تظهر بين الفينة والأخرى تعليقات تشكك في مجهودات جبارة أنجزتها المصالح الأمنية، لمناسبة تفكيك شبكة إجرامية أو إرهابية، ويتماهى المشككون مع سيناريوهات "نظرية المؤامرة"، التي هي فعل انتقاصي يشرح حدثا ما أو موقفا معينا، اعتمادا على مؤامرة لا مبرر لها. الغريب في الأمر، أن هؤلاء المغردين خارج السرب، يتعاملون بحربائية مع الأحداث، ففي حال تفكيك خلية خطيرة وإبلاغ الرأي العام بتفاصيل العمل الجبار، الذي قام به موظفو الواجب الوطني، يتم نسج قصص بعيدة عن الواقع وبث ادعاءات شعبوية لتسفيه المجهودات. وفي حال وقع حدث إرهابي، لا قدر الله، وهو أمر وارد في كل وقت، على اعتبار أن الخطر داهم ومتنام، لم تسلم منه حتى كبريات الدول، فإن المشككين يعودون للعزف بنشاز على أوتار غير تلك التي تغنوا بها في حال التدخل الاستباقي. في اللقاء التواصلي للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي استعرض فيه مسؤولون أمنيون، مجمل المخاطر والأخطار، التي أعدت لها خلية الأشقاء الثلاثة بالسوالم، طرح السؤال حول التشكيك، وكان الجواب شافيا. فمصالح الأمن عموما، والمتخصصة في التدخلات السريعة أو الاستباقية خصوصا، لا تأبه إلا بنتائج عملها في إطار الواجب الوطني، لتحقيق الأمن والاستقرار داخل المملكة، وأنها تصم الآذان لما دون ذلك. القوة الخاصة بالتدخلات في قضايا الإرهاب، لا تستهين بأي متطرف، والمعلومات التي تكون بحوزتها، تفرض عليها اتخاذ التدابير الاحترازية، سواء لحماية أفراد التدخل أو لحماية المواطنين المجاورين، ولن تنفعها التشكيكات إذا لم تقم بواجبها لإنجاح التدخل، فحتى في البلدان المتقدمة شاهدنا كيف أن إرهابيين فجروا أنفسهم مباشرة بعد شعورهم بتطويق أمني، وما خلفوه من خسائر، بل في المغرب أيضا وبالبيضاء، كانت تجربة التدخل لإيقاف أفراد خلية حي الفرح في أبريل 2007، والتي فجر فيها انتحاري نفسه وهو يعانق شرطيا بالزي الرسمي، ما انتهى بمقتل شهيد الواجب الوطني المرحوم زنبيبة. ما تحقق في محاربة الجريمة الإرهابية، يحظى بإشادة العالم، بل تتسابق الدول على مقدارها في التأثير الدولي لربط علاقات استخباراتية مع المغرب، ليس حبا في مناطقه السياحية أو ثرواته البحرية، بل إيمانا منها بالنجاعة التي أبان عنها، والتي ساهمت في حل العديد من ألغاز الإرهاب الدولية بإسبانيا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا وغيرها. وإن كانت عظمة الدول تقاس بجيوشها واقتصاداتها ومواردها البشرية والطبيعية، فإن معادلة كفاءة الاستخبارات أصبحت معيارا أساسيا ضمن التصنيف نفسه، مع تنامي الخطر الإرهابي والجريمة المنظمة. علماء النفس والاختصاصيون في الأمراض العقلية والسلوكية، صنفوا التشكيك بدون سبب، ضمن أمراض الشخصية السلوكية، وغالبا ما يشعر المصابون بهذا المرض بجنون العظمة وانعدام الثقة، إذ أنهم يبدون مواقفهم بدون سبب، ولا يكونون مقتنعين بأنهم مرضى يحتاجون لعلاج نفسي. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma