في كل مرة يفتح محل جديد لبيع المأكولات أو محلات تجارية كبرى، يتحول المشهد إلى فيلم درامي من إنتاج مغربي خالص: طوابير طويلة، وتدافع أشبه بمباراة كمال أجسام، ووجوه تحسبها متجهة لمهمة وطنية لا تقبل التأجيل! لا يهم إن كان العرض مجرد "ساندويتش" بخصم بسيط، أو وجبة "مصرية" عادية جدا، بل المهم تحقيق الانتصار في معركة الطابور! فترى المغربي يغامر بصبره وأعصابه، وربما حتى كرامته، من أجل أن يخرج ظافرا بالغنيمة، دون أن ننسى الكشف عن المواهب في تجاوز الصفوف، فمنهم من يتقمص شخصية عامل توصيل خفي، ومنهم من يخرج هاتفه ويتظاهر بمكالمة طارئة مع صاحب المحل. ولا تقتصر الظاهرة على وجبات الطعام فقط، بل تمتد إلى استغلال أي فرصة تعطي إحساسا بالسبق على الآخرين، إذ تجد الزحام في افتتاح متجر للملابس، أو تخفيض سعر هاتف ما، أو تذاكر المباريات، والمبدأ واحد: "أنا ومن بعدي الطوفان!". قد يكون المشهد مقززا، لكنه يعكس ثقافة متأصلة في اللاوعي لدى البعض، حيث تغيب ثقافة الانتظار لصالح "التهافت". فهل نحن أمام حالة مجتمعية تحتاج إلى علاج؟ أم أن "اللهطة" صارت عرضا مسرحيا. مع اقتراب رمضان، تتغير ديناميكية الأسواق، فالمغربي يدخل في وضعية "اقتنص قبل أن ينفد"، وتتحول محلات الجزارة إلى ساحة معركة، حيث اللحوم توزن وكأنها سبائك ذهبية، والطوابير أمام الفران تفوق تلك التي رأيناها في أزمة الخبز بأوربا في العصور الوسطى. ثم يأتي "العيد الكبير"، حيث يصبح "الهجوم على الأكباش" رياضة قائمة بذاتها، وأصحاب الماشية يتحولون إلى سماسرة بورصة، في انتظار أعلى سعر يمكنهم انتزاعه من جيوب المستهلكين، والمهم هو أن يكون "أقرن وأملح" يخرس الجيران. تدافع هستيري وفوضى في الطوابير، يستدعيان تدخل الأمن، وكأن المغرب مقبل على حصار اقتصادي، وأسراب من المتسوقين الذين يقاتلون لأجل حليب عاد تفوق شهرته "لبن العصفورة"، وقشدة مصرية بمكسرات تسيل لعاب الفضوليين... إنها "اللهطة" يا سادة. في كل موسم من مواسم "اللهطة"، يبدو أن المغاربة لا يكتفون بالتهافت على الضروريات، بل يبحثون أيضاً عن "لبن العصفورة"! فمع بداية رمضان، لا يكفي شراء اللحم والخضروات، بل يجب أن تكون هناك "أجود التوابل"، و"البيض البلدي"، و"العسل الحر"، وحتى "السمن المعتّق منذ عهد الموحدين"! أما في "العيد الكبير"، فلا يكفي الكبش العادي، بل يجب أن يكون بأسنان ذهبية ومواصفات ملكية، وإلا سيتحول العيد إلى كارثة اجتماعية. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma