تسبب في زلزال داخلي لدى متهمين في قضايا تبديد واختلاس أموال عامة بمراكش زلزالان في يوم واحد.. زلزال ضرب في وزان، فشعر الناس بالخوف والهلع، وزلزال سياسي هز مراكش، فساد الترقب والخوف. إذا كان زلزال وزان حرك الأرض من تحت الأقدام، ومر بردا وسلاما، فإن زلزال مراكش، الذي ضرب منتخبين متورطين في قضية ما صار يعرف إعلاميا بـ"كازينو السعدي"، أرخى بظلاله على متهمين آخرين في ملفات تتعلق بالمال العام، والتي تعرض على غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمراكش، كما هو الحال بالنسبة إلى جلسة الجمعة 14 فبراير الجاري. إعداد: محمد العوال (مراكش) لا حديث في ردهات المحكمة وداخل قاعة الجلسة، إلا عن حملة الاعتقالات تنفيذا لحكم قضائي صدر من داخل القاعة نفسها، التي يمر منها العشرات من المتهمين في قضايا المال العام، منهم من نال حكمه ومنهم من ينتظر. وأنت تتمعن في وجوه المتابعين في ملفات أخرى بتهم الفساد المالي والإداري، أمام غرفة الجنايات الابتداية المختصة بالنظر في قضايا الجرائم المالية، صباح الجمعة الماضي، تشعر بالخوف الجاثم على قلوبهم، وتوجسهم أن يكون مصيرهم السجن، كحال المتابعين في قضية "كازينو السعدي"، حيث توبعوا في البداية في حالة سراح، قبل صدور حكم ابتدائي، تم الطعن فيه بالاستئناف، وظل يراوح الملف مكانه بمحكمة الاستئناف بالحي الشتوي لفترة طويلة، قبل أن ينزل خبر تأييد الحكم الابتدائي كالصاعقة على نفوس المتورطين، ليتم طرق باب محكمة النقض، حيث ظل الملف هناك تتقاذفه الهيآت، وبعد ردح من الزمن، صدر القرار الصادم بتأييد الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف. 20 جلسة لإنجاز خبرة لم تنجز! كانت الساعة تشير إلى التاسعة والربع صباح الجمعة الماضي، حين ولج عمدة مراكش السابق، وبعده نائبه الأول يونس بنسليمان، إلى بهو المحكمة، إذ كانت وجهتهما نحو القاعة رقم 3، حيث تنعقد غرفة الجنايات المختصة بالنظر في الجرائم المالية. همس حارس أمن خاص لشرطي، يقفا معا بمدخل المحكمة، "هل اليوم سيعرض ملف أملاك الدولة.. فالمسؤولان يستدعيان له من قبل المحكمة"، رد عليه الشرطي "لا.. إنهما متابعان في ملف آخر، يخص صفقات المناخ "كوب 22"، سيما الملايير التي خصصت لبناء المحطة الطرقية الجديدة، والتي مازالت مغلقة إلى اليوم". واصل الشرطي وحارس الأمن الخاص حديثهما، في حين بدت قاعة الجلسات رقم 3، ممتلئة عن آخرها، يجلس بها متهمون أنيقون، وتضيق بالمحامين، الذين ينوبون عن المتهمين في ملفات المال العام. يصغي يونس بنسليمان، أحد المتابعين في ملف "كوب 22"، بانتباه إلى رئيس الهيأة وهو يتلو أرقام ملفات، وينادي على المتهمين، قبل أن ينصت لمحاميهم. شاءت الأقدار أن تتغير الأدوار، فبنسليمان المحامي، الذي كان يقف أمام القاضي ليرافع عن متهمين، أو ينتصب للدفاع عن المطالب بالحق المدني، تحول إلى متهم، ينادي عليه القاضي، ليقف في قفص الاتهام، يتلو عليه رئيس الجلسة التهم الموجهة إليه. بنظارات طبية وربطة عنق، وقف يونس بنسليمان في قفص الاتهام جنبا إلى جنب مع محمد بلقايد العمدة السابق لمراكش.. بعدما نادى عليهما رئيس الجلسة، ليتحقق من هويتيهما ويشعرهما بالمنسوب إليهما، ليقرر تأخير الملف مرة أخرى في انتظار إجراء الخبرة، والتي صدر في شأنها قرار تمهيدي تحت عدد 10/2022، قضى بإجراء خبرتين الأولى حسابية عهد بها إلى الخبير رضوان لفندي، والثانية للخبير علي أوحميد، حيث لازال هذا الملف، يراوح مكانه منذ ذلك الحين في انتظار الخبرة. وسبق لهيأة الحكم، أن ناقشت الملف، وقررت إدخاله للمداولة قبل أن يتم إخراجه مرة أخرى، لإجراء الخبرة. ومنذ 18 دجنبر 2022، تاريخ صدور القرار التمهيدي القاضي بإنجاز الخبرة، والمحكمة تؤجل النظر في الملف، لعدم إنجاز الخبرة، حيث تم تأجيل الملف قرابة 20 مرة متتالية، إما لإنجاز الخبرة أو إمهال الخبير أو تذكيره، ليظل هذا الملف يراوح مكانه. هكذا كانت البداية.. تفاصيل هذا الملف، انطلقت بشكاية تقدم بها الناشط الحقوقي عبد الإله طاطوش، إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، يطالب من خلالها بفتح تحقيق في شبهة تبديد أموال عامة من قبل عمدة مراكش، ونائبه الأول، على خلفية الصفقات التفاوضية التي أبرمتها الجماعة الترابية لمراكش، لمناسبة المؤتمر الدولي للتغيرات المناخية (كوب22)، الذي احتضنته مراكش، نهاية 2016، حيث كلفت هذه الصفقات 28 مليار سنتيم. وباشرت عناصر الفرقة الجهوية للشرطة القضائية أبحاثا تمهيدية، من خلال افتحاص مختلف الوثائق المالية والإدارية الخاصة بإبرام الصفقات الخاصة بكوب 22، والاستماع إلى العديد من المصرحين، حيث خلصت الفرقة الجهوية في أبحاثها إلى أن اللجوء للصفقات التفاوضية بدل التنافسية، كان متعمدا لأن المسؤولين المذكورين كانوا على علم مسبق بمكان وزمان تنظيم المؤتمر، معتبرة بأنهم استغلوا نفوذهم وأبرموا صفقات تفاوضية بأثمنة مرتفعة وأسندوها لفائدة مقاولين بعينهم. وبعد انتهاء الأبحاث التمهيدية، أحيل الملف على الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمراكش، الذي أحاله على قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة، ملتمسا منه إجراء تحقيق مع المتهمين، واتخاذ ما يراه مناسبا، حيث قرر قاضي التحقيق متابعتهما في حالة سراح، قبل أن يصدر أمرا بمتابعة المتهم الأول، من أجل تبديد أموال عامة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته، والثاني من أجل المشاركة في تبديد أموال عامة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته وانتحال صفة ينظمها القانون. غسل الأموال... سيف على الرقاب بالموازاة مع إجراءات البحث التمهيدي، الذي أنهته الفرقة الجهوية للشرطة القضائية، باشرت أيضا تبعا لتعليمات النيابة العامة، إجراء مسطرة غسل الأموال، حيث وجهت كتابا في هذا الشأن لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط، نظرا للاختصاص القضائي آنذاك، ملتمسة منه إجراء بحث حول جريمة غسل الأموال في حق محمد بلقايد عمدة مراكش، باعتباره الآمر بالصرف الذي صادق على الصفقات، ونائبه الأول، يونس بنسليمان، المفوض له الإشراف عليها، إضافة إلى باقي أعضاء لجنة التفاوض الذين وقعوا عليها، للاشتباه فيهم بارتكابهم جريمة غسل الأموال، إذ بناء عليه توصلت الفرقة الجهوية للشرطة القضائية، بتعليمات من وكيل الملك بالرباط، لجرد ممتلكات المشتبه فيهم لأنها متحصلة من أهداف غير مشروعة قد تشكل إحدى الجرائم الخاضعة للقانون المذكور، والعمل على عقلها لفائدة البحث، والاستماع للمشتبه فيهم وإلى كل من ثبت تورطه في ذلك، حيث صدر، تبعا للبحث، حكم عن الغرفة الجنحية التلبسية بالمحكمة الابتدائية، بعدم مؤاخذة عمدة مراكش، من أجل جنحة غسل الأموال، في حين قضت في حق نائبه الأول آنذاك، بسنة واحدة حبسا موقوف التنفيذ وغرامة نافذة قدرها 20 ألف درهم، مع الصائر والإجبار في الأدنى، والأمر بالمصادرة الكلية للأموال موضوع التحويلات التي تلقاها المتهم، خلال الفترة المحددة في البحث المالي والعائدات، الناتجة عنها دون باقي الممتلكات الأخرى العامة. طاطوش: إنصاف حماة المال العام اعتبر طاطوش، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المال العام، أن القرار الصادر عن محكمة النقض في ملف كازينو السعدي بمراكش، انتصر للحق والقانون، وأنهى مسارا طويلا لملف عمر قرابة عقدين من الزمن، مشددا على أن قرار محكمة النقض، أحيى الأمل في نفوس حماة المال العام والمناهضين للفساد، وهو رسالة لكل من سولت له نفسه العبث بالمال العام. وبخصوص ملف صفقات مؤتمر المناخ الذي احتضنته مراكش، خلال 2016، أكد طاطوش أنه فور توصله بمعلومات حول الاختلالات التي شابت تلك الصفقات، والتأكد من صحتها باشر مسطرة وضع شكاية أمام النيابة العامة، التي أحالتها على الفرقة الجهوية للشرطة القضائية، التي أنجزت بحثا تمهيديا، تضمن العديد من المعطيات الدقيقة. وأشار طاطوش، إلى أن جمعيته اليوم تتابع مسار هذا الملف، معتبرا أن إخراجه من المداولة، لإنجاز خبرتين الأولى حسابية والثانية تقنية، بعدما تم إدخال الملف للمداولة، لا يمكن سوى التصفيق له، على اعتبار أن ذلك يندرج ضمن شروط المحاكمة العادلة، وحقوق المتهمين والدفاع. وتوقف طاطوش عند مسطرة غسل الأموال التي بوشرت في هذا الملف، قائلا " الفرقة الجهوية، من خلال البحث التمهيدي، وقفت على تحويلات مالية ومعاملات مالية مهمة، دفعتها إلى اتخاذ إجراءات غسل الأموال، بتعليمات من النيابة العامة المختصة، حيث صدر عن ذلك قرار ابتدائي واستئنافي، وبالتالي فإن محاكمة المتورطين في قضايا اختلاس أو تبديد الأموال العامة، يجب أن ترافقها مسطرة غسل الأموال". وعاد طاطوش للحديث عن ملف كازينو السعدي، معتبرا قرار الوكيل العام بإحالة الملف برمته على وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية لمباشرة إجراءات غسل الأموال وعقل ممتلكات المدانين، "قرارا حكيما وشجاعا في الآن ذاته، ينتصر لدولة الحق والقانون، وتخليق المؤسسات وحماية المال العام".