جهل بالتدين

3 أسئلة * إلى عمر الإيبوركي بماذا يمكن تفسير انتشار مظاهر التبذير خلال شهر رمضان؟ > ظاهرة التبذير والإسراف سلوك جماعي سائد في المجتمعات العربية والاسلامية، وهو ناتج عن الشخصية الانفصامية التي تستجيب لمؤثرات الحياة بوجهين مختلفين، يتجلى ذلك في تناقض بين الباطن والظاهر، بين الاعتقاد والواقع. ويمكن إرجاع سبب هذا السلوك الى نوع التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد في مجتمعه، ومن خلال تمثلاته لطبيعة الحياة والسعادة التي تكمن في الاستهلاك وفي المظاهر التي تعبر عن الجانب المادي عند الانسان. مظاهر التبذير خلال شهر رمضان سلوك متناقض مع القيم الدينية، والضوابط الصحية، ولكننا نلاحظ أنه سلوك منتشر وهو السائد بين جميع الفئات الاجتماعية، ويمكن تفسير ذلك بالندرة في تلبية الحاجات الضرورية، والتي يمكن استدراكها خلال هذا الشهر. إذا أضفنا الى ذلك ما يصاحب هذا الشهر من طقوس وعادات ثقافية تشمل أنواع المأكولات الخاصة، والاستعدادات بكل الوسائل الاستهلاكية، حتى أن ذلك اكسب هذه المواكبة قدسية لا تقل عن العبادات. كما أن التنافس الاجتماعي يذكي هذه الظاهرة، ويجعل التبذير سلوكا منتشرا يتشربه الفرد منذ صغره ويتحول الى سلوك طبيعي في محيط عائلي يتربى في حضنه على المباهاة في الأكل واللباس مثلا. وأعتقد أيضا أن من الأسباب التي تدفع المغاربة الى ممارسة التبذير هي التنافس في إظهار الارتقاء الاجتماعي بالنسبة لجميع الطبقات، بما فيها الفئات الدنيا التي تعيش الفقر والهشاشة، وأيضا عدم التأهيل المعرفي، سواء دينيا أو صحيا او اقتصاديا... ما هي الأضرار المجتمعية الناجمة عن هذه الظاهرة والمظاهر السلبية التي ترافقها؟ > من أهم الأضرار التي تلحق الأفراد والأسر أنها تنفق اكثر مما تنتج، بل قد تلجأ إلى الاقتراض لسد نفقات هذا الشهر، وفي ذلك تنافس مرضي يجر جميع الفئات الى خضم تيار الاستهلاك الجارف. فالأفراد يتربون على تقديس بعض الطقوس الدينية حفاظا على دورهم ومركزهم الاجتماعيين فقط، ولكن سلوكهم الجوهري تتحكم فيه متغيرات اقتصادية وثقافية بعيدة عن جوهر الدين. ففي المجتمع المغربي نلاحظ أن الصيام من الطقوس المقدسة لا يتم التسامح مع من يخرقها، ولكنهم يتنافسون في التبذير، ويتباهون في إظهار مظاهر الرخاء الوهمي، إضافة اننا لاحظنا نشر صور الموائد الممتلئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وغالبا ما يحدث ذلك بين الفئات المتوسطة والدنيا كدافع لرفض الشعور بالدونية والتخلص من الهشاشة التي تطوقهم. هذا التنافس والتباهي قد يؤدي الى أزمات اقتصادية ونفسية واجتماعية تشعل نوعا من الكراهية والحقد الاجتماعي بين هذه الفئات، ويؤدي أيضا الى مزيد من الاستغلال والغش والتدليس في المعاملات التجارية. إلى أي حد تتعارض هذه المظاهر مع المقاصد الدينية لطقس الصيام؟ > إن هذه التصورات تختزل التدين في بعض المظاهر الخارجية، وفي المواظبة على الطقوس من صلاة وصيام وحج، وهذا من أجل التقدير الاجتماعي فقط، لما للتدين من قيمة رمزية في المجتمع. وأما المعاملات والعلاقات الاقتصادية على مستوى التنافس في الاستهلاك ، فهي في الغالب بعيدة عن كل ما هو أخلاقي، ومبنية على الفردانية والعلاقات الاستغلالية والتدميرية التي يشكل التبذير أحد أبرز معالمها... فالسلوكات الفردية أصبحت تتحكم فيها متغيرات خارجة عن الدين و المجتمع، بل متغيرات تمارس ضغطا على ذات الفرد نفسه الذي لم تعد المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة توجهه نحو مبادئ المجتمع المسلم، بل تتحكم فيه قوى الاستهلاك التي تنشر العلاقات التدميرية بين أفراد المجتمع الواحد، وهذه من الأسباب الدافعة الى استمرار العلاقات المتناقضة او ما نسميه التناقض الاجتماعي. وأعتقد أن هذه السلوكات ذات الطبيعة الانفصامية لم تظهر في المجتمع المغربي او تتأجج إلا بعد بروز المجتمع الاستهلاكي، وحينما اقترن الجهل بالتدين، بعد أن تربى اجيال من المغاربة على الدين الاخلاقي الذي يعمل على تنشئة الفرد على القيم الإنسانية من صدق وأمانة وتضامن وتكافل بين الأغنياء والفقراء، وتسامح، واحترام للآخرين. أجرى الحوار: عزيز المجدوب * باحث في علم الاجتماع

جهل بالتدين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بركة‭ ‬ينتصر‭ ‬لتيار‭ ‬الصحراء

حكمان مغربيان لـ "كان" 2025

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات