتنمية والتشغيل وإنتاج الثروة عوض إغناء بعض الأشخاص المتورطين في الفساد ونهب المال العام. إعداد: محمد بها أجلت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش، الجمعة الماضي، أولى جلسات محاكمة المتهمين في ملف تفويت أملاك الدولة بالمدينة الحمراء، بعد أن قررت هيأة الحكم تأجيل النظر في ملف مثير إلى 20 يونيو الجاري، من أجل استدعاء خمسة متهمين إضافيين إلى جانب الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان وجماعة مراكش. ويكشف الملف الذي يوجد تحت مجهر غرفة جرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش، تورط شخصيات وازنة، من بينها مسؤولون نافذون بالمدينة ومنتخبون ومنعشون عقاريون، في الاستيلاء على عقارات للدولة بالتدليس وتوزيع غنائمها في ما بينهم، بالاستعانة بمؤسسات عمومية للحصول على العقار العمومي بأثمنة رمزية، ضمنه أملاك تابعة للملك الخاص للدولة وممتلكات تابعة لوزارة الأوقاف، في استغلال لجنة الاستثناءات للسطو على عقارات الدولة، تحت غطاء تشجيع الاستثمار، في حين أن الحقيقة لم تكن سوى الرغبة في مراكمة الثروة على حساب الصالح العام. شخصيات كبيرة وتهم ثقيلة موازاة مع التأجيل فإنه بالنظر إلى صك المتابعة يتبين أن الملف يحفل بالكثير من عناصر التشويق والإثارة، لما يتضمنه من معطيات خطيرة طوقت أعناق مسؤولين كبار عن الشأن العام المحلي بمراكش، فإضافة إلى عبد الفتاح لبجيوي، والي جهة مراكش آسفي المعزول، يوجد محمد العربي بلقايد، عمدة مراكش السابق، ضمن لائحة المتهمين، وكذا إدريس العمري العلوي، المدير الإقليمي السابق للأملاك المخزنية، وعبد الرحيم بوعلالة، المدير الجهوي للأملاك المخزنية، وإبراهيم خير الدين، المدير الجهوي السابق لمركز الاستثمار، وخالد وية، المدير السابق للوكالة الحضرية، ورشيد لهنا، الرئيس السابق لقسم التعمير بولاية جهة مراكش آسفي، وهم المتهمون الذين وجهت لهم جنايتا تبديد أموال موضوعة تحت يد موظف عمومي بمقتضى وظيفته والمساهمة في تزوير محررات رسمية. ويتابع في الملف أيضا، إسماعيل لمغاري، الرئيس السابق لمقاطعة سيدي يوسف بن علي، والذي يشغل حاليا منصب نائب عمدة مراكش، من أجل تلقي فائدة عقد، في حين توبع يونس بنسليمان، نائب العمدة السابق وهو برلماني ونائب رئيس جهة مراكش آسفي، من أجل جنايات "تبديد أموال موضوعة تحت يد موظف عمومي بمقتضى وظيفته وتلقي فائدة في عقد واستعمال محرر رسمي مزور"، فيما توبع عبد العزيز البنين، البرلماني السابق وعضو المجلس الجماعي لمراكش وعضو مجلس جهة مراكش آسفي، بجنايتي "المشاركة في تبديد أموال عامة موضوعة تحت يد موظف عمومي بمقتضى وظيفته واستعمال محرر رسمي مزور"، ووجهت لعبد الحميد المتعلق بالله (مسير مجموعة شركات خاصة بيونس بنسليمان)، جنايات "المشاركة في تبديد أموال عامة موضوعة تحت يد موظف عمومي بمقتضى وظيفته واستعمال محرر رسمي مزور، والمشاركة في تلقي فائدة في عقد". ومن خلال جلسات المحاكمة التي يتابع فيها مسؤولون كبار، منهم من هو في حالة اعتقال وآخرون في حالة سراح، أمام غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش، يتضح أن الملف يحمل عناصر التشويق والإثارة، بعدما سيتم الكشف عن عناصر إثبات ضد المتهمين، الذين يحاولون تبرئة أنفسهم من تهم ثقيلة تواجههم بعدما استغلوا النفوذ لتفويت أملاك الدولة بغير وجه حق طمعا في تحقيق الاغتناء السريع. شكاية حماة المال العام فضحت الواقعة لم يكن من السهل أن تتفجر جرائم المتهمين، الذين كانوا يعملون ضمن مخططات احترافية لتفادي الشكوك والمساءلة القضائية، لولا أن تقدمت الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، بشكاية أمام الوكيل العام المكلف بجرائم الأموال بمراكش، من أجل فتح بحث قضائي في شأن عشرات الهكتارات من أملاك الدولة التي تم تفويتها لمجموعة من كبار المنتخبين والمضاربين، في إطار لجنة الاستثناءات التي كان يرأسها عبد الفتاح لبجيوي، الوالي السابق لجهة مراكش آسفي والذي تم عزله، وهي الشكاية التي تفاعل معها المسؤول القضائي بالمدينة الحمراء بشكل إيجابي، إلى أن تم فك لغز وقائع تقتضي المتابعة. ومن بين هذه العقارات بقع أرضية كانت مخصصة لاحتضان مرافق عمومية في إطار المشروع الملكي "مراكش الحاضرة المتجددة"، والتي تم توقيع الاتفاقية المتعلقة به أمام الملك محمد السادس في يناير من 2014. وكشف عبد الإله طاطوش، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، أن شكاية الجمعية الموجهة إلى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمراكش، لا تتعلق بالمشروع الملكي (مراكش: الحاضرة المتجددة)، وإنما بعقارات مملوكة للدولة تم تفويتها، في ظروف مشبوهة، لمنتخبين ومضاربين في إطار لجنة الاستثناءات، وضمنها عقارات كانت مخصصة لاحتضان مرافق عامة في إطار المشروع الملكي "مراكش الحاضرة المتجددة". وأضاف طاطوش أن الشكاية سبق أن تم الاستماع إليه في شأنها، نهاية 2018، من قبل الفرقة الجهوية التابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، قبل أن يحال ملف القضية على رئاسة النيابة العامة بالنظر إلى أن المشتكى به الأول عبد الفتاح لبجيوي، مازال يتمتع بالامتياز القضائي، لأنه كان ما يزال يحمل صفقة وال ولم يتم عزله بعد. وبعد توالي الإجراءات المسطرية، تم الاستماع إلى الوالي المعزول الذي تمت إحالته على محكمة النقض نظرا لتمتعه بالامتياز القضائي، في شأن عشرات الهكتارات من أراضي الدولة، التي فوتها لمنتخبين ومضاربين بمراكش، وضمنها عقارات كان مقررا أن تحتضن مرافق عمومية في إطار المشروع الملكي (مراكش: الحاضرة المتجددة)، قبل أن تحال القضية على الوكيل العام للملك من أجل تكييف التهم وإحالة الملف على قاضي التحقيق، الذي قرر بعد انتهاء التحقيقات التفصيلية متابعة المتهمين وإحالتهم على غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش وتسطير المتابعة في حق كل متهم حسب المنسوب إليه. تواطؤ منتخبين ومضاربين من بين المعطيات الخطيرة التي تفجرت وكشفت اللثام عن تلاعبات بأملاك الدولة، قال طاطوش إنه من خلال التحريات والمعطيات والوثائق التي حصلت عليها الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، والتي وضعتها رهن إشارة الوكيل العام والفرقة الوطنية للشرطة القضائية، تبين أن عشرات الهكتارات المملوكة للدولة تم تفويتها، في إطار لجنة الاستثناءات، لمنتخبين ومضاربين، وضمنها عقارات كان مقررا أن تحتضن مرافق عمومية في إطار المشروع الملكي "مراكش الحاضرة المتجددة" ولذلك تعثر أو تمت عرقلة هذا المشروع الضخم، الرامي إلى تأهيل و هيكلة المدينة الحمراء. ويتعلق الأمر ببقعتين أرضيتين بمنطقة العزوزية بمقاطعة المنارة مجاورتين للمحطة الطرقية الجديدة التي أضحت "بناية شبحا" بعد أن تواصل مسلسل إغلاقها لسنوات في ظل تعثر برنامج تشغيلها للقيام بدورها كباقي المحطات، إذ سبق للمجلس الجماعي لمراكش، أن خصص ثلاث بقع في ملك الدولة، لبناء المحطة الطرقية على الأولى والبالغة مساحتها 6 هكتارات، والبقعة الثانية من أجل إنشاء محطة لوقوف سيارات الأجرة، وتوسيع السوق البلدي للعزوزية على الثالثة. وبلغت المساحة الإجمالية للبقعتين الثانية والثالثة حوالي 5900 متر مربع، غير أنه وفي ظروف غامضة، توقفت مسطرة الاقتناء للبقعتين الأخيرتين وتم تفويتهما للخواص في ظروف مشبوهة، إذ تحولتا إلى ورشين لبناء فندق ومحطة لتوزيع المحروقات، وهما المشروعان اللذان تمت المصادقة عليهما في إطار لجنة الاستثناءات، التي ترأسها عبد الفتاح لبجيوي، الوالي السابق المعزول. سطو على حساب مشروع تعليمي من الأمور المثيرة في الملف، أن بقعة أرضية مملوكة للدولة بمقاطعة سيدي يوسف بن علي، سبق أن تم وضعها رهن إشارة وزارة التربية الوطنية، من أجل إنشاء مؤسسة تعليمية، قبل أن يتم تفويتها لرئيس مقاطعة سيدي يوسف بن علي، في إطار لجنة الاستثناءات، من أجل إنشاء محطة لتوزيع المحروقات ومطعم ومقهى. وحالت شكاية الجمعية دون إتمام هذه العملية، إذ تدخل أحمد صبري الوالي بالنيابة، الذي خلف الوالي المعزول، وسحب الترخيص من يد رئيس مقاطعة سيدي يوسف بن علي، وتمكنت وزارة التربية الوطنية من استرداد العقار وشرعت منذ شهور في بناء المؤسسة التربوية المذكورة، ليستفيد منها أبناء سيدي يوسف بن علي، الموسم الدراسي المقبل. تفويت معالم تاريخية بجرة قلم بلغت جرأة المتهمين حد مواصلتهم التفويت لأهم المعالم التاريخية لمراكش، فالرياض التاريخي المعروف بـ "دار زنيبر" المحاذي للمعلمة التاريخية المعروفة "الباهية" بالمدينة العتيقة، والذي كان مبرمجا في إطار (مراكش الحاضرة المتجددة) قصد إصلاحه وإعادة تهيئته من أجل جعله فضاء ثقافيا وفنيا لفائدة سكان المدينة العتيقة، تم تفويته لشركة يديرها شخص ليس سوى واجهة لأحد كبار المنتخبين، والذي حول هذا الفضاء لمطعم. وكشفت الأبحاث المنجزة، أنه سبق للمجلس الجماعي السابق، وبتنسيق مع مصالح ولاية جهة مراكش آسفي، أن وافق على إعادة تأهيل طوالة بوعشرين، الرابطة بين حي الملاح وحي رياض الزيتون، حيث توجد المعلمة التاريخية الباهية، إذ تم الاتفاق على إعادة ترميم وتأهيل الرياض التاريخي المعروف بـ"دار زنيبر" أو "بيرو زنيبر"، وهو رياض يعود تاريخ بنائه إلى القرن التاسع عشر، وهو مصنف ضمن التراث الوطني، غير أنه بعد انتخاب مجلس جماعي جديد، و في ظروف غامضة تم منحه لفائدة إحدى الشركات، في إطار الكراء متوسط الأمد والقابل للتجديد، وذلك من أجل إقامة مطعم، علما أن الممثل القانوني للشركة الحائزة على العقار، تكرر ذكره في أكثر من ملف أمام لجنة الاستثناءات واستفاد من العديد من العقارات المملوكة للدولة، خلال الفترة الممتدة ما بين 2016 و2018. ورغم أن الرياض المذكور، وضعته إدارة أملاك الدولة منذ النصف الثاني من ستينات القرن الماضي، رهن إشارة وزارة الثقافة، إلا أنه في ظروف غامضة تم منحه للشركة سالفة الذكر، علما أنه كان مبرمجا في إطار مشروع "مراكش.. الحاضرة المتجددة"، لتحويله إلى فضاء ثقافي وفني. وينتظر الرأي العام بفارغ الصبر استئناف جلسات محاكمة المتورطين في ملف جرائم تفويت أملاك الدولة، التي تمت تحت شعار "تشجيع الاستثمار"، والحال أنها لا تعدو أن تكون استيلاء على عقارات الدولة والمضاربة فيها من قبل منتخبين ومضاربين، بدليل أن عددا من هذه المشاريع وبمجرد حصول أصحابها على الموافقة المبدئية من قبل لجنة الاستثناءات، باعوها بأثمان خيالية لمستثمرين ومنعشين عقاريين، على حساب مشاريع كبرى كانت مخصصة لفائدة الوطن والمواطن.