في نهاية فيلم "النوم في العسل" (1996)، الذي عالج حالة العجز الجنسي لدى الرجال بأسلوب كوميدي، يقرر "البطل"/ضابط بأمن القاهرة (أداء الفنان عادل إمام)، تزعم تظاهرة جماهيرية، بمشاركة مجموعات من ضحايا الداء "اللعين"، بعد أن فقدوا الأمل في جميع العلاجات والأدوية، وتعاويذ الفقهاء والعرافات وبائعي الأعشاب. وانطلقت التظاهرة الصامتة من ميدان التحرير الشهير، في اتجاه مجلس الشعب (مجلس النواب)، قبل أن يتوقف الحشد أمام حواجز نصبها رجال أمن، وشرع المتظاهرون في إطلاق صيحات قوية، مرددين كلمة واحدة، تنفث حارقة من الصدور "آآآه". لم يرفع المتظاهرون سلاحا، أو شعارات سياسية ضد الحكومة، أو طالبوا بإسقاط الرئيس، أو رحيله، أو حل الجيش والمؤسسات وإلغاء الدستور، بل صدحوا بكلمة واحدة، اختزلت سنوات من المعاناة والألم، وأخرى من الصبر واليأس، وكثير من الصمت. كلمة واحدة بحجم صرخة، هي كل ما يحتاجه مغاربة، اليوم، للتعبير عن وضع مختل، جربوا حياله أشكال الاحتجاج والغضب. "آآآآه" قد تكون صرخة أخيرة، ضد الغلاء الفاحش في الأسعار، وفوضى الأسواق، وتحكم المضاربين والسماسرة والوسطاء الذين اكتفى وزير في الحكومة، وأمين عام أكبر حزب في المغرب، بالدعاء لهم باتقاء الله في عباده. "آآآآه" من تداعيات سنوات جفاف قاتلة أتت على الأخضر واليابس في البوادي والقرى والجبال، وأنهكت الزرع والضرع، ووضعت السكان أمام خيارين الواحد منهما أسوأ من الآخر: الهجرة أو البقاء المحفوف بالجوع. "آآآآه" من مستشفيات عمومية تطلب من المريض شراء الدواء الأحمر و"الفاصما" وخيط الجراحة و"السيروم"، ومصحات خاصة، لا تختلف كثيرا عن مجازر الأسواق الأسبوعية. "آآآآه" من قضاء بنصف عدالة، وتعليم بلا بوصلة، وحكومة استثمار وكفاءات ورجال أعمال دون مناصب شغل. "آآآآه" من أجل فضح عقود من الارتجال والتسيب وجرائم التخطيط العمراني وتسليم المدن الكبيرة إلى منعشي الإسمنت وشقق علب السردين. "آآآه" صرخة ضد الظلم المجالي وضد الإقصاء من التنمية، وضد الأمر الواقع الذي يجعل مواطنين يعيشون فوق السحاب، وآخرين تحت قاع الأرض في المدينة نفسها. "آآآه، صوت قاطني دور الصفيح وضحايا "القطرة" في فصل الشتاء ولهيب القصدير في فصل الصيف، وصوت المواطنين الذين لا يجدون مرحاضا مرتبطا بالواد الحار يحفظ الكرامة. "آآآه" صرخة مغاربة يقضون سواد يومهم في انتظار وسيلة نقل، ثم يرمون أجسادهم فوق أول "تريبورتور"، أو وسط سيارة "خطاف" دون تأمين. "آآآه" صوت أطفال بلا حدائق، وبلا فضاءات للعب والترفيه على بعد أمتار من منازلهم. هي كلمة واحدة فقط، بقوة رصاصة، طالعة من الصدر مثل سحابة بخار كثيف لقطار فحم.. هي آخر ما تبقى لمغاربة، استنفدوا حلول الأرض، وينتظرون حلول السماء. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma