ثورة عقارية تقابلها إشكالية دور الصفيح وحياة سياسية راكدة تتجاور الحضارة والبداوة في جماعة المنصورية بإقليم بنسليمان بشكل عجيب، في حاضرة واعدة ينتظر منها الكثير، بسبب موقعها الجغرافي المتميز وإمكانياتها المعتبرة، خاصة أنها تجاور الشاطئ، من جهة، والسهول الفلاحية الخصبة، من جهة أخرى، إلى جانب بنية تحتية عمومية هائلة، بدأت معالمها الأولية في الظهور، ويتعلق الأمر بخطوط السكة الحديدية فائقة السرعة، وملعب الحسن الثاني الذي يقع بمحاذاتها، إضافة إلى الطريق السيار، الذي يربط الرباط والبيضاء، لكن بالمقابل ما تزال هذه الحاضرة الواعدة تواجه تحديات كبرى، تعيق ولادتها الحضرية، التي ستكون عسيرة، نتيجة انتشار مظاهر البداوة، المتمثلة في أحياء الصفيح، وتجول الدواب في كل مكان، ناهيك عن الانتشار الواسع للأزبال ومخلفات البناء. إنجاز: عصام الناصيري / تصوير (أحمد جرفي) حاضرة مستقبلية تتبع المنصورية لإقليم بنسليمان، وتقع بين المحمدية وبوزنيقة، وتحدها من الغرب شواطئ المحيط الأطلسي، ومن الشرق بنسليمان المدينة، ويصل عدد سكانها حسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لـ 2024، إلى 29 ألفا و139 نسمة، بعدد أسر يبلغ 8360 أسرة، ويقطن بها 359 أجنبيا، و28 ألف و780 مغربيا. قبل سنوات قليلة لم تكن المنصورية على رادار المستثمرين العقاريين، ولم تكن لها جاذبية تذكر للسكن، خاصة في ظل المنافسة التي تشهدها من قبل المحمدية وبوزنيقة، على اعتبار أن المدينتين تتوفران على مؤهلات طبيعية مشابهة، سواء تعلق الأمر بالشواطئ أو القرب من قطبي البيضاء والرباط، لكن انحصار الأراضي المخصصة للبناء في هاتين المدينتين، حول بوصلة المستثمرين إلى المنصورية، بسبب الفرص الاستثمارية العقارية الواعدة التي تكتنزها. وبفضل الاستثمارات العمومية التي قررت الدولة ضخها في الفترة الأخيرة، خاصة السكك الحديدية والطرق السيارة وملعب الحسن الثاني، أصبح مغاربة الداخل والخارج يرغبون في اقتناء عقارات بالمدينة، ما فتح الباب أمام المستثمرين، إذ أصبحت في ظرف سنوات قليلة من أكثر المناطق حركية في البناء والتشييد. وعاينت "الصباح" حركة اقتصادية كبيرة بالمدينة، خاصة تشييد المجمعات السكنية المحروسة، سواء تلك الموجهة إلى الراغبين في قضاء العطلة الصيفية بالقرب من شواطئها، أو عشاق المناظر الطبيعية والحياة البدوية في فصلي الشتاء والربيع، وحتى الموظفين الذين يبحثون عن مكان هادئ للاستقرار، منخفض التكلفة مقارنة بمحيطه، وقريب من المحاور الاقتصادية الكبرى للمملكة. إرث البداوة عكس المحمدية وبوزنيقة اللتين تخلصتا من مشاكل الحياة البدوية بشكل كبير، تعاني المنصورية طغيان مظاهر البداوة عليها، إذ هناك انتشار كبير للمواشي والأبقار بين الإقامات السكنية، فيلاحظ الزائر بين الإقامة والأخرى قطعان الأغنام والأبقار، ترعى في جو من الطمأنينة والسلام. وبالإضافة إلى الأغنام والأبقار التي تنتشر في المدينة بأعداد كبيرة، هناك مجموعة من السكان التاريخيين لهذه المنطقة، يقطنون في مساكن بسيطة، تحتفظ بالروح القروية، التي كانت عليها قبل سنوات، وتوجد بالقرب من الشارع الرئيسي إسطبلات مخصصة للأبقار وغيرها من الحيوانات الأليفة، في ملكية السكان، تصدر عنها روائح الروث. وإلى جانب هذه المظاهر البدوية، هناك انتشار كبير للعربات المجرورة بالدواب، والتي يستعملها بعض السكان في التنقل، أو من أجل نقل أعلاف الحيوانات والحشائش، ما يعطي الانطباع أن المدينة لا تستطيع التخلي عن تاريخها البدوي، خاصة أن السكان الأصليين لا يريدون التخلي عن نمط عيشهم، ولم يواكبوا الحياة العصرية، التي داهمتهم في غفلة من أمرهم. اقتصاد اجتماعي من المشاكل الكبيرة التي تواجه المنصورية غياب شبه تام لاقتصاد محلي، قادر على استيعاب حاجة السكان للعمل، سواء الوافدين عليها أو سكانها الأصليين، إذ لا توجد مصانع أو شركات، بل إن هناك غياب أيضا لمحلات الحرف والتجارة، من قبيل محلات الميكانيك أو النجارة أو المقاهي ومحلات البقالة، باستثناء محاولات محتشمة جلها لا تشهد إقبالا كبيرا، خاصة أن السكان الجدد يفضلون قضاء أغراضهم في البيضاء أو المحمدية. وبالمقابل هناك اقتصاد اجتماعي بسيط، يمارسه السكان المحليون، الذين يحاولون تثمين أنشطتهم الفلاحية والرعوية، إذ توجد على امتداد الشارع الرئيسي للمدينة نساء يبعن الحليب واللبن والجبن، المستخلص من الأبقار التي يربينها، أو يقمن باقتناء هذه المنتوجات وإعادة بيعها للمارة. وهناك أيضا بعض عربات الأكل المتنقلة، التي تبيع بعض المأكولات التقليدية، لعمال أشغال البناء، الذين لا يستطيعون تحمل كلفة بعض المطاعم الفاخرة نسبيا رغم قلتها، ما يوفر للسكان المحليين اقتصادا اجتماعيا بسيطا وغير مستقر، يكسبون منه بعض المال، مستغلين الحركية التي يشهدها قطاع العقار بالمدينة. "كاريانات" تنتظر الحل تنتشر دور الصفيح في جماعة المنصورية بشكل واضح، إذ هناك دواوير متفرقة مبنية بالقصدير أو مساكن عشوائية لا تحترم الشروط الدنيا للحياة الكريمة، من أبرزها دوار "الكوبانية" و"مكزاز" و"الشطبية"، ويعيش السكان في حالة من اللايقين، إذ تنتشر الشائعات بين الفينة والأخرى حول ترحيلهم بشكل قسري، خارج المجال الترابي للجماعة، خاصة أن مشاريع كأس العالم تضغط على الفاعلين المحليين، بإنهاء العشوائية في المدينة التي ستحتضن أكبر ملعب في العالم. ويضم دوار "الكوبانية" لوحده ما يقارب 800 أسرة، تعيش في ظروف قاسية، تحت أسقف قصديرية، لا تعكس بأي حال التحول الذي تعيشه المدينة، والتي تطمح دخول عهد جديد من العصرنة. ونشرت جماعة المنصورية في نونبر 2024، بلاغا تطمئن فيه السكان، دون منحهم وعدا حقيقيا، إذ اكتفت بنفي الشائعات، التي تروج حول قرب هدم مساكنهم ونقلهم إلى منطقة أخرى. وقالت الجماعة في بلاغها، "انتشرت في الآونة الأخيرة، إشاعات مفادها نية السلطات العمومية هدم منازل سكان دور الصفيح، وترحيلهم قسرا خارج النفوذ الترابي لجماعة المنصورية". وأخبرت الجماعة السكان "أن هذه الإشاعات لا أساس لها من الصحة، وأن مصالح الجماعة لم تتلق أي كتاب رسمي بهذا الشأن، ونؤكد أيضا على أن المعلومات الواردة في هذا البلاغ هي معلومات رسمية، وأن الجماعة ملتزمة بالشفافية والوضوح، وبالعمل على إيجاد حلول للمشكلة، وأنها تتعامل مع الملف بمسؤولية". وأشارت الجماعة إلى أن ملف السكن غير النظامي هو ملف وطني يعالج بطريقة شمولية، ويتم التعامل معه ومعالجته في الظروف المناسبة بتنسيق مع الجهات المختصة، على غرار ما هو معمول به على الصعيد الوطني، في إطار القانون واحترام تام لحقوق المواطنين. ودعت الجماعة السكان إلى التزام الهدوء وتوخي الحذر، وعدم الانسياق وراء الشائعات والأخبار المغلوطة، والاعتماد على المصادر الرسمية الموثوقة للحصول على المعلومات الصحيحة، وعلى التواصل مع مصالح الجماعة والسلطة المحلية في حال وجود أي استفسارات. ركود سياسي تعيش جماعة المنصورية حياة سياسية راكدة، نتيجة سيطرة حزب واحد على الجماعة منذ عقود، ولا تستطيع الأحزاب الأخرى منافسة مرشح من حزب الاستقلال، أعيد انتخابه لأربع ولايات، قبل أن تضع عمالة بنسليمان حدا لمساره السياسي، بعزله قبل أشهر. واستبشر الفاعلون المحليون خيرا بهذه الخطوة، كما أن بعض الأحزاب الأخرى تفاعلت بشكل إيجابي، بعد عزل الرئيس، الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في الجماعة، ولا يستطيع المرشحون الآخرون منافسته على الرئاسة. ورغم عزل الرئيس السابق وتحريك المياه الراكدة بالجماعة، فإنه استبدل برئيس جديد من الحزب نفسه، الذي يسيطر على هذه المناطق، الواقعة بين الرباط والبيضاء، خاصة في بوزنيقة والمنصورية، التي يحقق فيها نتائج جيدة منذ عقود دون أن تستطيع الأحزاب الأخرى منافسته على كرسي الرئاسة. ولا ترشح الأحزاب الأخرى التي تنشط في المنطقة مرشحين قادرين على المنافسة، وبث الحياة في الفعل السياسي بالمنطقة، بسبب عدم اهتمامهم بالجماعة عكس ما عليه الأمر في المحمدية على سبيل المثال، التي تشهد حياة سياسية نشيطة وتتنافس فيها الأحزاب السياسية بشكل كبير. أزبال ومخلفات رغم أن المنصورية من الجماعات التي شهدت نهضة عقارية في السنوات الأخيرة، فإن الخدمات العمومية فيها لا ترقى إلى مستوى المباني الحديثة التي شيدت بها، إذ هناك انتشار كبير للأزبال والكلاب الضالة، وغيرها من المشاهد التي لا تساعد المستثمرين على تسويق مشاريعهم العقارية. وتساهم شركات العقار بدورها في تلويث المدينة، إذ هناك انتشار كبير لمخلفات البناء في كل مكان، حتى أصبحت تشكل كثبانا عالية، من أجزاء الآجر المكسورة وأكياس الأسمنت، وأجزاء الأخشاب والأسلاك التي تستعمل في البناء، خاصة في الفضاءات العمومية التي لا تتبع للمقاولين. وإذا كان المقاولون وأصحاب الأراضي، حريصين على عدم تخلص زملائهم من مخلفات البناء في قطعهم الأرضية، فإن جنبات الطريق وبعض المناطق التي يفترض تحويلها إلى مساحات خضراء وحدائق، أصبحت مطرحا لالأزبال ومخلفات البناء بشكل مستفز، ما يوضح بشكل جلي غياب الصرامة من قبل السلطات المعنية بهذا الملف. وتسببت هذه العشوائية في تضرر الكثير من المقاولين، الذين أنهوا مشاريعهم العقارية، فرغم أن المباني عالية الجودة، وتضم فضاءات خضراء ومسابح وجميع وسائل الرفاهية، فإن محيطها متسخ، وغير مشجع للراغبين في اقتناء العقارات بالمدينة، إذ هناك عشرات العمارات والإقامات التي انتهت فيها الأشغال منذ مدة، لكنها تعاني ضعف التسويق بشكل واضح.