النواصر ينفض غبار الضواحي

شكلت دار بوعزة حدث الأسبوع الماضي بعد أن شهدت تدخلا حازما لإنهاء مرحلة العشوائية والتسيب في استباحة الملك العمومي، وهي العملية التي اعتبرها المتتبعون للشأن المحلي «ثورة» لإعادة الاعتبار لإقليم النواصر الذي يعول عليه ليكون قطبا حضريا وصناعيا وسياحيا. إنجاز: محمد بها / تصوير : (عبد اللطيف مفيق) لأن إقليم النواصر يتمتع بموقع إستراتيجي ونقطة عبور تجمع بين البيضاء ومجموعة من المدن ويحتضن مطارا دوليا يعد الأكبر والأهم في المغرب، وباعتبار المنطقة نقطة جذب باحتضانها لمشاريع سكنية فاخرة وصناعية وتجارية كبرى وشريط ساحلي يغري المستثمرين في الميدان السياحي والترفيهي، كان لا بد لعامل الإقليم من مباشرة سلسلة من القرارات الحازمة، لتغيير جلد رقعة ترابية تتوفر على كافة مقومات النهضة العمرانية والاجتماعية والاقتصادية، بعد أن تقرر نفض "غبار الضواحي" عن الإقليم، ليسلك طريق التحضر والعصرنة والأوراش الكبرى. انطلقت سلسلة الأوراش المفتوحة، بتأهيل الأحياء الناقصة التجهيز وإنجاز الربط الطرقي لتخفيف مشاكل سوء توزيع دواوير وأحياء إقليم النواصر المترامية الأطراف وتشجيع الاستثمار، ومحاربة البناء العشوائي بهدم المباني القصديرية والأسواق العشوائية وتحرير الطرق بمناطق الرحمة وبوسكورة وأولاد أحمد ودار بوعزة من الباعة الجائلين و"فتوات" الشارع الذين يفرضون إتاوات على السائقين باسم حراسة السيارات والمركبات، وهي المبادرات التي تهدف إلى إنهاء معاناة سكان ينتمون إلى فئة "الهاي كلاس" والفئات المتوسطة والفئات المحدودة الدخل الذين وجدوا أنفسهم وسط فسيفساء متناقضة، كانت تحتاج إلى قرارات جريئة للخروج من عباءة الترييف ومنطق "كلا يلغي بلغاه". أسياد الملك البحري... نهاية أسطورة أسطورة "ذوي النفوذ وصحاب لفلوس فوق القانون" أضحت من مخلفات الماضي، بعدما شرعت السلطات المحلية بمنطقة دار بوعزة، ضواحي البيضاء، بقيادة جلال بنحيون عامل إقليم النواصر، في اتخاذ خطوات جريئة وغير مسبوقة لتحرير الملك البحري واسترجاع الأراضي العمومية التي يستغلها عدد من ممن يعتبرون أنفسهم أسيادا للملك البحري، ضمنهم أرباب المقاهي والمطاعم والحانات والمسابح الخاصة والمركبات الترفيهية "الفي أي بي" المنتشرة على الشريط الساحلي. وصححت السلطات بدار بوعزة التابعة لعمالة إقليم النواصر فوضى المطاعم والمقاهي والحانات والمسابح ومختلف المنشآت المشيدة فوق الملك البحري الذي حولته إلى شواطئ خاصة "لبلاج بريفي"، بعد مباشرتها حملات هدم واسعة النطاق لتمكين سكان المنطقة وزوارها من الاستمتاع بالشاطئ دون مضايقات، باعتبار أن الملك العمومي يجب أن يظل متاحا لجميع المواطنين وليس لحساب فئة معينة دون غيرها. ورغم الخطوة التي أثارت استياء كبيرا لدى المستثمرين الذين ينشطون على مستوى شاطئ دار بوعزة، خاصة وأنها تتزامن مع التباشير الأولى لفصل الصيف، الذي يشكل موسما ذهبيا للحركة التجارية بالمنطقة، ومحاولة أصحاب المقاهي والمطاعم الحصول على تعاطف السلطات بالتأكيد على ضياع أموالهم إثر إصلاحات مكلفة، كانت مخصصة للإعداد لتحسين خدمات وجهة سياحية شهيرة، إلا أن قرار الهدم شدد على أنه لا تسامح مع احتلال الملك البحري، وأن عهد التطبيع مع الفوضى والعشوائية وسياسة "باك صاحبي" قد ولى إلى غير رجعة. ولم تستثن الحملة التصحيحية أصحاب الإقامات السكنية الفاخرة الذين استطابوا المرحلة السابقة التي كانوا فيها يشرعنون قانون الغاب، بعد لجوء سكان الإقامات السكنية "الهاي كلاس" والفيلات الكبيرة المحاذية لشواطئ دار بوعزة، إلى إغلاق أجزاء شاسعة من الملك البحري بمتاريس حديدية وإسمنتية لمنع المواطنين من الولوج إليها، مع تغيير معالم الفضاء العمومي وتخريب ممتلكات للدولة، إذ تمت إزالة عدد من الحواجز وإعادة الأمور إلى نصابها رغم احتجاجات الأسر والعائلات التي تعتبر نفسها فوق القانون ولا يمكن أن تجاور "عامة الناس". "بلطجة الكارديانات"... نهاية مرحلة مظاهر الفوضى التي اكتسحت أزقة وشوارع إقليم النواصر، وحولت المناطق التابعة له إلى فضاءات تغرق في براثن الفوضى، واقع مؤلم أصبح حكايات من الماضي، بعدما تحركت السلطات أخيرا بتراب جماعة دار بوعزة بتعليمات من عامل إقليم النواصر في حملة لاستعادة الملك العمومي، وإنهاء بلطجية "عصابة الكارديانات" المعروفين بأسماء متعددة "مالين جيلي"، و"باردين الكتاف" و"فتوات الشارع العام" الذين استباحوا مبادئ العيش المشترك لفرض إتاوات غير مشروعة على دافعي الضرائب، في انتظار تعميم الحملة على باقي المناطق التابعة للإقليم. وشنت السلطات المحلية بدار بوعزة، حملة واسعة ضد "فتوات" يتناوبون على استخلاص رسوم حراسة لا توجد في الواقع، وهي الفوضى التي كانت مألوفة قبل أن يتقرر وضع حد لها، بحملات عقب القرار الذي اتخذه عامل إقليم النواصر، والقاضي بإلغاء صفقة كراء الشوارع العمومية، التي سبق أن أبرمتها رئيسة جماعة دار بوعزة، والتي أثارت جدلا واسعا في صفوف السكان ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي. وبموجب هذا القرار، أصبح التوقف في الشوارع مجانيا بالكامل، ما دفع السلطات إلى التدخل العاجل لإبعاد الحراس العشوائيين الذين واصلوا فرض رسوم غير قانونية على المواطنين، مستغلين غياب المراقبة ومكتفين بأساليب الترهيب في حق من يحتج على سلوكاتهم غير السوية، الأمر الذي اعتبره سكان المنطقة والزوار إعلانا صريحا من قبل المسؤول الأول عن الإقليم على بداية مرحلة استرجاع الفضاءات العامة وجعلها في خدمة السكان، سواء من خلال تأهيلها أو توفير مواقف منظمة للسيارات وفق دفتر تحملات واضح وتحت إشراف الجهات المختصة. تحرير الشريط الساحلي..."الله يعز القانون" "الخير إلى جا كيجي فمرة" من الأمثلة الشعبية التي يمكن إسقاطها على الخطوات الإصلاحية التي استفاق سكان إقليم النواصر عليها في الآونة الأخيرة، إذ لم تتوقف حملة تحرير الملك العمومي بالإقليم على مطاردة "بلطجية الكارديانات" ومحاصرة فوضى "المقاهي المتنقلة" و"التريبورتورات"، بل شملت تحرير الشريط الساحلي بشن حملة أمنية ضد أصحاب المواقف العشوائية ومستغلي الشواطئ بمنطقة دار بوعزة الذين يفرضون على المصطافين كراء المظلات الشمسية "الباراسولات" والكراسي بأثمنة خيالية، شرطا للسماح لهم للاستلقاء فوق الرمال الذهبية والاستمتاع بأجواء البحر. ونظم قائد ملحقة دار بوعزة، بتنسيق محكم مع عناصر الدرك الملكي، الثلاثاء الماضي، حملة واسعة استهدفت تحرير الشريط الساحلي للمنطقة من الاستغلالات غير القانونية، والتي حولت العديد من الفضاءات العامة إلى مواقف عشوائية للسيارات أو لكراء المظلات الشمسية التي استغلت مساحات واسعة من الشاطئ، يديرها أشخاص خارج الإطار القانوني، وهو الإجراء الذي جاء تنفيذا لتعليمات صارمة من عامل إقليم النواصر، في إطار الجهود المبذولة من أجل إعادة النظام واحترام القانون في واحدة من أكثر المناطق الساحلية الحيوية التي تعرف إقبالا كبيرا من الزوار خصوصا مع حلول التباشير الأولى لموسم الصيف. وشملت الحملة إغلاق جميع الفضاءات التي تم الاستيلاء عليها دون سند قانوني، إذ تم هدم الأكشاك غير المرخص لها، والتي كانت تستخدم "براريك" لحراسة السيارات، مقابل مبالغ مالية تفرض على المواطنين بشكل غير مشروع. وخلفت المبادرة ارتياحا كبيرا في صفوف المواطنين الذين أشادوا بالتوجه الجديد لمحاربة العشوائية ووضع حد لحقبتها التي أخرت التنمية في الإقليم لعقود من الزمن، مشددين على أنه انتهى عهد فوضى "عصابات الكارديانات" التي كانت تتحكم في رقاب السكان والزوار، بعدما استباحت القانون للسيطرة على الشريط الساحلي وتدبيره لتحقيق مداخيل مهمة غير مشروعة. ووجهت هذه الحملة رسالة قوية لكل من يحاول استغلال الفضاء العمومي خارج القانون، مفادها أن مرحلة الفوضى قد ولت إلى غير رجعة، وأن السلطات لن تسمح بشرعنة قانون الغاب وابتزاز سائقي السيارات والدراجات النارية لتحقيق مكاسب غير قانونية. جرافات الهدم..."القانون فوق الجميع" رغم ما يقال حول نفوذ بعض المقاهي والمطاعم والفضاءات التجارية الحاملة لعلامات كبرى، ومساهمة ذلك في حمايتها من هدم جرافات السلطات المحلية بدار بوعزة بإقليم النواصر، إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد حملة مضادة لتحريف الحملة عن أهدافها من قبل من لم يستسيغوا أن يشملهم تطبيق القانون. وعاينت "الصباح" بقايا مخلفات الهدم التي طالت مجموعة من المقاهي والمطاعم والمسابح والمركبات الترفيهية "الهاي كلاس" بدار بوعزة، بعد أن شهدت سواحل المنطقة انطلاق حملة محاربة احتلال الملك البحري في فضاءات شهيرة، بعد أن اعتقد أصحابها أنهم مازالوا يرفلون في نعيم الفوضى والتسيب، معتقدين أن الحملة لن تشملهم لأنهم يدخلون ضمن أصحاب النفوذ. وكشف عدد من أصحاب المقاهي والمحلات التجارية التي شملتها حملة مراقبة مدى ملاءمة وضعيتها مع القانون واحترامها لرخص الاحتلال المؤقت للملك العمومي، أن عملية التحرير التي انطلقت ستشمل باقي المناطق التابعة لإقليم النواصر، مجمعين على كلمة واحدة "كونوا هانيين النوبة جاية والقانون فوق الجميع"، وأنه لن يتم التساهل مع من تجاوزوا سلطة القانون ومنحوا لأنفسهم سلطات أكبر بحيازتهم للملك العمومي، وأجهزوا على حقوق المواطنين في الاستمتاع بالبحر وكذا سلوك الأرصفة، واستطابوا مضايقة المارة والسكان الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بسلوكات فوضوية. والتمس عدد من سكان دار بوعزة والرحمة وبوسكورة من السلطات تعميم الحملة حتى تشمل كافة المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية بجميع مناطق إقليم النواصر، عوض منطق "باك صاحبي" الذي يمكن أن يثير قلاقل في صفوف المنتمين إلى الميدان ويزيغ الحملة التصحيحية عن أهدافها النبيلة. المقاهي المتنقلة وفوضى "التريبورتورات" من القرارات الجريئة التي تقرر سنها وتفعيلها على أرض الواقع، واعتبرها العامل أنه لا يمكن التسامح فيها بذريعة مراعاة الجانب الاجتماعي للفئات المخالفة للقانون، إنهاء فوضى الدراجات النارية الثلاثية العجلات، وكذا المقاهي المتنقلة التي تؤثث جنبات الطريق، بعد أن اختار أصحابها تحويل سياراتهم الخاصة إلى مقهى تقدم أصناف القهوة والعصائر "أمبورطي". وأصدر جلال بنحيون، عامل إقليم النواصر، قبل أشهر قليلة قرارا عامليا ينص على المنع الكلي لاستعمال الدراجات ثلاثية العجلات في نقل الأشخاص والنفايات ومختلف مواد البناء داخل النفوذ الترابي لعمالة إقليم النواصر، لوضع حد لفوضى وسيلة نقل عشوائية، أضحت ظاهرة تتخذ أشكالا من الانفلاتات التي تهدد الأمن والنظام العامين. ونص القرار العاملي أيضا، على منع أصحاب الدراجات النارية ثلاثية العجلات والسيارات المستعملة مقاهي متنقلة من تغيير معالم وشكل الدراجات ثلاثية العجلات أو السيارات بمختلف أنواعها سواء بتجهيزها بأدوات الطبخ والقهوة أو إحداث أي تعديل بهيكلها يؤدي إلى إخراجها عن وضعها الأصلي. وألزم القرار، مستعملي الدراجات ثلاثية العجلات، كذلك، بالتقيد بالمقتضيات المنصوص عليها بشهادة التسجيل بمحضر المصادقة المعتمدة من قبل المصالح المختصة التابعة للوكالة الوطنية للسلامة الطرقية "نارسا"، والذي يحرص على استعمالها في نقل البضائع والسلع في حدود المسموح به والمدون ببطاقة التسجيل الناتج عن الوزن الإجمالي والوزن الفارغ، وهو القرار الذي تفاعل معه إيجابا الرأي العام المحلي ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين تمنوا تعميم التجربة على باقي مناطق العاصمة الاقتصادية والمدن والأقاليم بالمملكة. محاربة مظاهر الترييف والعشوائية نفض إقليم النواصر عن نفسه غبار الضواحي، بعدما قرر القائمون عليه القطع مع كافة أشكال التهميش وسلوكات العشوائية التي تم التطبيع معها في السنوات الماضية، سواء في ما يخص مظاهر الترييف التي ينقل أصحابها أنشطة البادية من إقامة زرائب لتربية المواشي والدجاج أو امتهان النقل بعربات مجرورة بالدواب "الكراول" وما تشكله من خطورة على ركابها وباقي مستعملي الطريق، إضافة إلى مبادرة محاصرة عشوائية مستثمرين لا يؤمنون بمبادئ العيش المشترك. وأجمعت تدخلات عدد من سكان إقليم النواصر في حديث مع "الصباح" على وجود أمل لغد "مشرق" تفعيلا للتعليمات الملكية لتحسين أوضاع المواطنين وبإنجاح الأوراش المفتوحة لمغرب 2030، ملتمسين في الوقت نفسه من المسؤولين وضع مخطط استعجالي يصحح الاختلالات التي كان يعيش على وقعها إقليم النواصر، مشددين على ضرورة تعاون كافة الأطراف المتداخلة من سلطات وفاعلين جمعويين وإعلاميين على نشر ثقافة المدينة والسلوك الحضاري والتعايش واحترام الآخر وتحسين مستوى عيش الأفراد والجماعات، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه للنهوض بإقليم يشكل قطبا واعدا، حتى يتم تصحيح الصورة السوداوية التي كونها السكان عن إقليمهم، بسبب تبخر وعود منتخبين وتساهل مسؤولين ترابيين.

النواصر ينفض غبار الضواحي

إنهاء احتلال الملك البحري ومحاربة "بلطجة الكارديانات" ومشاريع تعيد الاعتبار لقطب واعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخبـار الصبـاح

ريع المبادرة يسقط جمعيات "دياليز"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات