الرجل الباسم الذي أضحك المغاربة لأجيال يودعنا غيب الموت، مساء أول أمس (السبت)، الفنان والممثل مصطفى الداسوكين عن سن ناهزت الثانية والثمانين، بعد أن فارق الحياة بمنزله بالبيضاء. خلف ضحكته المجلجلة، وحضوره الصاخب فوق خشبة التمثيل، وروح النكتة التي كانت تميزه، كان الداسوكين يخفي خلفها، فواجع تعرض لها، ولحظات إحباط تجاوزها بعزيمة وإصرار فولاذيين، إضافة إلى تكوين رصين في مجال المسرح والدراما. عاش الداسوكين سنواته الأخيرة بكبرياء أسد جريح، يجر خلفه عقودا من إضحاك أجيال من المغاربة، لم يكن ليغامر بهذا الرصيد، ويرمي به في براثن الأعمال الفكاهية الحديثة، التي كان يترفع عن المشاركة في الكثير منها، مثلما كان يواجه تجاهل وجحود أهل المجال بأنفة. تلقى الرجل الباسم فواجع تتالت عليه، بفقدان ابنته ثم ابنه، وبعدها زوجته، ليظل رهين المحبسين، حزنه وبيته، بصبر وتجلد، محاطا بمحبة الناس أينما حل وارتحل، الجميع يرى في الرجل ذلك الفنان الذي طالما أضحك كل فئات المجتمع، مخفيا حزنه الذي علم به الهزل. تألق الداسوكين ممثلا دراميا بمسحة ساخرة لم تكن تخلو من جل أدواره، على جميع الواجهات الفنية الممكنة بالنسبة إلى الممثل بدءا بالمسرح مع الفرق الهاوية والمحترفة، مرورا بتجربة الثنائي، وصولا إلى الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي بصم من خلالها على حضور لافت خلد به صورته واسمه في الأذهان. ترعرع الداسوكين ونشأ بدرب الكرلوطي بدرب السلطان بالبيضاء، حيث ولد في وسط أسرة كان الوالد يشتغل فيها في سلك الجندية الفرنسية، لكن شاءت الظروف أن يفارق الحياة وابنه لا يتجاوز السابعة من عمره. ظل الطفل الداسوكين محتفظا بمشاهد وذكريات طفولية عن والده، أهم ما ترسخ منها، هو عشقه للغة والثقافة الفرنسيتين، كما كان لالتحاقه بالمخيمات التي كان يشرف عليها الفرنسيون بالغ الأثر في توجهه إلى عشق المسرح بعد أن أدى دورا في مسرحية "البخيل" لموليير. مر الداسوكين بتجربة قصيرة ضمن فرقة بوشعيب البيضاوي، بعد أن عوض غياب أحد الممثلين، بتزكية من لمفضل الحريزي وأحمد القدميري، والتحق بعدها بالفرق المسرحية التي انبثقت في درب السلطان مثل "الأخوة العربية" للراحل عبد العظيم الشناوي، و"العهد الجديد" للراحل عبد القادر البدوي، ثم فرقة "الفنانين المتحدين" للفنان محمد الخلفي، وفي الوقت نفسه ظل حريصا على تكوين نفسه أكاديميا، إذ حصل على دبلوم في مجال الدراما ضمن تكوين تابع للبعثة الفرنسية بالمغرب. وتوطدت علاقة الداسوكين برفيق دربه الفنان مصطفى الزعري، من خلال إشرافهما على تكوين الأطفال بخيرية عين الشق، وشكلّا في ما بينهما ثنائيا من أشهر الثنائيات الكوميدية في مغرب ما بعد الاستقلال، كما تألق بعدها في أعمال سينمائية وتلفزيونية ومسرحية من أشهرها "ستة من ستين" و"الجيلالي ترافولتا" و"الزواق يطير" و"شمكارة ولكن"، وكان مسلسل "شوك السدرة" للمخرج شفيق السحيمي من آخر الأعمال الدرامية التي أظهر فيها الداسوكين وجها آخر من النضج الفني في الأداء. عزيز المجدوب