تحقق المثل المصري القائل "الدنيا دوارة"، بالملموس، في المغرب، في الوقت الراهن، لكن ليس بالقصد الذي يحمله، بل بطريقة أغرب من الخيال، بعد أن أضحى هاجس عينة من الشعب المغربي مرتبطا بـ"دوارة العيد"، التي صارت الشغل الشاغل لها، وكأن عيد الأضحى محوره تلك "الدوارة" التي دخلت موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية في ثمن بيعها. تحولت "دوارة العيد"، التي كانت إلى وقت قريب لا تشكل أي أهمية، إلى حديث الشارع المغربي، بسبب كثرة الطلب عليها، وارتفاع ثمنها، في ظل القرار الملكي الذي أهاب فيه بعدم ذبح أضحية العيد حفاظا على القطيع. هذا القرار الملكي، الذي لقي ترحيبا قل نظيره من قبل جميع فئات الشعب المغربي، باعتبار أنه على امتداد السنوات الماضية أثقلت المضاربات في أثمنة أضحية العيد، والارتفاع الصاروخي لها جيوب المغاربة، إذ أضحت عبئا عليهم. وفي ظل الحرص الملكي على عدم الإضرار بالمواطن، اتخذ ذلك القرار، الذي تبخر أثناء التطبيق، بعدما تهافت عدد من الأسر على شراء أكباش وذبحها خفية حتى قبل العيد بأيام، أو البحث عن "الدوارة" التي وصل ثمنها إلى 800 درهم. المضحك المبكي في الأمر أن بعض الأسر شرعت في تبرير ما اقترفته من شراء أضحية العيد، بإقامة عقيقة ابنها الذي يدرس الآن في مستوى السادس ابتدائي، بل الأكثر إضحاكا أن البعض بعدما بلغ من العمر سنينا اكتشف أن "والده لم يذبح عليه"، عند ازدياده، ما اضطره إلى شراء الكبش ليس للأضحية ولكن لـ"السمية"، وغيرها من التبريرات التي أظهرت أن هناك فجوة حقيقية في وعي المواطن، الذي يرفع راية الاحتجاج على وضع ما، وعند اتخاذ قرار في صالحه يسعى جاهدا إلى مخالفته، ولسان حاله يقول "إنا عكسنا". وفي الوقت الذي كان يفترض أن يظهر الشعب برمته التزامه بالقرار الملكي، بشكل طبيعي دون الحاجة إلى تدخل أي جهة، خالف البعض الأمر وسارع إلى تحقيق انتعاشة لفائدة "الشناقة" الذين وجدوا ضالتهم في هذه "اللهطة" ما أنعش سوق الذبيحة السرية، ما اضطر السلطات إلى التدخل لتطبيق القانون. لقد كشفت هذه "اللهطة" أن علاقة بعض المواطنين بعيد الأضحى ليست دينية، بل علاقة "لحمية" فقط، لأن حتى من يعارضون قرار منع الذبح، ويبررون ذلك بأنه مخالفة لشريعة إلهية، لا يدركون أن ذبح أضحية العيد في غير ميقاتها، لا علاقة له بالشريعة وبعيد عن الدين الإسلامي الذي يأمر بطاعة أولي الأمر، وأن الله سبحانه وتعالى جعل من الأضحية سنة وليست فرضا، والغاية منها التقرب إلى الله، ولكن دون أن يكون في هذا التقرب أي نوع من الهلاك. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma