في المحطات التاريخية للأوطان، يبدو مفهوم الولاء للوطن أشد حاجة من أي وقت مضى، ذلك الولاء الذي يتجاوز كل الحسابات الإيديولوجية الضيقة والتوجهات الحزبية المحدودة ليجسد رؤية أوسع وأشمل، فالانتماء يتطلب التزاما حقيقيا وعميقا من أبنائه، وولاء نابعا من الانتماء الفطري إليه، وليس ولاء لحزب أو إيديولوجية معينة قد تكون ظرفية أو محدودة في قدرتها على توحيد الصفوف. يجمع كل المتتبعين لقضية الصحراء المغربية على أن لحظة اعتراف فرنسا بالسيادة المغربية عليها هي لحظة تاريخية، ومؤشر على تحول عميق وجه فيه المغرب صفعات إلى المتربصين بوحدته الترابية. لكن كيف قابلت بعض التوجهات السياسية والتيارات الدينية هذا الحدث؟ منذ الإعلان عن قدوم إيمانويل ماكرون إلى المغرب، تجندت أطياف للتشويش على الزيارة، دون مراعاة للظرفية أو للقضية الأولى للمغاربة، فقد أصدر حزب سياسي بيانا غريبا يتحدث عن "الاستعمار الفرنسي"، وشمر آخرون سواعدهم للاحتجاج أمام القنصليات الفرنسية، بدعوى دعم حماس وحزب الله، في حين تربص آخرون بمضمون خطاب الرئيس الفرنسي، لتصيد بعض الألفاظ أو المواقف، حتى لو جاءت في سياق الدفاع عن مغربية الصحراء. طبعا، حق التظاهر مشروع للجميع، والتعبير عن مواقف سياسية يجسد الاستثناء المغربي في عالم عربي لم يشهد ولو مظاهرة واحدة دعما للقضية الفلسطينية، ولم ترفع فيها صور حسن نصر الله، رغم أن حزب الله وإيران متورطان إلى أخمص القدمين في تمويل الانفصاليين. صورة كاريكاتورية بصمت عليها بعض الأطياف السياسية، إذ تحتج على ماكرون الذي كان يستعد للاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، وترفع صور حزب إيراني يعادي الوحدة الترابية. أما انتقاد سلوك هذه الأطياف فيعني، في نظرهم، أنك إما "مخزني" أو "صهيوني" أو عميل للاستعمار، فهم وحدهم المالكون للحقيقة والمدافعون عن الإسلام. يتحدثون باسم الوطن ويضعون مصالحهم الشخصية والحزبية في المقدمة، ويروجون لمواقف معينة ويحاولون فرضها بوصفها الحل الوحيد، لكن الحقيقة أن الوطن، بوصفه إطارا شاملا يضم الجميع، لا يحتمل الانقسام ولا يصمد طويلا أمام الولاءات المتعددة والمتناقضة، فالولاء للوطن هو البوصلة التي يجب أن تحدد وجهة الجميع، لأنه الأساس الذي تبنى عليه قوة الأمة ومتانتها. حين نضع الوطن فوق كل اعتبار، ندرك أن اختلافاتنا الفكرية والسياسية هي في النهاية جزء من تركيبة المجتمع، وأن التنوع في الآراء لا يعني التشرذم. على العكس، فقد يكون عنصر قوة، شرط أن يظل الهدف الأول هو رفعة الوطن وازدهاره، وليس الترويج لتيار أو محاولة فرض هيمنة على الآخرين. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma