«رحلة مراقب صحي» للفرنسي كيرن تصف أوضاع المغاربة قبيل الاستعمار في كتاب "رحلة مراقب صحي إلى المغرب" يقدم الفرنسي إميل كيرن صورة عن الأوضاع الصحية والاجتماعية للمغرب قبيل الحماية الفرنسية، ويشكل الكتاب، الذي صدر لأول مرة سنة 1911، وتولى ترجمته الباحث المغربي بوشعيب الساوري، أول نص رحلي، جعل المسألة الصحية في قلب اهتمامه، وينقل أيضا مشاهد من مغرب مطلع القرن الماضي بنظرة لا تخلو من استعلاء استعماري، كما يتبين من خلال الطريقة التي تحدث بها صاحب التقرير عن المغاربة وهو يصف أوضاعهم المعيشية ويطلق عليهم أحكاما عنصرية. في هذا الخاص تأخذكم "الصباح" إلى أجواء النص من خلال مقاطع منتقاة منه. إعداد: عزيز المجدوب مياه موبوءة "أول ما يثير المرء هو أن قنوات الماء الصالح للشرب منعدمة هناك (يقصد المغرب)، ويتم الاقتصار فقط على تجميع مياه الأمطار في مستودعات مائية (يقصد المطافي)، وهذا الماء لا يمكن اعتباره صالحا للشرب، لأنه يحتوي على حوينات صغيرة متكاثرة، كانت، حين قطنت بأحد المنازل الرئيسية بآسفي مدة خمسة عشر يوما، سببا في إفساد كثير من أشرطة صوري الفوتوغرافية. من الواجب، إذن تغلية هذا الماء حتى يصبح صالحا للشرب، لكن خلال فصل الصيف تصير هذه المستودعات المائية غير كافية، مما يحتّم الاستفادة من مياه الآبار. تبقى هذه الآبار، المشرعة عموما على كل الرياح، وعاء لكل أشكال القذارة المحيطة بها، تستقبل كل القاذورات المتسربة عبر التربة، وهو ما يجعل ماء الآبار، إذن أكثر تلوثا من ماء المستودعات. أما بشأن المياه المستعملة، فقد بذلنا طوال الوقت، في كل الأمكنة المحاذية لشاطئ البحر، مجهودات من أجل إنشاء قنوات تحت أرضية لتصريف المياه المستعملة خارج المدينة وطبعا في اتجاه البحر، لكن كانت هناك حلول معينة تمنع استمرار مدّ هذه القنوات، مما كان يحتم علينا الالتفات إلى بعض أجزائها المتحللة، وإصلاح البعض الآخر، فضلا عن تنظيفها تنظيفا جيدا." المراحيض "كانت المراحيض في بعض الأحيان موصولة بأنابيب الشارع، لكن نقص المياه، يجعل من أنبوب العادم يبدو شبيها بحفرة صغيرة. توجد بالكثير من المنازل المغربية حفر المراحيض، ويمكن للمرء أن يتخيل بسهولة ختم الحفر، التي ليست عميقة، وتعرف تقصيرا نسبيا، الأمر الذي يجعل كل الآبار القريبة منها معرضة للتلوث، نظرا لتعود الكثير من العرب (يقصد المغاربة) على إنشاء مستودعات المياه والآبار والمراحيض جنبا إلى جنب. ومن أجل تفريغ هذه الحفر، يمكن تصور، في بعض الأماكن، عملية بسيطة جدا، تتمثل في وضع المواد المستخرجة فقط أمام المنازل، على طول الطريق، ولا يتم نقلها إلا مرة واحدة حين تجف كليا". الكنس وقمامة المنازل "من الملاحظ أن كنس الأزقة وإزالة قمامة المنازل مقبولان إلى حد ما، ويتمان بانتظام كبير في كل المدن المغربية التي زرتها. في بعض المدن تتم إزالة قمامة المنازل مرتين في اليوم، خصوصا في الدار البيضاء، المدينة التي تتمتع بتسيير إداري جيد، من وجهة نظر صحية، بواسطة القائد "ديسينيي" الذي عمل بقوة على إنشاء قنوات صرف المياه وتبليط الشوارع وكنسها ونظم عملية إزالة قمامة المنازل. وتجدر الإشارة إلى أمر مثير، لاحظته بالدار البيضاء، وهو تأمين كنس الشوارع بواسطة سجناء عرب (يقصد مغاربة)، مشدود كل واحد منهم إلى آخر بحزام، وعبر حبل لا يعيق أبدا حركاتهم. لاحظت أيضا أن هؤلاء السجناء يفكون القيود، ويعيدونها بدون تدخل الحارس، في تساؤلي عن هذه الطريقة لتأمين الكنس بواسطة سجناء مقيدين واحدا إلى الآخر، كان الجواب، حتى يكونوا عبرة لغيرهم. وقد لاحظت طريقة من هذا النوع، منذ سنوات، بمدينة "فالسبورغ"، حيث كان يتم استخدام سجناء، غير مقيدين، في الطريق العمومي تحت حراسة الشرطة. ويتم نقل القمامة بالدار البيضاء بواسطة عربة، ما أن يضرب سائقها ناقوسه حتى يخرج الناس قمامة منازلهم. بطنجة وبآسفي وبكل المدن التي لا يمكن أن تسير السيارات بأزقتها الضيقة، يتم نقل الأزبال بواسطة حمير، تحمل أخراجا، لقد شاهدتُ بطنجة نفسها أن هذا الخرج حين تملأ أوانيه، تتم تغطيتها بقماش، عادة ما تنقل القمامة خارج المدينة، أو ترمى مباشرة في البحر، أو فقط بجانبه، حيث تساهم في تخمر الجو وتسميم الهواء، في انتظار قدوم مد استثنائي ليزيلها. بآسفي كانت تحمل القمامة خارج المدينة سابقا، أما اليوم فيتم رميها من أعلى جرف إلى البحر مباشرة." السكن وظروف العيش "يعيش العربي (يقصد المغربي) في التجمعات السكنية الكبرى فقط، كالمدن، داخل منازل، لا تعدو، إذا نظر إليها من الداخل، أن تكون لدى الغالبية من الناس، سوى أكواخ بئيسة، ويعيش الأهالي خارج المدن، غالبا، تحت خيام مرقعة قذرة، أو داخل أكواخ مبنية من أغصان الأشجار والطين، تعم داخلها القذارة. ورأيت بمازاغان (يقصد مدينة الجديدة) أكواخا بئيسة يمكن اعتبارها مساكن فخمة بالقياس، إلى ما رأيت بآسفي، المتحدر أصحابها من سوس، المعروفة جدا بسمائها الزرقاء وهوائها العنيف والوجه المكشوف لنسائها، إذ يخيمون فوق أكمام القمامة القديمة النتنة، والباعثة على الغثيان، بينما يخيم الآخرون متجاورين، تحت خيام داخل قذارة عجيبة، في حين ما يزال آخرون يسكنون مغارات مثل سكان الكهوف. في الغالب تكون المقابر المغربية دمامل المدن المحيطة بها، وتحد من توسعها، وتسهم في تلويث الآبار بسبب التسربات العديدة للميكروبات. (...) يسكن هذا الشعب، المقهور بالبؤس وبكل أنواع الطغيان، منطقة خصبة، وهو شعب شجاع ونشيط. ومن أجل تقديم فكرة عن أهمية منتجات الأرض، أقول إن آسفي يدخلها أثناء فترة الحصاد حوالي ألفي جمل كل يوم محملة بكل أصناف الحبوب. ولاحظت في كل مكان، وخصوصا بالدار البيضاء، وبمازاغان وبآسفي، مغاربة نصف عراة يحملون حمولات ثقيلة ويمشون بخطى سريعة. لا توجد بالمغرب، حتى الآن، لا موانئ ولا طرق ولا سكك حديدية، وكل من يعتزم القيام بأشغال هناك سيجد اليد العاملة متوفرة بعين المكان. يبدو لي أن المغربي ذكي وقادر على الاستيعاب ولا توجد، من وجهة نظري، سوى الكتاتيب القرآنية، حيث يردد الأطفال، من الصباح إلى المساء، الآيات القرآنية، دون تعلم أي شيء آخر، مما يعرقل تطورهم الذهني، كما تساهم عادة تدخين القنب الهندي (الكيف) البغيضة، المتداولة في إضعاف القدرات الذهنية لعدد كبير من الناس". الأمراض والأطباء "الأمراض التي صادفناها في كل الأماكن والمدن تقريبا، هي "التهاب الأمعاء" (la dysenterie)، و"التيفوس"، بسبب سوء التغذية، ورداءة المياه، وانتشار الطفيليات والبعوض والذباب الذي لا عد ولا حصر له، وبسبب قذارة الأكواخ التي يرزح تحتها المغاربة. لاحظت هناك أيضا حالات كثيرة من الجدري، خاصة أن التلقيح لم يستعمل بعد، وأحيانا يخلف الطاعون أيضا ضحاياه. وأثناء إقامتي بمازاغان، اكتشفت أن الطاعون كان على بعد كيلومترات قليلة من المدينة، وبآسفي، قيل لي إن الطاعون سجل ظهوره باتجاه مراكش. شاهدنا بالدار البيضاء، منذ مدة، حالة من حالات مرض الطاعون، وتم اكتشاف أن المريض قدم من مكان يبعد، عن الدار البيضاء بحوالي 35 كيلومترا، هناك وجدنا أيضا سبعة أو ثمانية مصابين بالطاعون، كلهم قضوا، ويتعلق الأمر بيهود كانوا يعيشون في ظروف صحية مزرية جدا. وبالإمكان إسداء خدمة للأهالي، تتمثل في تقويض كل المساكن الخربة القذرة أو الأكواخ التي تحتشد داخلها كائنات بشرية بإضرام النار فيها. ويصعب القضاء على الأمراض الجلدية المستفحلة بين الأهالي، وتحديدا بسبب عادة النوم بالملابس نفسها التي كانوا يلبسونها طيلة اليوم. لكن المرض الذي خلف أضرارا كبيرة، هو الزهري (السيفيليس) ما بين تسعين وخمسة وتسعين في المائة من ضحاياه. (...) الأهالي، جهلة وسذج مثل الأطفال، ولهم عموما، ثقة كبيرة في الساحر أو في الطبيب الشعبي، هذا الأخير هو الطبيب المغربي، ويرى غالبا جالسا تحت خيمة صغيرة بالأسواق، حيث يقدم استشاراته الطبية ويبيع عقاقيره، وغالبا ما يلاحظ بعض المغاربة يحملون حروزا، مشدودة إلى الرأس، بهدف إبعاد شر ما، وعن انتصار الطبيعة واقترابه من القضاء على الشر، يدّعي الساحر أو الطبيب الشعبي مسؤولية شفاء المريض، لكن حين يتعلق الأمر بمرض عنيد، يتفاقم، يقول المتواطئان للمريض: "يمكنك البحث عن الشيطان الآن، سترى جيدا ما هو قادر على فعله". والشيطان بطبيعة الحال هو الطبيب الأوربي، رأيت هؤلاء الشياطين وهم يباشرون أعمالهم بمدن مختلفة زرتها، لقد سمعت جيدا ورأيت أطباء فرنسيين لا غير. (...) يقدم كل واحد من هؤلاء الأطباء المحميين من قبل المفوضية الفرنسية، من مائة إلى مائة وخمسين استشارة طبية في اليوم، كثيرا ما يأتي عديمو البصيرة من المغاربة، إلى المستوصف بجروح خطيرة، ويعلنون عن أمر خاص يختصر في استشارة طبية بسيطة، غالبا ما يتعلق الأمر بعمليات جراحية يجب إجراؤها، هكذا تمت معاينة أهمية البعثة الفرنسية المغتربة بالمغرب. (...) هذا البلد يتمتع بموقع متميز على البحر، وبمناخ لطيف، وبإمكانه أن يحتوي سكانه ويؤمن لهم الغذاء بسهولة خمس أو ست مرات. إصابات المغاربة أبناء البلد بالأمراض ناتجة عن الشروط الصحية السيئة التي يعانون منها، ويمكن أن تتناقص جل الأمراض، المنتشرة هناك بشكل كبير وبنسبة كبيرة.