قال إن ظهوره المتقطع في التلفزيون لم يكن على حساب مبادئه استأنف الفنان الحسين بنياز نشاطه الفني بجولة تقوده إلى عدد من المدن المغربية بعرض ساخر اختار له عنوان "بيه فيه"، بعد توقف اضطراري. في هذا الحوار الذي خص به "الصباح" يتحدث بنياز عن أسباب التوقف، وأبعاد تجربته الفنية وكواليس تجربة الثنائي "بزيز وباز" وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي. تحضر لجولة فنية بعد الغياب ما هي تفاصيلها؟ فعلا الجولة جاءت بعد غياب لوعكة صحية صعبة ألمت بي في الفترة الأخيرة، وبعد مخاض طبي عسير، استطعت تجاوزه والحمد لله، وها أنا أتماثل للشفاء وأعود من جديد للجمهور، من خلال عروض تحت إشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل، تشمل عدة مدن مغربية. العرض اخترت له عنوان "بيه فيه" ما الجديد فيه؟ أحاول من خلال هذا العرض تناول العديد من المواضيع والمشاكل الاجتماعية الراهنة، بطريقة فنية ساخرة، بالشكل الذي اعتدت الاشتغال به، من خلال التقاط بعض الظواهر والسلوكات، سواء للمواطنين العاديين أو المسؤولين والمنتخبين، مع تطعيمها بنصوص وأغان خفيفة تكمل الموضوع، وإمكانية إشراك الجمهور داخل العرض الفكاهي. بمعنى أنك تترك هامشا كبيرا للارتجال في هذه العروض... لا ليس كذلك، فهامش الارتجال في عروضي ضيق جدا يرتبط فقط بحالات تكون فيها استجابة فورية لما يمكن أن يحدث في القاعة أثناء العرض، أما في ما عدا ذلك فإن كل العروض تكون مهيأة مسبقا بشكل دقيق. ألا تلاحظ أن فعل الإضحاك في المغرب أضحى أصعب في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أبان فيها عموم المغاربة عن اختزانهم طاقة كبيرة من السخرية من كل شيء بشكل يصعب مأمورية الفكاهيين؟ أتفق معك في هذه المسألة، فمن يلقي نظرة على ما يجري في مواقع التواصل الاجتماعي يتضح له أن المغاربة شعب ساخر بالفطرة، وهذه المسألة كنا نعيها حتى قبل ظهور هذه الوسائط، وكنا، وما زلنا نأخذها بعين الاعتبار. صحيح أن كل شيء تطور وعلى نحو سريع جدا، لكن يبقى التحدي أمام الفنان، بشكل عام، والفكاهي، على وجه التحديد، مواكبة التحولات مهما ارتفعت سرعتها وإيجاد الإيقاع الملائم لالتقاط الجوانب الساخرة فيها والتي تنطوي على مفارقات من المفروض على الفنان أن يكشف عنها بأسلوبه الخاص. وهنا أريد أن أميز بين الفكاهة بمفهومها الموسع، والذي يشمل جميع أساليب الإضحاك وانتزاع الابتسامة من المتلقي باختلاف طريقة الفكاهي، وبين السخرية التي تشكل تخصصا قائم الذات داخل الفكاهة، وهي الشكل الذي اخترته منذ بداية مساري الفني، سواء من خلال تجربة الثنائي "باز وبزيز"، أو بعد مواصلة المسار الفردي، وهذا النوع من الفكاهة يتطلب متابعة دائمة لما يعتمل في المجتمع، والتفاعل معه بطريقة خاصة، سيما أن الأحداث متسارعة، والمفروض أن يواكبها الفنان الساخر بطريقة فنية تلتقط العنصر المضحك والدائم فيها، مثلا عبر المقارنة بين وضعية المجتمع والأفراد بين الأمس واليوم والوقوف على المفارقات التي تنطوي عليها. ألا ترى أن الحوامل الإلكترونية جعلت الفكاهة متاحة بشكل مستمر لدى المتلقي؟ صار من الصعب إضحاك الجمهور بأشياء فارغة وعابرة، فالأمر أصبح يتطلب مجهودا مضاعفا، لتكون أشبه ناطق رسمي بضمير المجتمع ومرآة تعكس ما فيه، وتحوّل المشاكل التي تثقل كاهل الفرد إلى مواضيع للسخرية والتندر، من خلال إظهار التناقضات والمفارقات التي تنطوي عليها. قبل أن تبلور تجربة الثنائي "بزيز وباز" رفقة زميلك الفنان أحمد السنوسي، كيف تمثلتما التجارب الفكاهية السابقة وكيف سعيتما إلى تجاوزها؟ انطلقت تجربتنا من مسارات مختلفة، فقد جئت إلى الفكاهة والسخرية من عالم المسرح رفقة الراحل الطيب الصديقي، وكذلك من خلال دراستي في المعهد البلدي على يد الراحلين أحمد الطيب لعلج وفريد بنمبارك وغيرهما، كأنني بدأت بوجه "جادّ"، في الوقت الذي كان زميلي أحمد السنوسي الذي خاض تجارب تمثيلية مع الراحل عبد العظيم الشناوي، أكثر اهتماما بالفكاهة، وعندما اتفقنا على تأسيس تجربة "بزيز وباز"، مطلع السبعينات، كنا نضع في عين الاعتبار التجارب الثنائية التي سبقتنا، وكانت تعتمد في الغالب الفكاهة الفطرية التي تحضر فيها السخرية الإثنية والمفارقات بين "العروبي" و"المديني"، فحاولنا أن نسلك طريقا آخر، باستلهام تجارب ساخرة كانت سائدة في فرنسا حينها، بالاتجاه نحو مواضيع اجتماعية تهم فئات عريضة من المجتمع مثل الهجرة والبطالة والصحة والتعليم والإعلام والسلطة وغيرها، بشكل تدريجي. ألم تؤثر علاقتكما بمجموعة "ناس الغيوان" على توجهكما؟ كانت تربطنا أنا والسنوسي علاقة صداقة وطيدة بأعضاء المجموعة خاصة العربي باطما وعمر السيد، بل إني شاركت إلى جانبهما في أعمال مسرحية للطيب الصديقي أشهرها "الحراز"، وخلال انطلاق تجربة الثنائي "بزيز وباز" كان المناخ الثقافي والسياسي والاجتماعي مشجعا على تقديم أعمال فنية بجرعة نقد لاذعة، وكنا نطل في البداية على الجمهور من خلال مشاركاتنا مع مجموعة "ناس الغيوان" في الحفلات، بين الفقرات الغنائية، وكان هناك نوع من التكامل في تجربتينا. رغم التألق ضمن تجربة "بزيز وباز" إلا أن التساؤلات ما زالت تطرح حول أسباب التوقف؟ تجربة "بزيز وباز" توقفت لأسباب يطول شرحها، لكن ألخصها في أننا، أنا ورفيقي السنوسي، بدا لنا أن وجودنا معا كان فيه خطر علينا، وهو ما ظهر من خلال مجموعة من المضايقات التي تعرضنا لها معا، خاصة من قبل وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، الذي بلغ به الأمر، في إحدى المرات، أن وشى بنا للحسن الثاني قائلا له إننا نتلقى الدعم من القذافي لمجرد أننا شاركنا في جولة فنية بليبيا رفقة ناس الغيوان، وكنت مكلفا باستقبال التحويلات المالية التي توصلنا بها هنا في المغرب، وكان ضروريا أن أنسق مع السفارة الليبية وهو ما جعل الشرطة تستدعيني لتستفسرني عن الأمر فأوضحت لها كل شيء، لكن رغم ذلك أوصل البصري للملك شيئا آخر لأنه لم يكن يطيقنا ثنائيا ساخرا. واضطررنا إلى أن نفترق بشكل ودي، فكانت لأحمد السنوسي في ما بعد اختياراته ومواقفه التي تحترم ولم تتوقف علاقتنا إنسانيا عكس ما يجري في الكثير من الثنائيات أو المجموعات الفنية التي بمجرد ما يفترق أعضاؤها يبدؤون في التراشق في ما بينهم. أما مسألة استمراري في الظهور المتقطع على التلفزيون، على رأس كل عشر سنوات تقريبا، فلم تكن بالأمر السهل ولم يكن ذلك على حساب مبادئي وخطي الفني، فقد اعترضته مشاكل كثيرة بدليل أن آخر مشاركة تلفزيونية لي كانت منذ ثماني سنوات في "مرحبا بصحابي". نصيحة والدي أنت ابن "سوسي" تركت التجارة من أجل الفن ألم تندم على هذا الاختيار؟ أبدا لم أندم على اختيار هذا الطريق، وكنت مقتنعا به رغم الصعوبات التي اكتنفتها، ولو أتيحت لي فرصة العودة إلى الوراء فلن أتردد في سلك الطريق نفسه مرة أخرى، وأذكر أن والدي عندما اكتشف أنني مصر على اختياري الفن وكان يريدني أن أمتهن التجارة بعدما "عمّر لي حانوت"، قال لي بالحرف "اللي نصحك بيه أولدي هو دير ف بالك المغاربة راه كلهم ممثلين"، في إشارة منه إلى أنه من الصعب أن تنتزع الابتسامة من المغاربة، وهو ما يجعل طريق الفن خاصة الفكاهة، محفوفة بالمصاعب والمتاعب، ويتطلب الأمر من الفنان بذل مجهودات مضاعفة. أزمة "السعادة" ألم تتعرضا إلى المضايقات من خلال اقترابكما من تجربة المجموعات الغنائية؟ أذكر أنه في إحدى السهرات المشتركة مع "ناس الغيوان"، منتصف السبعينات، وتزامنا مع ذكرى رحيل الفنان بوجميع، تكلفت بالحصول على رخصة الحفل من السلطات باسم الثنائي "بزيز وباز"، وجرى تقديمه بسينما "السعادة" بالحي المحمدي، وكانت من بين المشاركين مجموعة شابة تحمل اسم "لمشاعل" فاجأت الجميع بأغنية لاذعة جدا تحمل انتقادا واضحا للسلطة إلى درجة أنه ما كاد الحفل ينتهي حتى شملت الاعتقالات والتحقيقات جميع المشاركين في الحفل. في سطور: < من مواليد البيضاء. < تلقى دروسا في التمثيل بالمعهد البلدي للبيضاء على يد أحمد الطيب العلج والمرحوم فريد بنمبارك. < شارك في مسرحية "الحراز" للطيب الصديقي سنة 1971. < في 1972 سيشكل ثنائي "باز وبزيز" رفقة الفنان أحمد السنوسي. < قدم عدة سلسلات فكاهية على القناتين الأولى والثانية، أشهرها "إيوا باز" و"سعدي ببناتي" كما شارك في سلسلة "مرحبا بصحابي".