ركود غير مسبوق وارتفاع الأسعار يدفع مواطنين إلى قضاء عطلتهم خارج المملكة على غير العادة، سجل قطاع السياحة بالمدن الساحلية الشمالية، منذ الإعلان عن موسم الاصطياف للسنة الجارية (2024)، ركودا "غير مسبوق" مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، خاصة بطنجة، نتيجة عدة عوامل مترابطة لعل أبرزها يتعلق بارتفاع أسعار الخدمات السياحية، بما فيها الفنادق والإقامات والشقق المفروشة والمقاهي والمطاعم بمختلف أصنافها، بالإضافة إلى الغلاء المتفاقم في أسعار جل المواد الاستهلاكية، التي أضرت بالقدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، ووقفت بالتالي عائقا أمام السياحة الداخلية. إنجاز: المختار الرمشي (طنجة) طنجة، عروس الشمال، التي تعودت منذ عقود من الزمن على استقبال عشرات الآلاف من السياح الأجناب والمغاربة، باعتبارها من أبرز الوجهات السياحية بالمملكة، تعيش هذه السنة صيفا استثنائيا غير مألوف، إذ لم تسجل المدينة والمناطق المجاورة لها، لحدود الساعة، ذروتها السياحية المعتادة في مثل هذه الفترة من السنة، التي تشهد عادة حركة دؤوبة وطلبا متزايدا على الفنادق والشقق المفروشة، وتدفقا هائلا على شواطئها الممتدة على الواجهتين البحريتين، الأطلسية والمتوسطية. فالركود هو السائد لحد الآن بأهم القطاعات السياحية بالمدينة، التي كانت تعرف ذروة الإقبال عليها ابتداء من الأسبوع الأول ليوليوز إلى متم غشت من كل سنة، إذ في ظل هذا التراجع الملفت، أصبح الوضع يدعو للقلق، بعد أن أصبح من المؤكد أن الموسم الحالي لن يسجل أرقاما مهمة على غرار السنة الماضية، التي شهدت ضغطا ملحوظا على الفنادق بمختلف تصنيفاتها والمنتجعات السياحية والشقق المفروشة، وعرفت إقبالا متزايدا على جل المطاعم والمقاهي الموجودة وسط المدينة وضواحيها. وحسب مهنيين بقطاع السياحة، فإن الإقبال على المدن الساحلية الشمالية تراجع منذ بداية الموسم السياحي الحالي بنسبة تفوق 75 في المائة، خاصة بعاصمة البوغاز، التي تخلى عنها زوارها المألوفون من المغاربة والأجانب، خاصة أفراد الجالية المغربية بالخارج، الذين حولوا وجهتهم إلى بلدان أخرى كإسبانيا والبرتغال وتركيا، بعد أن ظلوا لسنوات يفضلون قضاء عطلتهم الصيفية بالشواطئ الشمالية. وعلل مهنيون التقت بهم "الصباح" بطنجة، أسباب هذا الركود "غير المسبوق" بعدة عوامل نتجت أساسا عن ارتفاع أسعار الخدمات المقدمة من قبل الفاعلين في القطاع السياحي، وموجة الغلاء المتفاقم في أسعار كل المواد الاستهلاكية، التي أصبحت تقف عائقا أمام السياحة الداخلية، بعد أن تضررت الطبقة الوسطى وتخلت جل الأسر، مرغمة، عن عادة السفر والسياحة الصيفية، فيما أصبحت أسر أخرى تفضل السفر خارج البلاد، خاصة إلى جنوب إسبانيا، حيث تتناسب ميزانياتها المحدودة مع العروض السياحية هناك، من سكن بالفنادق ومنازل مفروشة ومحلات تغذية ومطاعم وغيرها من الخدمات الأساسية. والخطير في الأمر، حسب المصادر ذاتها، هو عزوف أفراد الجالية المغربية بالخارج ومقاطعتهم للمنتوج السياحي ببلدهم الأم، بسبب ارتفاع الأسعار بصفة عامة، خاصة تذاكر الخطوط الجوية والبحرية، التي تضاعفت ثلاث مرات، ناهيك عن مشاكل ومظاهر أخرى مزعجة تتجلى في انعدام الأمن والنظافة بعدد من الشواطئ، التي أصبحت محتلة من قبل أصحاب الكراسي والمظلات الشمسية، ما جعل معظم مغاربة العالم يختارون وجهات سياحية أخرى تقدم لهم خدمات راقية بأسعار تنافسية. ممارسات تضرب القطاع أكد عدد من المهتمين بالسياحة بطنجة، أن أبرز التحديات التي تواجه القطاع تتجلى في بعض الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، التي تشوه صورة المغرب في الداخل والخارج، خصوصا في قطاعات الإيواء والمطعمة والمقاهي، التي تستغل فترة الصيف لترفع من أسعار خدماتها بشكل يثير قلق السياح، سواء المغاربة أو الأجانب، الذين عبروا لأكثر من مناسبة عن استنكارهم للزيادات الصاروخية في الخدمات المرتبطة بالسياحة وتجاوزها 200 % مقارنة مع الفترات العادية، رغم أنها لا تتناسب مع الخدمات المقدمة لا من حيث الجودة ولا من حيث النوع، وتفوق الأسعار المطبقة في مدن إسبانية مجاورة، التي أصبح كثير من المغاربة مقتنعين بأن قضاء العطلة فيها يكلف أقل من المغرب. وفي هذا الصدد، قال الزبير بناني، وهو خبير في القطاع السياحي، إن "هذه الممارسات تشمل معظم المقاهي والمطاعم المتمركزة في المناطق التي يقصدها السياح وزوار المدينة، وهي سلوكات أصبحت تمثل إشكالا حقيقيا يهدد صورة السياحة بطنجة والمدن الشمالية على مستوى الخارج، خاصة في ظل احتدام المنافسة على توفير منتوج سياحي جذاب". وأوضح الخبير، أن إقبال المغاربة على المدن الشمالية لقضاء عطلهم ظاهرة إيجابية لتشجيع وتطوير السياحة الداخلية، إلا أن هذه الزيادات المبالغ فيها على مستوى الأسعار، تسيء لصورة القطاع، وهو ما يستدعي من السلطات الوصية العمل على تشديد المراقبة على هذه المحلات وفرض تطبيق قانون إشهار الأسعار، لقطع الطريق أمام تجاوزات المخالفين وتقليص الخسارة التي قد يتكبدها القطاع السياحي، جراء نشر أشرطة فيديو توثق لهذه الممارسات على منصات التواصل الاجتماعي، لاسيما أن الدولة استثمرت في البنية التحتية للمدينة لكي تصبح ضمن مصاف المناطق الساحلية الأروبية، من حيث الجمالية والمنتوج السياحي. سياح مستاؤون اصطدامات وملاسنات يومية تشهدها مطاعم ومقاهي طنجة والشواطئ المجاورة لها، وتنشب بين المصطافين والسياح من جهة، وأرباب ومسيري المحلات التجارية، من جهة أخرى، بسبب الأسعار المرتفعة التي تفرض على الزبناء وتتجاوز السقف المحدد، خاص المأكولات التي عرفت ارتفاعا صاروخيا لا مثيل له، بعدما تحولت تسعيرة ربع من الدجاج المشوي من 30 درهما إلى 45، ووصل ثمن طبق السمك إلى 200 درهم في أحسن الأحوال، فيما رفعت المقاهي من تسعيرة المشروبات، ووصل ثمن كأس قهوة إلى 25 درهما، وكأس عصير إلى 45 درهما، بل ذهب البعض إلى تحديد المدة الزمنية التي يجب أن يقضيها الزبون داخل المقهى. وفي جولة بعدد من مطاعم طنجة، رصدت "الصباح" غضبا عارما في أوساط المصطافين، الذين استنكروا الأسعار الصاروخية للوجبات والمشروبات في المقاهي والمطاعم، التي تقع في وجهات سياحية مميزة، وذكر أحدهم بأنه وجد نفسه مرغما لتأدية 100 درهم لوجبة عشاء بسيطة اعتاد في السنوات الماضية اقتناءها بثمن لا يتجاوز 60 درهما، معتبرا أن هذه الزيادة استغلال للإقبال الكبير على المدينة والسعي وراء جني أرباح غير مستحقة بطريقة "جشعة" لدى بعض المطاعم التي تعمل بشكل مزاجي وتطلب من الزبناء تأدية مبالغ مضاعفة ثلاث مرات. سائح آخر اعتاد قضاء عطلته الصيفية بعاصمة البوغاز رفقة أسرته، أوضح أن بعض الأماكن بمدينة طنجة يتم فيها استغلال السياح بطرق بشعة، حيث يقوم أرباب هاته المطاعم برفع الأثمان إلى مستويات قياسية، مبرزا أنه دفع 100 درهم لكل فرد من أسرته المتكونة من 5 أشخاص (أي 500 درهم)، مقابل وجبة تتكون من سلطة عادية وقضبان الدجاج الرومي ومشروب غازي، مشددا على أن هذا أمر يعكس صورة سيئة عن طنجة وجهة سياحية تمتاز بالتنافسية. مهنيون يتبرؤون تبرأ عدد من أصحاب المقاهي والمطاعم من الاتهامات الموجهة لهم، وأكدوا أن الأسعار المعمول بها تتماشى مع الوضعية الاقتصادية، التي يعيشها المغرب حاليا، خاصة مع ارتفاع أثمنة المحروقات والزيادات المتتالية في كل المواد الغذائية (اللحم والسمك والخضر والشاي والقهوة والمشروبات الغازية...)، بالإضافة إلى الضرائب المجحفة في حقهم والرسوم المتعلقة بالمشروبات والاستغلال المؤقت للملك العام واللوحات الاشهارية وغيرها، وهو ما حتم على المهنيين الرفع من الأسعار لتعويض الخسائر وكسب القليل من الأرباح. وعن الركود غير المسبوق في حركة السياحة بالمدن الشمالية، أكد مسير بأحد الفنادق المصنفة، أن هذا الركود كان متوقعا بسبب طبيعة الاقتصاد العالمي، الذي عرف تصاعدا في التضخم وصل أخيرا إلى نسبة تقارب 3 في المائة، خاصة في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وإنجلترا وألمانيا، وهي دول يفضل مواطنوها الوجهة المغربية لقضاء عطلتهم الصيفية، حيث انعكس ذلك سلبا على القدرة الشرائية لمواطنيها وأدى إلى التقليل من نفقات السفر، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار تذاكر الطيران، التي تضاعفت 3 مرات مقارنة بالسنوات الماضية. أما بخصوص ضعف إقبال السياح المغاربة على الاصطياف بالمدن الشمالية الساحلية هذه السنة، أكد المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن الأسباب ناجمة عن موجة الغلاء المتفاقم وتضرر مداخيل الطبقة الوسطى، فضلا عن منح الحكومة لموظفي القطاع العام أجرة يونيو ويوليوز لتدبير مصاريف عيد الأضحى، ما أربك التوازن المالي لأغلب الأسر، التي فضلت قضاء العطلة الصيفية في مدنها الأصلية.