انتقد أحد اليساريين، في صفحته على "فيسبوك"، بألم وحسرة، سلوك "رفيقه"، الذي تخلى عن ماضيه النضالي، ليساير، في أواخر عمره، "الشعبوية" الجديدة، بعد استفادته من "متع" المناصب. وضع صديقنا اليساري "رفيقه" في خانة النماذج التي تعبر عن غرق سفينة اليسار في المغرب في أزمة مركبة، رغم أن التحولات العميقة التي يشهدها اليسار العالمي، أظهرت أن القوى التقدمية لها القدرة على التجدد، واستعادة موقعها في المشهد السياسي، عكس المغرب. أزمة اليسار المغربي ليست مجرد انعكاس لحالة انقسام داخلي أو ضعف تنظيمي، بل تعبير عن خلل أعمق يرتبط بعجزه عن فهم التحولات الاجتماعية والسياسية في المغرب، وتقديم بديل فكري وسياسي قادر على إعادة الوصل مع المجتمع. عالميا، نجح اليسار في تجاوز أزماته التقليدية، عبر تبني رؤى جديدة، تتماشى مع تعقيدات العصر، إذ طورت أحزاب اليسار، في أوربا وأمريكا اللاتينية على وجه الخصوص، خطابا يزاوج بين قضايا العدالة الاجتماعية والبيئة وحقوق الإنسان، وهي تحولات لم تكن مجرد ردة فعل على المد اليميني أو الشعبوي، بل نتيجة مراجعات عميقة أدركت أهمية الابتعاد عن الشعارات التقليدية والاقتراب أكثر من هموم الناس اليومية. وعكس ذلك، يبدو اليسار المغربي وكأنه عالق في حالة من الجمود الفكري والتنظيمي، فمنذ سنوات طويلة، أخفق هذا التيار في تقديم قراءة موضوعية للتحولات التي شهدها المغرب، سواء من حيث صعود قوى جديدة أو تغير طبيعة المجتمع، بفعل التحولات الاقتصادية والديموغرافية. ولا يمكن فهم أزمة اليسار المغربي، دون التطرق إلى التشرذم الداخلي الذي يعيشه، فبدلا من أن تشكل الخلافات الفكرية والسياسية مصدر غنى وحيوية، تحولت إلى معارك هامشية أضعفت التيار وأفقدته البوصلة، وهو التشرذم الذي يظهر في تعدد الأحزاب اليسارية، التي تتنازع في ما بينها على إرث تاريخي مشترك، دون أن تنجح في بناء مشروع مستقبلي يوحدها. أكثر من ذلك، تعاني هذه الأحزاب انعدام قدرة حقيقية على التواصل مع القواعد الشعبية، إذ أصبحت النخب اليسارية معزولة داخل فضاء سياسي نخبوي، منشغلة بخلافاتها الداخلية على حساب القضايا الكبرى التي تشغل بال المواطن المغربي، مثل البطالة وغلاء المعيشة وتدهور الخدمات الاجتماعية. أزمة اليسار المغربي ليست قدرا محتوما، بل فرصة لمراجعة عميقة، وهي مراجعة تتطلب أولا الاعتراف بأن الأزمة ليست خارجية فقط، بل نابعة من اختلالات ذاتية داخل التيار نفسه. صديقنا اليساري مازال غاضبا على "رفيقه"، حتى بعد أن سحب تدوينته، فهو يؤمن أن التاريخ لا ينتظر، واليأس ليس خيارا. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma