تنتظر إحداث كلية ومطار ومشاريع تنموية لتحقيق الإقلاع الاقتصادي تعيش طاطا على هامش الاهتمام، إذ رغم ما تزخر به من ثروات طبيعية ومؤهلات فلاحية وسياحية فريدة، تكابد مدينة غنية بالإمكانات واقعا من العزلة والتهميش، وتنتظر مشاريع تنموية كبرى ظلت معلقة لسنوات، كمشروع المركز الجامعي ومطار طاطا، لتعيد إليها بعضا من تألقها وتمنح شبابها أملا في فرص عمل تليق بطموحاتهم، وبينما تتفاقم معدلات البطالة، وتتوالى حرائق الواحات التي تستنزف الذاكرة البيئية والثقافية، يسهم ضعف الترويج السياحي في تعميق هذا الواقع، وتبقى كنوز طاطا الطبيعية والحضارية في عزلة عن أعين الزوار والمستثمرين. إنجاز: عبد الجليل شاهي (أكادير) شهد إقليم طاطا خلال السنوات الأخيرة انطلاق مشاريع مهمة ضمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث تم تنفيذ 84 مشروعا باستثمار إجمالي تجاوز 20 مليون درهم، مكنت من تحقيق تقدم ملموس في مختلف القطاعات، وقد خصصت هذه المشاريع موارد كبيرة لدعم الشباب، إذ استفاد نحو 468 شابا من خدمات منصة الشباب، بين استماع وتوجيه، مما يعزز فرصهم في مواجهة البطالة والتهميش. في ميدان التعليم، تم إنشاء ثلاث مدارس جماعاتية جديدة، مع برامج مستقبلية لبناء مدرستين إضافيتين، في خطوة تهدف إلى تحسين جودة التمدرس وتوسيع فرص التعلم داخل الإقليم، كما تم توفير ست حافلات للنقل المدرسي لخدمة جماعات عديدة، مما يسهل وصول التلاميذ إلى مؤسساتهم التعليمية. من جهة أخرى، دعم برنامج "فرصة" تمويل 210 مشاريع صغيرة ومتوسطة، ما أتاح توفير 433 منصب شغل مباشر، مساهما في تقليص نسب البطالة ورفع مستوى العيش داخل الإقليم. هذه الحصيلة تعكس إرادة جدية لتجاوز التحديات التنموية في طاطا، لكن التهميش المزمن الذي تعانيه المنطقة، وغياب إرادة قوية لدى المجالس المنتخبة للترافع من أجل إخراج طاطا من الواقع المزري الذي تعيشه، عوامل تجعل من مشاريع المبادرة نقطة ضوء، في ظل الظلام الذي يكتنف المشاريع التنموية المتعثرة. حرائق الواحات تشتعل النيران من جديد في قلب واحات طاطا، وتلتهم في طريقها ذاكرة الأرض ومصدر عيش الإنسان، ففي فاتح يونيو الجاري، شهد إقليم طاطا فاجعة بيئية جديدة، تمثلت في اندلاع حريق مهول بواحة "أمغي أكادير لهنا"، خلف دمارا واسعا في الغطاء النباتي، وهدد ما تبقى من هذا التراث البيئي الفريد. لا يتعلق الأمر بحادث عرضي، بل بمشهد مألوف بات يتكرر دون رادع، يكشف هشاشة التدخلات ويضع مستقبل الواحات تحت نيران الإهمال والتأجيل. هذا الحريق، الذي ليس الأول ولن يكون الأخير، دفع الناشط البيئي محمد التفراوتي إلى توجيه رسالة مفتوحة إلى رئيس مجلس جهة سوس ماسة، يناشده فيها بضرورة التحرك الفوري لتفعيل بنود الاتفاقية الجهوية لحماية وتأهيل واحات طاطا، الموقعة منذ أكتوبر 2022، والتي لا تزال، رغم مرور ما يقارب ثلاث سنوات، حبيسة الأدراج. وأكد التفراوتي، في تصريح لـ "الصباح"، أن حرائق الواحات لم تعد حوادث معزولة أو موسمية، بل تحولت إلى نمط متكرر ومرعب، يخلف سنويا خسائر فادحة في المساحات المزروعة والنظم البيئية، دون أن يقابل ذلك بأي تدخل فعال أو إجراء استباقي حقيقي. وأضاف قائلا: "لقد مللنا تكرار الأسئلة ذاتها بعد كل حريق، أين الاتفاقية؟ أين وسائل الوقاية؟ أين الدعم الموعود؟ الإجابات غائبة، فيما النيران تزداد ضراوة". وأوضح أن الاتفاقية الجهوية، التي وقعت بشراكة بين الجهة والعمالة ومؤسسات التنمية والقطاعات الوزارية المعنية، جاءت على وقع وعود طموحة بوقف النزيف البيئي والاجتماعي والاقتصادي الذي تعانيه الواحات، غير أنها لم تعرف إلى اليوم طريقها إلى التفعيل. وناشد التفراوتي مجلس جهة سوس ماسة، بصفته شريكا رئيسيا في اتفاقية حماية واحات طاطا، بالتحرك العاجل من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وتعبئة الموارد اللازمة لإطلاق مشاريع الوقاية من الحرائق، وتجهيز مراكز التدخل، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر، وإشراك السكان المحليين في جهود الحماية والصيانة. ضعف الترويج السياحي رغم ما تزخر به طاطا من مؤهلات طبيعية فريدة، وواحات ساحرة، ومواقع تراثية قادرة على جذب الزوار من داخل المغرب وخارجه، فإن الإقليم لا يزال يعاني من تهميش واضح على مستوى الترويج السياحي والدعم المؤسساتي. ففي الوقت الذي تراهن فيه الحكومة على السياحة رافعة اقتصادية، نجد أن برامج الدعم الموجهة للقطاع لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المناطق الأقل حظا، مثل إقليم طاطا، وقد كشفت معطيات مهنية أن الإقليم لم يستفد من برنامج" كو سياحة" الذي أطلقته وزارة السياحة لدعم المقاولات السياحية، مما يؤكد غياب رؤية عادلة وشاملة لتنمية السياحة بالمغرب. تعاني طاطا خصاصا كبيرا في بنيات الاستقبال، وعلى رأسها الفنادق ومؤسسات الإيواء، وهو ما يجعلها غير قادرة على الاستفادة من التدفقات السياحية، رغم توفرها على مؤهلات قادرة على وضعها ضمن الوجهات السياحية المهمة في الجنوب المغربي. تحدثت وزيرة السياحة، خلال زيارتها الأخيرة لطاطا، عن دور مهم للإقليم في خارطة الطريق السياحية، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك، فبدون دعم حقيقي للبنيات التحتية، وبدون تحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مجال الإيواء، ستظل طاطا تعاني من غياب العدالة المجالية في توزيع فرص التنمية. مطار معلق يتواصل حلم مطار بوعجاجة في طاطا، رغم مرور أكثر من عقد على انطلاق فكرته، إذ لا يزال المشروع ينتظر أن يغادر رفوف الأوراق والدراسات ليصبح واقعًا حيا يستقبل المسافرين ويربط الإقليم بمحيطه الجهوي والوطني والدولي. مشروع طموح يتشبث به سكان المنطقة باعتباره بوابة لفك العزلة وتحقيق الإقلاع الاقتصادي والسياحي، في إقليم يزخر بمؤهلات واعدة وثروات طبيعية وثقافية لا تقل شأنا عن نظيرتها في باقي المناطق. يقع المطار في منطقة بوعجاج التابعة لدوار تيكان، بقيادة أديس، ويعد هذا المشروع من الركائز الأساسية التي يعول عليها لإطلاق دينامية تنموية شاملة بالإقليم، فمنذ 2013، تم إنجاز جزء من البنية التحتية، في إطار تعاون بين وزارة التجهيز والنقل بالمغرب وديوان ولي عهد أبو ظبي، باستثمار تجاوز 100 مليون درهم، إلا أن الأشغال توقفت، لتظل المنشأة في حالة انتظار غير مفهومة. كما صادق مجلس جهة سوس ماسة، خلال دورته العادية لشهر مارس 2025، على مشروع اتفاقية شراكة لتأهيل مطار إقليم طاطا، ضمن مشروع خصص له المجلس اعتمادات مالية تقارب 100 مليون درهم. ورغم الطلبات المتكررة للإسراع في استكمال أشغال المطار ليكون جاهزا للاستغلال في الربط الجوي الداخلي والدولي، عبّر المكتب الوطني للمطارات، في لقاء رسمي خلال 2015، عن استعداده لدعم المشروع، وتم رصد اعتمادات مالية إضافية تقدر بـ20 مليون درهم، في إطار شراكات متعددة الأطراف. ورغم كل تلك الوعود، لم يكتمل المشروع بعد، ليستمر التساؤل المشروع من قبل سكان الإقليم والمهتمين بالشأن المحلي حول أسباب هذا التعثر، في وقت تستمر فيه بعض الطائرات الخاصة في الهبوط بالمطار خلال مناسبات محدودة كرأس السنة، ما يكشف عن جاهزية مبدئية، لكنها غير مستغلة بالشكل الأمثل. هامش التنمية تعيش طاطا، ومعها مختلف جماعات الإقليم، على وقع غياب شبه تام للمشاريع التنموية والاقتصادية الكبرى التي كان من شأنها أن تفتح آفاقا رحبة أمام الشباب، وتؤمن كرامة السكان، غير أن الواقع، للأسف، يرسم صورة قاتمة، إذ تتلاشى فرص الشغل، وتتعاظم مؤشرات البطالة والتهميش، وسط صمت مقلق وتجاهل مستمر من الجهات المعنية. لقد أصبحت البطالة، في السنوات الأخيرة، العنوان الأبرز في حياة شباب الإقليم، نتيجة ركود اقتصادي مزمن، وغياب استراتيجية حقيقية لتثمين الموارد المحلية وتحويل المؤهلات الكامنة إلى فرص استثمارية واعدة. واقع يدفع أعدادا متزايدة من أبناء المنطقة إلى مغادرة أرضهم، سواء نحو مدن الداخل أو عبر دروب الهجرة السرية، بحثا عن حياة كريمة. ويكابد شباب طاطا يوميا واقعا اجتماعيا هشا يتسم بالحرمان وغياب أدنى مقومات العيش الكريم، في ظل بنية تحتية متآكلة، وانعدام مرافق اقتصادية ومشاريع صناعية قادرة على احتواء البطالة، وهو وضع لا يخفى أثره السلبي على النسيجين الاجتماعي والاقتصادي، حتى باتت طاطا أشبه بمدينة منسية على هامش الزمن. لقد أدى تعثر البرامج التنموية، وعجز المبادرات المحلية عن بلوغ الأهداف المرجوة، إلى وأد أحلام الشباب في المهد، وأدخل المدينة في دوامة من الانتظار والإحباط، فرغم ما تزخر به طاطا من ثروات طبيعية ومؤهلات سياحية وثقافية، فإن غياب الرؤية الواضحة، وانعدام الاستثمار الجاد، جعلا من التنمية الممكنة مجرد حلم مؤجل إلى أجل غير معلوم. تأخر إحداث كلية مازال سكان طاطا ينتظرون، منذ سنوات، تحقق وعد طالما تكرر على ألسنة المسؤولين دون أن يرى النور. يتعلق الأمر بإحداث نواة جامعية بالإقليم، مشروع كان من المفترض أن يخفف من معاناة الطلبة، ويفتح آفاقا جديدة للتنمية المحلية، لكنه بقي معلقا. منذ زيارة رئيس الجامعة الأسبق، عمر حلي، لطاطا سنة 2017، وتعهد الوزير الأسبق للتربية الوطنية، سعيد أمزازي، بدعم المشروع، تشبث السكان بالأمل، خصوصا بعد أن بادرت جماعة طاطا إلى تخصيص الوعاء العقاري اللازم، الذي وفرته الجماعة السلالية. ورغم كل تلك المبادرات، لم يتحرك الملف قيد أنملة، وبقي الطلبة يقطعون مئات الكيلومترات للوصول إلى مدن جامعية كأكادير ومراكش. وقد تجاوز عدد الطلبة المتحدرين من إقليم طاطا عشرة آلاف طالب وطالبة، يتوزعون على جامعات ومعاهد بعيدة، ما يجعل مطلب إحداث مؤسسة جامعية محلية ليس مجرد ضرورة تعليمية، بل أولوية اجتماعية وتنموية، فوجود كلية بطاطا من شأنه خلق دينامية جديدة بالإقليم، والتخفيف من الأعباء الثقيلة التي تتحملها الأسر، سواء من حيث تكاليف التنقل أو الإقامة أو متابعة الدراسة في ظروف مناسبة. يعاني طلبة طاطا، خاصة المنتمين إلى أسر محدودة الدخل، من غلاء المعيشة في المدن الجامعية، فضلا عن صعوبة الحصول على السكن الجامعي والمنح، ما يدفع بالكثير منهم إلى الانقطاع عن الدراسة أو مواجهة تحديات كبيرة للاستمرار، وهو ما يكرس الفوارق الاجتماعية ويضعف فرص النجاح والاندماج في سوق الشغل.