بعد الاعتقالات الأخيرة، التي طالت بعض من يصفون أنفسهم بـ "المؤثرين والمؤثرات"، على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب التفاهة التي يقدمونها، والتي وصلت حد السب والشتم والمس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم، والتي شكلت نوعا من الردع، الذي طالما كان المطلب الأساسي، للحد من هذه التفاهة، جاء دور الأسر في المراقبة والتتبع. التفاهة التي غذت مواقع التواصل وأقحم فيها أطفال أبرياء، من قبل من يفترض فيهم العمل على حمايتهم، شكلت نوعا من الاسترزاق، الذي انخرطت فيه العديد من الأسر، في ضرب للقيم والمبادئ، التي يفترض أن تؤطر سلوكها، وهو ما أنتج مثل تلك النماذج التي هي الآن رهن الاعتقال، بل إنه منحها نوعا من الثقة الزائدة في أنها محمية من "السوشل ميديا"، وأن بإمكانها فعل ما تريد، ما دام أن الأمر ينتهي بتحقيق أرباح مهمة من عائدات تلك المواقع، ومن المتاجرة بأبنائها، ولاغتصاب طفولتهم، وحرق مراحل النمو الطبيعي لهم، بإدخالهم في عالم افتراضي، لا يعون درجة الخطورة التي يسببها لهؤلاء الأطفال، مادام أن الأمر يدر أرباحا. الغريب في الأمر أن هناك أسرا، عندما تتحدث عن التفاهة، التي تضج بها مواقع التواصل الاجتماعي، تبدأ في البحث عن مبررات بأن ذلك يدخل في إطار التطور التكنولوجي، وأنه لا يمكن السيطرة على الأطفال ومراقبة ما يشاهدونه، وهي كما يقال حجة من لا حجة له، فالتطور التكنولوجي ليس ملتصقا بالتفاهة، بل هناك أمور مهمة تطرح داخله يمكن للطفل الاستفادة منها، وتقوية مهاراته، في جميع الميادين وتساهم في رسم شخصيته، في احترام تام لسنه، وهذا هو دور العائلة التي تريد تربية جيل حقيقي، بعيدا عن الميوعة وعن الربح السريع. لقد حان الوقت لنضع نقطة ونعود إلى السطر، لتغيير ما يمكن تغييره من السلوكات، بدءا من الأسرة التي عليها أن تعي أن ما يقدم على تلك المواقع يساهم في الهدم أكثر من البناء، ويفقدها قيمتها المعنوية، التي تميزها داخل المجتمع، وأن مسؤوليتها هي التربية، التي ربما تخلت عنها لمواقع التواصل، كما عليها أن تعلم أبناءها أن الحياة الخاصة خط أحمر، لا يجب أن يكون متاحا للجميع، وأن التربية وحسن الخلق متلازمان لا يمكن الاستغناء عنهما. قد يقول البعض إن الأمر صعب التطبيق، لكنه ليس مستحيلا، ولا يتطلب سوى العزيمة والرغبة الحقيقية في التغيير، حماية لجيل قد يزيغ عن الطريق بسبب هذه التفاهة، وبسبب عجز الأسر عن المراقبة والتتبع، وبسبب هذا الاستثناء الذي أضحى قاعدة، والتي يخشى أن تستمر إلى أن يصبح ما قال أحمد شوقي هو السائد. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma