تعيش الناظور مفارقة ثقافية مؤلمة، فهي تفتقر إلى أبسط مقومات الثقافة السينمائية.... قاعة سينمائية. طيلة سنوات، ظلت الناظور تستقبل المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة، وتكرم رواد الفن السابع على البساط الأحمر، وتستقبل ضيوفا كبارا، منهم رؤساء دول سابقين ومتوجون بجوائز نوبل، دون أن تلتقط الجهات المعنية أهمية رسالة إدارة المهرجان أن السينما تلعب دورا محوريا في التصدي للتطرف ونشر قيم التسامح والعيش المشترك، بتسليط الضوء على تجارب إنسانية مشتركة تعزز الحوار بين الثقافات وتبرز أهمية التفاهم المتبادل، ما يسهم في بناء مجتمعات أكثر انفتاحا. الناظور بدون قاعة سينمائية... مشهد مؤلم، ففي الوقت الذي تشيد مشاريع اقتصادية ضخمة، من قبيل مشروع "مارتشيكا" وميناء الغرب المتوسطي، فإن المدينة ينعدم فيها فضاء للاستمتاع بالفن، إذ يبدو المشهد كمن يحتفي بالألحان العذبة دون أن يملك آلات موسيقية، أو يشجع القراءة دون مكتبات. المثير في الناظور، أنها من الأوائل التي امتلكت قاعة للسينما، كانت تسمى "الريف"، تلك البناية القرمزية التي شهدت عقودا من الحراك الثقافي والفني في قلب الناظور، ثم طالها الإهمال والنسيان. مرت سنوات، وصخب المطالبة بإنشاء قاعة سينمائية لم يخفت، أصوات تتصاعد في كل مناسبة، تطالب بإعادة الاعتبار لثقافة السينما في مدينة أنجبت مبدعين نجحوا في توقيع أسمائهم في مشهد السينما الدولية، وفي 2022، انطلق الحلم بتوقيع اتفاقية تضمنت تخصيص قطعة أرضية لإنشاء قاعة سينمائية بمواصفات دولية، ومركزا لتكوين مهن السينما والفنون المسرحية. التصريحات وقتها كانت مُفعمة بالتفاؤل، حيث وصف رئيس جماعة الناظور المشروع بأنه استثمار في الأجيال الصاعدة، طريق لإحداث فرص الشغل ودعم الاقتصاد المحلي عبر الثقافة، إلا أن هذه الوعود بقيت حبيسة الأوراق والمكاتب. أين مصير المشروع السينمائي؟ ولماذا الجمود يلف الاتفاقية؟ عودة النقاش حول بناء القاعة السينمائية بالناظور، ليس دفاعا عن الثقافة أو الفن، بل لتحميل مركز حقوقي المسؤولية، ففي مدينة بها مجلس جماعي ومجلس إقليمي وتنتمي إلى جهة الشرق ولها مندوبية لوزارة الثقافة، ينتظر من مركز حقوقي أو جمعية أن تتكلف ببناء قاعة سينمائية! الاستخفاف بالثقافة السينمائية في الناظور ليس مجرد قضية محلية، بل انعكاس لسياسات تعطي الأولوية لتطوير البنية التحتية الاقتصادية على حساب الثقافة، علما أن الناظور ليست مجرد مدينة، بل هي مركز ثقافي يحمل ذاكرة أجيال وأحلام شباب في رؤية العالم من زوايا مختلفة، بعيدا عن ثقافة "تصفية الحسابات". للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma