مرت عقود والأحزاب تتهم الإدارة الترابية، في شخص وزارة الداخلية، بالحياد السلبي، في زمن الانتخابات، أيام كانت شماعة الفساد أول ما يعلق عليه الفاشلون في معركة الصناديق إخفاقهم، واليوم يتبنى بعضها خطابا معاكسا عندما قررت الدولة أن تفرض حيادا إيجابيا في أنظمة الدعم الموزع على الفئات المعوزة لكي لا يستعمل في خدمة حسابات ضيقة. لكن شفافية ودقة معايير السجل الاجتماعي أزعجا كثيرا من كانوا يراهنون على الدعم لكي يكون عنوان حملاتهم الانتخابية الدائمة، لذلك نشهد اليوم هجوما شرسا على الدعم الاجتماعي المباشر، وليس ذلك إلا ضربات غير مباشرة لإسقاط مشروع اجتماعي رائد، اختارت الدولة أن تحصنه من كل مزايدة سياسية. ويبدو أن مرافعات عبد الإله بنكيران، أمين عام "بيجيدي"، دفاعا عن تعدد وفئوية أشكال الدعم، تهدد بتقسيم المغاربة إلى معسكرات وصناعة منابت لتفريخ جمعيات حزبية بأقنعة مدنية، كشفت تخوف البعض من فقدان مساحات انتخابية بسبب اعتماد الدعم الاجتماعي المباشر على أساس آلية السجل الاجتماعي الموحد. لن يترك البرنامج الجيد هامش تحرك للمصالح الضيقة من خلال فرض الشفافية والعمومية والمساواة بين جميع المواطنين، وهو ما بدأت تتضح معالمه عند المقارنة بين أشكال الدعم المعتمدة في عهد الحكومتين السابقتين والنظام الموحد الحالي، خاصة في الجانب المتعلق باستفادة الأرامل. ففي الوقت الذي لم تتجاوز دائرة الاستفادة من النظام القديم 77 ألف أرملة حاضنة لـ 130 ألف طفل، حسب آخر دفعة من البرنامج المذكور، سجلت دفعة يونيو 2024 من البرنامج الجديد استفادة 400 ألف و259 امرأة أرملة، و316 ألفا و919 أرملة بدون أطفال، أي أن النسبة تضاعفت بحوالي عشر مرات. كما أن حياد آلية الدعم الجدية ستقطع الطريق أمام أي شبهة تلاعب أو دفع في اتجاه تعدد الاستفادة وهو ما كشفته التعديلات المدخلة على دعم الأرامل بسن شروط خاصة، من قبل منع المستفيدات من أي معاش أو تعويض عائلي أو أي دعم مباشر آخر يدفع من ميزانية الدولة أو ميزانية جماعة ترابية أو تدفعه مؤسسة أو هيأة عمومية، كما هو الحال بالنسبة إلى المنح الدراسية أو الدعم المقدم في إطار برنامج "تيسير". لم يكن ضمان الشفافية في أحقية المستفيدين من الدعم أن يتحقق لو لم يتم الإسراع، أولا، في إخراج السجل الاجتماعي الموحد بتنسيق بين الحكومة والمندوبية السامية للتخطيط، والتعجيل بإطلاقه في 2023 عوض سنة 2025 كما كان مبرمجا في السابق. ياسين قطيب للتفاعل مع هذه الزاوية:mayougal@assabah.press.ma