القرية تسارع الزمن لتجاوز مظاهر الترييف مع الحفاظ على التراث الأصيل أملن، تلك القرية التي تستلقي في أحضان سلسلة جبال الأطلس الصغير، على سفح جبل الكست الذي يصل ارتفاعه إلى 2000 متر، تشتهر بجمال طبيعتها الخلابة التي تجمع بين الجبال الشامخة والوديان الخضراء، مما يجعلها واحدة من الوجهات السياحية الفريدة في المنطقة. ومع ذلك، فإن ما يميز "أملن" ليس فقط سحرها الطبيعي، بل أيضًا سعيها الدؤوب للتحرر من قيود البداوة والتحول إلى قرية حديثة تزاوج بين الأصالة والتطور. هنا تلتقي التقاليد العريقة مع طموحات المستقبل، حيث يعمل سكانها بجد واجتهاد لتحقيق تنمية مستدامة، مما يجعل من أملن نموذجًا يُحتذى به في الحفاظ على التراث في انسجام مع متطلبات العصر الحديث. إنجاز: عبد الجليل شاهي (موفد الصباح إلى تافراوت) تقع قرية أملن في قلب إقليم تزنيت، وتحديدا ضمن دائرة تافراوت بجهة سوس ماسة، وتمتد على مساحة تقدر بحوالي 200 كيلومتر مربع. ورغم الصعوبات التي تواجهها القرية، مثل المسالك الطرقية غير المؤهلة، ونقص المياه الصالحة للشرب، ومشاكل مطرح النفايات، والخنزير البري، وانجراف التربة، وتحديد الملك الغابوي، إلا أنها تسعى جاهدةً للانتقال من الحياة البدوية إلى حياة أكثر استدامة وتحضرا. نموذج العمل التعاوني تعتبر جماعة أملن، التي يقطنها حوالي 3603 نسمة موزعين على 45 دوارا، نموذجا للعمل الجماعي والتعاوني، حيث تشهد القرية تنفيذ مشاريع تنموية عديدة. من بين هذه المشاريع توفير النقل المدرسي لأكثر من 400 تلميذ، بالإضافة إلى إنشاء مركز لتقوية قدرات الشباب القروي، وتتوفر على ملعب معشوشب بعشب اصطناعي بشراكة مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، كما يلعب المهاجرون من أبناء القرية دوراً محورياً في تحقيق التنمية، من خلال مشاركتهم الفعالة في المشاريع التنموية. وتُعد أملن وجهة سياحية واعدة، بفضل طبيعتها الخلابة وتاريخها العريق، لكنها تعاني نقصا في الترويج السياحي. في هذا السياق، تتطلع القرية إلى جذب المزيد من الزوار والمستثمرين لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة. البنية التحتية... إسهامات المهاجرين يلعب المهاجرون من أبناء أملن دورًا حيويا في تحقيق التنمية المحلية، إذ يعتبرون فاعلا تنموياً أساسياً في المنطقة منذ أكثر من ثلاثة عقود. هؤلاء المهاجرون، سواء كانوا داخل الوطن أو خارجه، يساهمون بشكل كبير في تطوير البنية التحتية للجماعة، بما في ذلك بناء المسالك الطرقية، وتوفير المياه الصالحة للشرب، إضافة إلى دعم التضامن العائلي خلال المناسبات الدينية والاجتماعية. كما يضطلع المهاجرون بدور رئيسي في تمويل وتدبير النقل المدرسي، الذي يعتبر من الأولويات القصوى لسكان الجماعة، ويعكس هذا الدور ارتباطهم الوثيق بمسقط رأسهم ورغبتهم في تحسين ظروف العيش لأبناء قريتهم، كما تمثل الجالية المتنوعة من المهاجرين حوالي 59.95% من سكان أملن، وتظل على ارتباط وثيق بمسقط رأسها، إذ تساهم بشكل كبير في إنعاش الاستثمار والترويج لخطط التنمية المحلية. ومع ذلك، يبقى التواصل المؤسسي الفعّال مع هذه الجالية من التحديات التي تواجه الجماعة، إذ يمكن تحسين تطوير مخطط مؤسساتي يُعنى بتعزيز العلاقة مع المهاجرين وتوجيه مساهماتهم نحو مشاريع تنموية مستدامة. وعملت الجماعة على تأسيس مكتب استقبال خاص بالمهاجرين بهدف الاستجابة لحاجيات المهاجرين والمهاجرات، من دعم ومواكبة في الإجراءات الإدارية، ومحاولة تبسيط المساطر القانونية، مع تقديم الدعم والتوجيه لمغاربة العالم والعائدين إلى أرض الوطن، ومساندة جمعيات المهاجرين الحاملة لمشاريع تنموية وتطويرها. يؤكد هذا المعطى على أهمية دور الهجرة في التنمية القروية، إذ يهاجر الكثير من أبناء الجماعة إلى المدن المغربية الداخلية طلباً للعلم أو بحثاً عن فرص أفضل لتحسين مستوى المعيشة. وتعد الجمعيات التي أسسها أبناء أملن في مختلف المدن المغربية دليلاً واضحاً على هذا الارتباط المتين بين المهاجرين وموطنهم الأصلي، مما يعزز من قدرة الجماعة على تحقيق تطلعاتها التنموية إذا ما تم استثمار هذا الارتباط بشكل إستراتيجي. تحديات الخدمات الأساسية تشكل البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية العمود الفقري للتنمية والاقتصاد في أي منطقة. يساهم توفر الطرق والمسالك في تعزيز الاقتصاد المحلي وتسهيل وصول السكان إلى الخدمات الاجتماعية بشكل أكثر سلاسة. في جماعة أملن، الواقعة في ضواحي مدينة تافراوت، تم إحراز تقدم ملحوظ في تحسين هذه الخدمات الأساسية، مما يعكس التزام الجماعة بتحقيق التنمية المستدامة. في ما يتعلق بالطرق، فقد قطعت جماعة أملن شوطا كبيرا في تعبيدها، إذ تربط بين الدواوير والمركز، وكذلك الطرق الإقليمية والجهوية. وتشكل الطرق المعبدة حوالي 93 % من إجمالي الطرق في المنطقة، وتم إعداد الدراسات التقنية للطرق المتبقية، مما يشير إلى وجود خطط مستقبلية لاستكمالها. ورغم هذا التقدم، لا تزال هناك تحديات في الوصول إلى بعض الدواوير النائية، مما يتطلب المزيد من الجهود لتحسين البنية التحتية وتجنب العزلة التامة لبعض الدواوير خلال فترات الأمطار الغزيرة. ويعتبر توفير الماء الصالح للشرب من الأساسيات الضرورية التي تضمن استقرار السكان وتحسن جودة حياتهم. وقد نجحت جماعة أملن، بالتعاون مع الجمعيات المحلية، في ربط أغلب الدواوير بخدمة الماء الصالح للشرب. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات، مثل الانقطاعات المتكررة وتراجع الفرشة المائية وتلوثها، وعمل المجلس الجماعي لأملن على توقيع اتفاقية شراكة لإجل إعادة استعمال المياه المعالجة لمحطة التصفية بتافراوت. وفي ما يخص الكهرباء، تمكنت جماعة أملن من توفيره لجميع الدواوير. لكن غلاء الفواتير، وعدم صيانة الأعمدة الكهربائية، وشدة توتر التيار الكهربائي تظل من أبرز التحديات التي يواجهها قطاع الكهرباء. تسعى الجماعة إلى تحسين الإضاءة العامة عبر تبني نظام الطاقة الشمسية، مما يشير إلى التوجه نحو حلول أكثر استدامة. في مجال التطهير الصحي، تعتمد جماعة أملن على تجربة دوار "انيل" في تدبير النفايات الصلبة، كما تهتم جمعيات محلية بهذا الموضوع. وفي خطوة نحو تحسين جودة البيئة، تعمل الجماعة على دراسة إمكانية تنفيذ مشروع للتطهير السائل في المركز الجماعي، مما سيشكل نقلة نوعية في إدارة الموارد البيئية. ورغم هذه الجهود، تطالب بعض الأصوات من سكان أملن بزيادة الوعي البيئي في المنطقة، حيث أن رمي الأزبال في الطبيعة وغياب مطرح للأزبال وشبكة الصرف الصحي يساهم في تلويث الآبار والجو وانتشار الأمراض، وصادق المجلس الجماعي على اتفاقية شراكة حول إنجاز إشغال التنقية، وبناء المحاريق وترميد النفايات بدواوير جماعة أملن. رغم التحديات التي تواجه جماعة أملن في توفير الخدمات الأساسية، إلا أنها قطعت شوطًا كبيرًا نحو تحقيق التنمية المستدامة، مما يعزز من فرص تحسين جودة الحياة لسكانها ويساهم في دعم الاقتصاد المحلي. محاربة الهدر المدرسي تُعد جماعة أملن بإقليم تيزنيت نموذجا يحتذى به في محاربة الهدر المدرسي، خاصة بين الفتيات، من خلال إطلاقها لمشروع النقل المدرسي الذي بدأ منذ عام 2005. يهدف هذا المشروع إلى توفير وسيلة نقل آمنة وموثوقة للتلاميذ من مختلف الدواوير إلى مدارسهم، مما يسهم في تقليل نسبة التسرب الدراسي وتشجيع الطلاب على مواصلة تعليمهم. منذ انطلاق المشروع، عملت جماعة أملن على توفير السائقين وتغطية تكاليف تشغيل الحافلات، وذلك بهدف ضمان استمرارية الخدمة واستفادة أكبر عدد ممكن من الطلاب. ومع زيادة الطلب على النقل المدرسي، ظهرت الحاجة إلى تأمين الوقود اللازم لتشغيل الحافلات بشكل يومي. في هذا الإطار، تدخل رئيس الحكومة عزيو أخنوش لتأمين حصة دائمة من المحروقات، مما ساعد في استدامة المشروع ودعمه على المدى الطويل. كان عام 2005 محطة بارزة في مسار التعليم بجماعة أملن، إذ شهد انطلاق أول حافلة نقل مدرسي بحضور عامل إقليم تيزنيت، الذي أبدى إعجابه الكبير بالفكرة. بدأت إدارة المشروع بإشراف جمعية تمالوكت القروية، قبل أن تتولى جمعية خاصة هذا الدور لاحقًا، مما أسهم في تطوير المشروع وتوسيع نطاقه. تأسست جمعية النقل المدرسي بتافراوت أخيرا لتولي مهام تسيير المشروع، برئاسة الحفيظ أمشاعرو، وتحت إشراف الرئيس الشرفي الحاج العربي مصلح، صاحب الفكرة الأولى. بفضل جهود الجمعية، تم توفير ثلاث حافلات تُستخدم لنقل حوالي 350 من التلاميذ من 43 دوارًا مختلفًا في منطقة تافراوت. ولم يتوقف المشروع عند هذا الحد، بل تم تطويره ليشمل مكتبة متنقلة تحمل الكتب والمعرفة إلى مختلف القرى، مما يعزز من فرص التعليم والتثقيف في المنطقة. لقد أثبت مشروع النقل المدرسي بجماعة أملن فعاليته في محاربة الهدر المدرسي، حيث أسهم بشكل كبير في زيادة نسبة الحضور المدرسي، وخصوصًا بين الفتيات اللاتي كنّ الأكثر عرضة للتسرب الدراسي بسبب بُعد المدارس وصعوبة الوصول إليها. واليوم، تُدرس إمكانية توسيع هذا المشروع ليشمل مناطق أخرى من إقليم تيزنيت، بهدف القضاء على الهدر المدرسي بشكل كامل في المناطق النائية. وأكد رئيس جمعية النقل المدرسي بجماعة أملن، على أهمية استمرار هذا المشروع، مشيرًا إلى التحديات المالية التي تواجهها الجمعية. وناشد الجهات المعنية بتقديم الدعم اللازم، سواء من خلال شراكات مع الجماعة القروية أو النيابة الإقليمية، لضمان استمرارية هذه الخدمة الحيوية. إضافة إلى ذلك، تسعى جماعة أملن إلى تعزيز البنية التحتية التعليمية من خلال مشروع المدرسة الجماعاتية، الذي يتضمن بناء حجرات دراسية متعددة الوسائط، وملاعب رياضية، ومرافق صحية. يُعتبر هذا المشروع خطوة إضافية نحو تحسين البيئة التعليمية وتوفير ظروف ملائمة للتعلم، مما يعزز من الجهود المبذولة لمكافحة الهدر المدرسي. تعد تجربة جماعة أملن في محاربة الهدر المدرسي مثالًا يحتذى به، حيث يُظهر كيف يمكن للمجتمع المحلي والجهات المعنية التعاون من أجل تحقيق هدف مشترك، وهو توفير تعليم جيد ومتساوي الفرص لجميع الأطفال. الرعاية الصحية في يونيو 2024، شهدت جماعة أملن نقلة نوعية في تحسين الرعاية الصحية لسكانها من خلال إطلاق وحدة طبية متنقلة تهدف إلى معالجة النقص الحاد في الخدمات الصحية في الجماعة والدواوير المجاورة. يُمثل هذا المشروع جزءًا من مبادرة وطنية أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في 28 أكتوبر 2023، تحت إشراف مؤسسة محمد الخامس للتضامن ووزارة الصحة. يهدف البرنامج إلى جعل الرعاية الصحية أولوية قصوى في المملكة، مع التركيز بشكل خاص على المناطق القروية والنائية التي تفتقر إلى بنية تحتية صحية كافية. يعتمد البرنامج على الخبرة الطويلة لمؤسسة محمد الخامس للتضامن في تنظيم القوافل الطبية في المناطق القروية على مدى أكثر من عقدين من الزمن، وبالتعاون مع وزارة الصحة، تم تصميم إستراتيجية جديدة لمواجهة تحديات الوصول إلى الرعاية الصحية في المناطق النائية، وذلك من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والتطبيب عن بعد. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحسين جودة الرعاية الصحية وتوسيع نطاقها، ما يسهم في توفير خدمات طبية مستدامة للسكان. تمثل الوحدة الطبية المتنقلة، المجهزة بأحدث التقنيات والموارد الطبية، نموذجًا مبتكرًا يجمع بين الخدمات الطبية والتكنولوجيا المتقدمة. فهي تُعد منصة متكاملة تضم مبنى طبيا مصمما بشكل خاص لاستقبال المرضى وتقديم الرعاية الطبية اللازمة. تحتوي الوحدة على حافلتين متعددتي الأغراض، مزودتين بأدوات طبية حديثة مثل أجهزة قياس ضغط الدم، ومقاييس نبضات القلب، وأجهزة للفحص الطبي مثل منظار الأذن والجلد، وكاميرا محمولة، وأجهزة لتخطيط القلب والموجات فوق الصوتية. يتم تشغيل الوحدة الطبية من قبل فريق طبي متخصص يضم طبيبًا عامًا، وممرضتين، وإطارًا إداريًا، بإشراف منسق صحي مسؤول عن التدريب وتنفيذ برامج الصحة العامة. يضمن هذا الفريق تقديم الرعاية الصحية الشاملة للمرضى بناءً على حالتهم، باستخدام أجهزة طبية متصلة وتطبيقات تكنولوجية تساهم في التشخيص الدقيق والسريع. يتيح نظام التطبيب عن بعد إجراء استشارات فورية مع أطباء متخصصين، مما يعزز من قدرة الوحدة على التعامل مع مجموعة متنوعة من الحالات الصحية بفعالية وكفاءة. تشمل الخدمات التي تقدمها الوحدة الطبية المتنقلة الاستشارات الطبية العامة، وتشخيص وعلاج الأمراض المزمنة، وتقديم الأدوية. كما تركز الوحدة على صحة الأم والطفل، وتوفر خدمات التلقيح، وفحوصات سرطان الثدي وعنق الرحم، وتشخيص وعلاج أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم. بالإضافة إلى ذلك، تُجرى إجراءات الرعاية المتنقلة مثل الجراحات البسيطة وتقديم الدعم الطبي عن بعد، مما يسهم في تعزيز جودة الرعاية الصحية المقدمة للسكان. يمثل إطلاق الوحدة الطبية المتنقلة في جماعة أملن خطوة استراتيجية نحو تعزيز الرعاية الصحية في المناطق القروية، وتعكس التزام المغرب بتوفير الرعاية الصحية لجميع مواطنيها، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي. تُظهر هذه المبادرة قدرة المملكة على تبني الحلول المبتكرة والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتقليص الفجوة الصحية بين المناطق الحضرية والقروية، وتقديم مستقبل صحي أفضل للجميع.