هيمنة اللوز المستورد على السوق الداخلية تضعف تنافسية المنتوج المحلي على بعد نحو 130 كيلومترا من أكادير، تنتصب تافراوت جوهرة أمازيغية، تحتضنها سلاسل جبال الأطلس الصغير بكل ما تحمله من شموخ وصلابة، وتظللها أشجار اللوز التي تقاوم بصمت تقلبات المناخ وقسوة الطبيعة. ورغم هذا الجمال الطبيعي الآسر، يظل لوز تافراوت رهين واقع صعب، يتأرجح بين ضعف التسويق وقلة الدعم، مما يهدد استمرارية هذا الموروث الزراعي العريق. في محاولة لإحياء الأمل وبث الروح في هذا القطاع الحيوي، تحتفل تافروات كل عام بمهرجان اللوز، الذي بلغ هذه السنة نسخته الثانية عشرة، ليكرس لحظة احتفاء جماعي بفترة الإزهار، وليعيد الاعتبار لشجرة اللوز رمزا للصبر والارتباط بالأرض. إعداد: عبد الجليل شاهي) تافراوت) تحت شعار، "أرض اللوز ثروة الغد"، اختتمت، أخيرا، بجماعة تافراوت بإقليم تيزنيت فعاليات الدورة الثانية عشرة لمهرجان اللوز، في إطار استراتيجية "الجيل الأخضر 2020–2030"، ليؤكد هذا الموعد السنوي مكانته محطة أساسية في المشهد الاقتصادي والثقافي والفني للمنطقة. ويعد هذا الحدث مناسبة للاحتفاء بإحدى أهم سلاسل الإنتاج الفلاحي في الأطلس الصغير، إذ يغطي غرس اللوز ما يقارب 24 ألف هكتار من تراب الجهة، ما يعادل 10 % من المساحة الوطنية، ويساهم بـ 17 % من الإنتاج الوطني، وهو ما يجعل من هذه السلسلة ركيزة اقتصادية واعدة في تنمية المجال القروي وتعزيز الأمن الغذائي. وتحظى هذه السلسلة بدعم قوي من وزارة الفلاحة في إطار توجهاتها الرامية إلى تثمين المنتجات المجالية وخلق فرص الشغل، إذ يشكل المهرجان منصة فعالة لتسويق المنتوجات المحلية، ودعامة للاقتصاد التضامني، وفرصة لاستقطاب استثمارات ومشاريع تنموية من شأنها النهوض بالمنطقة. معرض المنتجات المحلية المعرض، الذي يمتد على مساحة 2000 متر مربع، شهد خلال الدورة الأخيرة مشاركة أكثر من 110 عارضين وعارضات، يمثلون تعاونيات محلية ومقاولات فلاحية قدمت لعرض منتجات متنوعة مشتقة من اللوز، من بينها اللوز بنكهات الأزير والزعتر والقرفة والزنجلان، إلى جانب زيوت غذائية ومنتجات طبيعية أخرى تعكس غنى التراث المحلي وابتكار الفاعلين في سلسلة اللوز، وقد أعلن المنظمون عن استقطاب أزيد من 40 ألف زائر خلال الأيام الثلاثة الأولى من المهرجان. ويعد المعرض واجهة اقتصادية وثقافية مهمة، تجسد حرص القائمين على المهرجان على تعزيز دور التعاونيات المحلية، وإبراز خصوصيات المنتجات الطبيعية التي تشتهر بها مناطق سوس، خاصة في ظل الإقبال المتزايد من قبل المستهلكين على البدائل الصحية والطبيعية للمنتجات الصناعية والمعدلة. كما أكدت حسناء، إحدى العارضات في المعرض، أن هذه التظاهرة تشكل بالنسبة إلى تعاونيتها فرصة لا تعوض للتعريف بالمنتجات الفلاحية التي تشرف على إعدادها بشغف، كما تتيح لها ربط علاقات مع زبائن محتملين وتجار جملة مهتمين، بالإضافة إلى ما تحققه من مبيعات مباشرة لزوار المعرض، مما يساهم في إنعاش نشاطها الاقتصادي. ويمثل هذا المعرض إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها مهرجان اللوز، الذي لا يقتصر على السهرات الفنية والأنشطة الثقافية والرياضية، بل يتجاوز ذلك ليشكل منصة للتلاقي الاقتصادي، وفضاء لترويج المنتجات المجالية ودعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، في منطقة تواجه تحديات تنموية، لكنها تزخر بإمكانات طبيعية وبشرية واعدة. ترويج وتنافسية رغم الجودة العالية التي يتميز بها اللوز المغربي، خصوصا في مناطق تافراوت وسوس، لا تزال إشكالية ضعف التسويق تلقي بظلالها على تنافسية هذا المنتوج المحلي، في ظل هيمنة اللوز المستورد في الأسواق الوطنية، وشهدت أسعار اللوز بالمغرب خلال الآونة الأخيرة ارتفاعا ملحوظا، سواء تعلق الأمر بالمنتوج المحلي أو المستورد. ويعزى هذا الارتفاع، حسب المهنيين، إلى عوامل تتعلق بجودة المنتوج ووفرة الإنتاج، إلى جانب تأثير السوق العالمية. ويباع اللوز المستورد، القادم أساسا من الولايات المتحدة، بسعر يصل إلى 60 درهما في سوق الجملة، فيما يتراوح سعره بالتقسيط ما بين 69 درهما و80، أما اللوز المحلي، فقد بلغ سعره في الجملة 80 درهما، ويمكن أن يصل في بعض الأسواق إلى 90 درهما، ورغم هذا التقارب في الأسعار، يؤكد فاعلون في القطاع أن اللوز المحلي لا يحظى بالإقبال نفسه الذي يلقاه المستورد، نظرا لحجمه الكبير وسعره الأقل نسبيا، ما يجعله مفضلا لدى المستهلكين، خاصة في الصناعات الغذائية كتحضير "أملو". وأشار محمد، رئيس إحدى التعاونيات، إلى أن اللوز المحلي، خصوصا لوز تافراوت، يتميز بجودته ومقاومته للتغيرات المناخية، غير أن ضعف التسويق والترويج، وعدم مواكبة المنتوج المحلي لتقنيات التعبئة والتسويق الحديثة، يؤثر على تنافسيته في الأسواق. وحسب معطيات الفدرالية المغربية لمنتجي اللوز، فإن المساحة الإجمالية التي تغطيها شجرة اللوز بالمغرب تبلغ 159 ألف هكتار، تتركز أزيد من نصفها في جهات طنجة تطوان الحسيمة وسوس ماسة درعة. وتوفر هاتان الجهتان حوالي ثلث الإنتاج الوطني، غير أن هذا الإنتاج لم يسلم من تأثير التغيرات المناخية، حيث عرف تراجعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة بسبب الجفاف وضعف مردودية الأشجار، وفي هذا الإطار، أبرم اتحاد جمعيات "إدواكنظيف" اتفاقية مع وزارة الفلاحة لتلقيح وتشجير 1000 هكتار من أشجار اللوز بالمنطقة، ويتم جني ثمار اللوز خلال يوليوز وغشت، فيما تقيم جودة الإنتاج بداية من فبراير، مع بداية إزهار الأشجار، وهي مرحلة حاسمة تحدد مستوى الموسم بأكمله، ويبقى الرهان الأكبر اليوم، وفق المهنيين، هو تطوير سلاسل التسويق الداخلي، وتوفير منصات رقمية وعصرية لترويج المنتوج المحلي، مع تعزيز إشعاعه في المعارض الوطنية والدولية، حتى لا تضيع ثمرة مجهودات الفلاحين أمام منافسة اللوز المستورد. آثار الجفاف في عمق جبال تافراوت، حيث كانت أشجار اللوز تصدح في الربيع بزهرها الأبيض والوردي، خيم صمت ثقيل على البساتين، سنوات من الجفاف المتواصل أجهزت على جزء كبير من هذا التراث الزراعي، فباتت الأغصان التي طالما كانت رمزا للوفرة، تصارع للبقاء في وجه شح المياه وقساوة المناخ. تشير المعطيات الفلاحية إلى أن إنتاج اللوز في المغرب لم يتجاوز هذه السنة سوى 40 في المائة، من المعدلات المعتادة، مما انعكس مباشرة على الأسعار التي شهدت ارتفاعا ملحوظا، بفعل الطلب المتزايد والعرض المتراجع، هذا النقص اضطر السوق إلى اللجوء إلى الاستيراد، خاصة من الولايات المتحدة وإسبانيا، لتغطية العجز في هذه المادة التي تعد أساسية في التغذية والصناعة على حد سواء. في منطقة تافراوت، التي لطالما اشتهرت بجودة ووفرة اللوز، تراجع الإنتاج بنسبة 40 في المائة خلال السنوات الأخيرة، فقد كانت المساحة المزروعة بأشجار اللوز تقدر قبل بداية موجة الجفاف بحوالي 6000 هكتار، إلا أنها تقلصت خلال الموسم الفلاحي 2021-2022 إلى النصف، مما عمق من أزمة الإنتاج. وفي إقليم تزنيت، تظهر الإحصائيات أن المساحة التي تعتمد على التساقطات المطرية بلغت حوالي 1392 هكتارا، في مقابل 1240 هكتار من الأراضي المسقية، أما من حيث الإنتاج، فقد سجلت الأراضي البورية إنتاجا بلغ 1113,6 طنا، مقابل 1041 في الأراضي المسقية، بمعدل لا يتجاوز 500 كيلوغرام للهكتار الواحد. ورغم التحديات المناخية، يحاول الفلاحون والتعاونيات المحلية مواجهة الأزمة، من خلال تثمين المنتوج، عبر إطلاق وحدات تقليدية لتكسير اللوز وتحويله إلى مشتقات ذات قيمة مضافة، غير أن هذه المبادرات تظل محدودة، إذ تعاني ضعف التنظيم، ونقص التأطير، وغياب البنية التحتية الضرورية. المهرجان في خدمة التنمية أكد إبراهيم الشهيد، رئيس جماعة تافراوت، أن مهرجان اللوز أضحى محطة سنوية راسخة في الذاكرة الجماعية لسكان المنطقة، مشددا على أنه يشكل احتفاء بالأرض والإنسان، واستحضارا لموروث ثقافي غني يعكس هوية تافراوت وخصوصيتها، لكنه أيضا أداة فاعلة لدفع عجلة التنمية المحلية. وأوضح الشهيد أن تنظيم المهرجان ساهم في إطلاق مشاريع مهيكلة، شملت مجالات البنية التحتية، السياحة القروية، ودعم التعاونيات الفلاحية، خاصة تلك المرتبطة بسلسلة إنتاج وتسويق اللوز، باعتباره إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي. وأشار إلى أن هذه التظاهرة تحولت إلى موعد سنوي بارز للإشعاع الثقافي والاقتصادي والسياحي، متجاوزة طابعها الاحتفالي نحو مساهمة فعلية في التنمية الترابية للمنطقة. من خلال إطلاق مشاريع تنموية مع كل نسخة، ومن أبرزها تحسين المسالك الطرقية، وتأهيل الفضاءات العمومية وتعزيز الخدمات الأساسية، وكذا الترويج للمنتجات المحلية عبر معارض متخصصة ساهمت في فتح آفاق تسويقية جديدة، أمام الفاعلين المحليين. من جانبه، اعتبر ياسر شهمات، رئيس المجلس الإقليمي للسياحة بتزنيت، أن مهرجان اللوز مناسبة للترويج السياحي، مشيرا إلى أن إقليم تزنيت يزخر بمؤهلات طبيعية وثقافية وتاريخية فريدة، تجعله وجهة سياحية واعدة، شريطة تكاثف الجهود بين مختلف المتدخلين، من مؤسسات منتخبة، فاعلين اقتصاديين، مجتمع مدني. وأضاف شهمات أن تنمية القطاع السياحي بإقليم تيزنيت ليست مسألة ظرفية أو موسمية، بل خيار إستراتيجي نعمل عليه ضمن رؤية شمولية، ترتكز على تثمين المؤهلات المحلية، وتحسين جاذبية العرض السياحي، وربط السياحة بالتنمية المجالية. وأكد أن الجهود تنصب على تعزيز البنية التحتية، ودعم الفاعلين المحليين، وتطوير تجربة الزائر، من خلال الترويج للسياحة البيئية والثقافية، مع الحفاظ على الهوية الأصيلة للمنطقة.