في كل مجتمع، هناك فئة ترى في وهج الشموع بديلا عن ضوء الكهرباء، وفي هدير العجلات "الرومانية"، انتصارا على اختراع السكك الحديدية ومدرجات الطائرات. يطلق عليهم "العدميون"، وهم رفقاء الجمود، إذ ينظرون لكل خطوة نحو التغيير بعين الريبة، ولكل مشروع إصلاحي هدرا للمال العام، وقلوبهم مسكونة بخوف غريب من الجديد، وعقولهم مشدودة بحبل عنيد إلى أطلال الماضي، ولو كانت متهاوية. حين أُعلن عن مشروع قطار "البراق"، قوبل الحلم بالرفض، وكأن الريح لا يجب أن تسافر أسرع من أقدامنا، إذ رأى "العدميون" في القطار ترفا زائفا وإسرافا غير مبرر، وكأنما التقدم لا يجوز إلا في كتب الحكايات، والطريق إلى المستقبل لا يمكن أن يتسع لحلول اقتصادية واجتماعية موازية، لكن الزمن، كعادته، لم ينتظرهم، ومع انطلاق "البراق" بسنوات، بدؤوا يتحدثون عنه بفخر كأنه وليد أفكارهم! واليوم، مع اقتراب المغرب من استضافة كأس العالم 2030، يعود "العدميون" ليكتبوا سيناريو مألوفا: لماذا بناء الملاعب؟ لماذا تطوير البنى التحتية؟ كأنهم يفضلون أن ترصد شاشات العالم التلفزيونية ملاعب جرداء، بدلا من ملاعب تنبض بالحياة، فهم يتجاهلون أن مثل هذه المشاريع محركات اقتصادية، قادرة على إحداث فرص عمل، وإطلاق استثمارات تغير وجه المدن والقرى. الأمر لا يتوقف عند الملاعب، فحين جهزت الرباط والبيضاء بـ "الطرامواي" لتيسير النقل، انبرى "العدميون" كعادتهم: "لماذا ننفق كل هذا المال على شيء يمكننا تعويضه بحافلات مترنحة؟"، وعندما أقيمت الحدائق العامة، تساءلوا: "هل زرع الأزهار أولى من زرع القمح؟"، وحتى تحديث أسطول سيارات الأجرة في البيضاء لم يسلم من انتقاداتهم، وكأن الاحتفاظ بسيارات متداعية، تصدر أنغام أعطالها على طول الطريق، هو الخيار الأرقى. الأسئلة تتكرر: هل معارضة "العدميون" نابعة من رؤية حقيقية؟ أم أنهم أسرى خوف دفين من التغيير؟، ففي عالم يتغير كل لحظة، الإصلاح ليس ترفا، بل ضرورة، والتغيير لا يعني إهمال الأولويات، بل هو فن الموازنة بين ما نحتاجه اليوم وما يضمن مستقبلنا غدا. ولعل أكبر درس نتعلمه من هذه الفئة أن الخطر الحقيقي على المجتمعات ليس في التحديات التي تواجهها، بل في الاستسلام لأصوات تثبط الهمم، وتخشى حتى مجرد المحاولة، فالعالم لا ينتظر من يتلكأ في الماضي، بل يسير مع من يجرؤ على الحلم والعمل لتحقيقه. لمواجهة "العدميين" وأفكارهم المثبطة، يحتاج المجتمع إلى إرادة جماعية تؤمن بقيمة التغيير وتعمل على إشراك الجميع في صنع المستقبل، والبداية تكون بتعزيز الوعي الجماعي، وتذكير "العدميين" أنفسهم أن التاريخ لا ينتظر المترددين. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma