fbpx
مقالات الرأي

بن حمزة: المغرب في النزاع الغربي الروسي

اختار بناء التوازن بين المبادئ والمصالح وأسس لموقف حياد إيجابي لا يتنكر لمبادئه

بقلم: عادل بن حمزة (*)

“الحقيقة هي الضحية الأولى للحروب”… هكذا تحدث الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر. ما يجري من حرب في أوكرانيا لا يتعلق بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، إنما هو صراع حول المصالح والنفوذ أكبر ضحاياه هو شعب أوكرانيا ووحدتها الترابية والحقيقة طبعا.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قام النظام الدولي، وفي صلبه العلاقات بين الدول، على منطقين متناقضين، الأول يقوم على القيمة المطلقة لمصالح الدول الكبرى في إطار توزيع النفوذ في ظل الحرب الباردة، وهنا يغيب القانون الدولي وتحضر فقط المصالح، ولعل نموذج عمل مجلس الأمن واعتماد حق النقض للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية يقوم وحده دليلا على أن الأمر أبعد ما يكون عن المبادئ التي تعتمد على القانون، وحتى عندما انهار الاتحاد السوفياتي وكرست واشنطن نفسها قائدة وحيدة للعالم، فإن تطويع النظام الدولي لفائدة الكبار ظل قائما، وإن بدرجات متفاوتة.
حصل ذلك في العراق وأفغانستان وليبيا، وقبلها في يوغوسلافيا وكوسوفو وبنما والقائمة طويلة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
المنطق الثاني يقوم على تطويع القانون الدولي بما يخدم حلفاء القوى الكبرى وتوظيف النزاعات الإقليمية للضبط والابتزاز وتكريس التبعية. هل فشلت الأمم المتحدة ككل باعتماد هذين المنطقين؟ أكيد أنها نجحت بقدر ما، لكنها فشلت أيضا.

نقطة تماس
الحرب على أوكرانيا تمثل نقطة تماس بين اللاعبين الكبار على الساحة الدولية، وهي حرب كانت متوقعة منذ التدخل الروسي في جورجيا في 2008 وتوضحت الصورة بشكل أكبر بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم في 2014 بعد مسلسل طويل من المد والجزر بين موسكو وواشنطن.
المثير في كل تلك الأحداث، أن الغرب ارتهن لسردية لا تصمد أمام الحقائق ولا يسندها الواقع، والواقع يقول إن الغرب تراجع عن التزاماته تجاه روسيا، خاصة في ما يتعلق بتوسيع حلف “الناتو” في اتجاه الشرق، وجر أوكرانيا للتخلي عن “حيادها” الضمني المؤطر باتفاقية بودابيست في 1994، والتي بموجبها تخلت كييف عن ترسانتها النووية بضمانات الدعم الاقتصادي من واشنطن وموسكو، إذ كان من المفروض أن تتحول كييف إلى جسر بين الغرب وموسكو بدل أن تتحول إلى خط للتماس…

محاصرة روسيا
محاصرة روسيا في عمقها الإستراتيجي، خاصة في جورجيا وأوكرانيا بدأ منذ بداية الألفية الثانية، بمشاريع سلمية لإسقاط الأنظمة الحاكمة في الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي، مع حمل نخب جديدة للسلطة كفيلة بعزل تلك الدول عن موسكو وجعلها موالية للغرب، وكانت تلك المشاريع والخطط مقدمة لما سمي بالربيع العربي، ففي نونبر 2003، اندلعت بجمهورية جورجيا ما سمي ب”الثورة الوردية”، وقد سميت بهذا الاسم تخليدا لواقعة دخول زعيم المعارضة ميخائيل ساكاشفيلي قاعة البرلمان مقاطعا خطاب الرئيس إدوارد شيفرنادزة، آخر وزير خارجية في الاتحاد السوفياتي المنحل، ملوحا في وجهه بوردة حمراء ومطالبا إياه بالرحيل عن السلطة.
وفي نونبر 2004، اندلعت احتجاجات واسعة في أوكرانيا ضد الرئيس فيكتور يانكوفيتش، وعرفت الثورة الأوكرانية ب”الثورة البرتقالية” نسبة إلى اللون البرتقالي الذي اعتمدته المعارضة في تظاهراتها المليونية بقيادة فيكتور يوشينكو ويوليا تيموشينكا، غير أن واشنطن فشلت في تحقيق أهدافها، ففي جورجيا تدنت شعبية سكاشفيلي إلى مستويات غير مسبوقة، وعرفت البلاد في عهده الكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بل إن الرئيس الرمز، تراجع عن الكثير من الشعارات التي حملها خلال الثورة. أما في أوكرانيا، فانتهت الثورة البرتقالية كما يعرف الجميع بفضائح كبيرة، منها قضايا فساد مالي واستغلال النفوذ، بل إن أيقونة الثورة يوليا تيموشينكا التي شغلت منصب رئيسة الوزراء، انتهت معتقلة في سجون كييف، كما أن الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2010 أعادت الرئيس المطاح به فيكتور يانكوفيتش في سابقة من نوعها بالنسبة إلى الثورات في العالم، بينما منيت المعارضة البرتقالية بهزيمة نكراء، لتتم الإطاحة مجددا بيانكوفيتش مرة أخرى في 2014 بسيناريو مطابق للثورة البرتقالية، وذلك بتظاهرات وعصيان مدني انطلق باعتصام وسط كييف في نونبر 2013.
وهو ما وجدته موسكو مبررا لاقتطاع القرم ودعم الحركة الانفصالية في دونباس، لكن الأهم من كل ذلك أن الغرب لم يتدخل، واكتفى ببلاغات الإدانة، تماما كما فعل مع التدخل الروسي لحماية نظام الأسد في سوريا، وكذلك التدخل في ليبيا، وأخيرا الحضور الروسي في مالي وإفريقيا الوسطى بعد الانسحاب الفرنسي، وهذا ما جعل مناطق النفوذ الروسي تتوسع بشكل مثير للانتباه وتفرض قواعد وحسابات جديدة على المستوى الجيو إستراتيجي.

واقع الصراع
لقد ميز المغرب في موقفه مما يجري في أوكرانيا بين إطار القانون الدولي، الذي يشكل منظومة القيم التي تؤطر علاقاته الدولية ونظرته للعلاقات بين الدول وبين واقع الصراع بين القوى الكبرى وما سيترتب عن ذلك من قيام نظام دولي جديد.
فقد أكد بلاغ وزارة الخارجية المغربية المقتضب، أن المملكة المغربية تجدد دعمها للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، مذكرة بتشبث المملكة بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة لتسوية النزاعات بين الدول، وتشجع جميع المبادرات والإجراءات التي تساهم في تعزيز التسوية السلمية للنزاعات.
بقدر وضوح هذا الموقف، أثار اختيار المغرب الغياب عن جلسة التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعض التساؤلات، غير أن هذا الغياب لا يمكن فهمه سوى من خلال أربعة عناصر رئيسية.
العنصر الأول يتمثل في أن ما يجري في أوكرانيا صراع مصالح ونفوذ، وهو صراع بين القوى الكبرى بحيث لا تؤثر فيه الجوانب القانونية ولو كانت غير ملزمة، وبالتالي فإن اللحظة ليست لتسجيل مكاسب سياسية في شباك موسكو، بقدر ما هي لحظة تستدعي بحث سبل العمل العسكري، وأساسا الالتفات إلى المعاناة الإنسانية للشعب الأوكراني، لذلك فإن قرار الجمعية العامة ليس من شأنه أن يقدم أو يؤخر في الوضع الراهن
العنصر الثاني، يرجع إلى توسع النفوذ الروسي في إفريقيا، خاصة في ليبيا ومالي ومنطقة الساحل والصحراء، دون أن ننسى التحالف الكلاسيكي القائم بين موسكو والجزائر، لذلك فإن المغرب لا يرغب في وضع قضيته الوطنية في لعبة جديدة للمحاور بين الغرب وموسكو، ولا يريد أن يقدم هدية للنظام الجزائري بالاستثمار في عداوة مفترضة بين المغرب وروسيا، علما أن المغرب بموقفه، لا يؤسس لحياد سلبي، بل لحياد إيجابي لا يتنكر للمبـادئ التي ظل المغرب وفيا لها، خاصة الوحدة الترابية للدول، وهو ما أكده بوضوح بخصوص الحرب في أوكرانيا.
ثالثا، يعتبر المغرب حليفا من خارج “الناتو” للولايات المتحدة الأمريكية منذ 1994، غير أن هذه الوضعية لم تتطور منذ ذلك التاريخ، بل إن دول “الناتو” والاتحاد الأوربي، ورغم العلاقات التقليدية التي تجمعها وجمعتها مع المغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإنها ظلت تراوغ في حسم موقفها من الوحدة الترابية للمغرب، بل تم، في حالات معينة، توظيف الملف للمساومة والابتزاز.
رابعا، اختار المغرب في السنوات الأخيرة، تنويع شركائه على المستوى السياسي والاستراتيجي والاقتصادي، كما أكد ذلك الملك محمد السادس في خطابه لسنة 2016 أمام القمة المغربية الخليجية بالرياض. وفي هذا الإطار، قام الملك بزيارات لروسيا والصين والهند توجت باتفاقيات ذات بعد استراتيجي، وقد انعكست تلك الاتفاقيات على العلاقات الثنائية بين الرباط وتلك البلدان، ظهر ذلك بشكل واضح في موضوع لقاحات فيروس “كورونا”، إذ كان المغرب من بين الدول الأولى التي توصلت إلى جرعات اللقاح الصيني أو البريطاني المصنع في الهند، وفي الإطار نفسه، عرف موقف روسيا كثيرا من التفهم للموقف المغربي، خاصة من خلال امتناع موسكو عن التصويت على القرار الأخير لمجلس الأمن المتعلق بالصحراء المغربية، وهو ما سهل اعتماد القرار الذي يعتبر من أهم قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالنزاع، من دون أن ننسى أن شهر أبريل المقبل، سيكون مجلس الأمن مدعوا لاتخاذ قرارات غاية في الأهمية تهم النزاع المفتعل في الصحراء.
(*) أستاذ باحث

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى