عجبا للأمناء العامين لبعض الأحزاب، الذين شرعوا مبكرا في البحث عن مترشحين جدد، دون تحديد شروط مسبقة لنوعية هؤلاء المطلوبين، باستثناء شرط التنافس على حصد مقعد برلماني. ولا يفاضل زعماء الأحزاب بين المترشحين، ولو كانوا من صنف "الأميين"، إذ يكفي أن يكونوا من أصحاب المال والجاه والنفوذ، لأن الهدف هو الفوز بأكثر عدد من المقاعد البرلمانية، ولا تهم "جودة" المترشح، وما إن كان مؤهلا للتشريع ومساءلة الحكومة عن مشاكل الناس والناخبين. وليس مفاجئا أن نرى كيف أصبح حال المؤسسة التشريعية، التي تحولت إلى حقل تجارب في مجال تضارب المصالح، وقضاء الحاجة، ومطاردة الوزراء والوزيرات في فضاءات البرلمان، بحثا عن تحقيق مكاسب شخصية، وليس لفائدة سكان الدوائر الانتخابية. وبفعل ضعف كفاءة الأغلبية، التي فازت في الانتخابات التشريعية لـ 2021، فإن المغاربة وضعوا مسافة كبيرة بينهم وبين العمل البرلماني، وبدؤوا ينظرون إلى المؤسسة التشريعية مدرسة للريع وقضاء الحاجة و"البريستيج"، وهو ما يفرض على قيادات الأحزاب إعادة النظر في طريقة توزيع التزكيات، صونا لحرمة المؤسسة التشريعية، التي اتسخت صورتها لدى الرأي العام الوطني، بسبب غياب الكفاءات التي لا تخاف من مواجهة الوزراء، مهما كانت أسماؤهم. وإنقاذا لما تبقى من عمر النواب بمجلس النواب، الذين فيهم من رسم صورة سيئة عن المؤسسة التشريعية من خلال التدخلات المكتوبة على الورق المقوى من قبل موظفي بعض الفرق، يأمل العديد من المهتمين بالشأن البرلماني أن يستغل برلمانيون فرصة عطلة الدورة الحالية من الولاية التشريعية، من أجل الاستفادة من دروس التقوية، ومحاربة "الأمية التشريعية"، والاستعداد لفهم، على الأقل، الأبجديات الأولية لقانون المالية لـ 2025. ويحتاج الكثير من البرلمانيات والبرلمانيين إلى دروس لتقوية قدراتهم المعرفية "تشريعيا"، لأن العديد منهم لا يفرقون بين مشروع قانون ومقترح قانون. ويمكن القول، وبدون تردد، إن الولاية البرلمانية الحالية، هي أضعف ولاية في تاريخ المؤسسة التشريعية، بدليل أن جل مداخلات البرلمانيين وتعقيباتهم تكون مكتوبة. أما في اللجان الدائمة، خصوصا لجنة المالية، فيكون غيابهم أحسن من حضورهم، لأنه يكون جسديا فقط، ففاقد الشيء لا يعطيه، إذ لاحظ الجميع أن خمسة نواب فقط من يهيمنون على مجريات المناقشة، ويدخلون في سجالات عميقة مع وزيري المالية. لقد أصبح البرلمان بدون برلمانيين، والأغلبية لا تستحق أن تحمل صفة "ممثل الشعب"، ومن الأفيد أن تغادر في صمت، وألا تطلب التزكية مستقبلا. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma