الممثل المصري محمد فراج قال إن التوازن مطلوب بين التجاري والعمق في السينما لفت انتباه عشاق الدراما المصرية من خلال أدواره المميزة في مسلسلات مثل "لعبة نيوتن" أو "تحت السيطرة" أو "أهو ده اللي صار"، وفي أفلام من قبيل "القشاش" و"هروب اضطراري" و"الصندوق الأسود" وغيرها من الأعمال التي أظهر فيها الممثل الشاب طاقة تمثيلية "رهيبة"، تحمل فيها أدوارا غاية في التركيب تركت أثرها إيجابيا بكل بساطة في أذهان المشاهدين. إنه الممثل المصري محمد فراج الذي حل أخيرا بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، خلال عرض فيلمه الجديد "فوي فوي فوي". عن دوره في هذا الفيلم وأشياء أخرى، خص محمد فراج "الصباح" بهذا الحوار. أجرى الحوار: عزيز المجدوب ( موفد "الصباح" إلى مراكش) في دورك الأخير ضمن شريط "فوي فوي فوي" الذي عرض ضمن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، جسدت دور "حسن" الكفيف، علما أن دور الكفيف في السينما المصرية سبق تجسيده في أعمال مرجعية، أشهرها شريط "الكيت كات"، لكن ما يميز دورك هو أنه جاء أشبه "بتمثيل داخل التمثيل".. ما تعليقك؟ بمجرد ما توصلت بسيناريو الفيلم شرعت في قراءته على الورق، ولم أنته منه، إلا وقد اتصلت بمخرجه عمر هلال، قائلا له "أين العقد؟ فأنا مستعد تماما لتمثيل الدور..."، كنت قد أخذت القرار وأنا ما زلت في منتصف قراءتي للسيناريو، ومع ذلك أصررت على أن أكمل القراءة إلى الآخر. ما جذبني في الفيلم أولا هو أنه مأخوذ من قصة واقعية، وهذا الأمر يستهويني كثيرا، كما أن الدور الذي أسند لي، يتضمن جرعة كبيرة من التحدي، إذ كما تفضلت بالقول إنه "تمثيل داخل التمثيل" فهذه المسألة هي التي ارتكزت عليها، خاصة أن "حسن" في الفيلم ليس كفيفا، بل لجأ إلى التظاهر بذلك، ليمثل أمام بقية الشخصيات الأخرى بأنه كذلك ليحقق حلمه في الهجرة بعد أن أوصدت في وجهه كل الأبواب والطرق، ثم يمثل أمام المتلقي ويقنعه أيضا بأنه فاقد للبصر. كيف اشتغلت تقنيا وفنيا على هذه الشخصية؟ منذ البداية كنت أعرف أنني أمام شخصية مركبة، تتطلب نوعا خاصا من التحضير، ومتابعة سلوك المكفوفين وسيكولوجيتهم، فضلا عن مشاهد جل الأدوار التي تم فيها تشخيص دور الكفيف، منها دور الفنان الراحل محمود عبد العزيز في شخصية "الشيخ حسني" ضمن فيلم "كيت كات" المستوحى من رواية "مالك الحزين" للأديب إبراهيم أصلان، أو دور النجم عادل إمام في شخصية "سعيد المصري" ضمن فيلم "أمير الظلام"، وقبلهما الراحل أحمد زكي ضمن مسلسل "الأيام" الذي جسد فيه شخصية الأديب والمفكر طه حسين وغيرها من الأدوار التي تميزت بأن الشخصيات التي فيها فعلا كفيفة، أما دور "حسن" فهو شخص يتظاهر بأنه كفيف، كما أشرنا إلى ذلك، وهو ما زاد من تعقيد الدور وحساسيته، ورفع درجة التحدي فيه إلى أقصى مراتبها. وماذا عن الجانب السيكولوجي في الدور؟ من خلال اشتغالي على الشخصية ومواكبة كل ما يتعلق بعالم المكفوفين، اكتشفت أن هناك أنواعا منهم فاقدو البصر الذين يولدون كذلك، أو كفيفون آخرون يولدون مبصرين ثم يفقدون البصر في ما بعد لأسباب مختلفة. هناك لغة جسد خاصة بكل واحد منهم، حتى في طريقة مشيهم أو حديثهم إلى الآخرين، كما تصدر عنهم حركات مختلفة وهم ينصتون إلى من يتحدث إليهم، بكل جوارحهم وحواسهم التي تعوض لديهم حاسة البصر المفقودة. كل هاته التفاصيل وغيرها حاولت أن آخذها بعين الاعتبار رغم أن شخصية "حسن" مختلفة عن كل هذا، لأن فيها جانبا من الافتعال والتظاهر لخداع الآخرين. ما هي ملامح شخصية "حسن" في "فوي فوي فوي"؟ تعاطفت مع الشخصية، لأن كاتبها رسمها على أساس أن "حسن" شخص عبقري ويمتلك شجاعة الفرسان، لكي يفعل مثل ما فعل في الفيلم، وينجو بفعلته، أي أن يخدع الجميع بأنه كفيف، بل كاد أن يدفع حياته ثمنا لهذا التصرف، لكن في المقابل لم يكن يملك وسيلة أخرى غير ذلك، بعد أن وجد نفسه محاصرا من كل الجوانب، فاضطر إلى اللجوء إلى أساليب ملتوية لتحقيق حلمه بالهجرة إلى أوروبا حتى لو تطلب الأمر منه تقمص شخصية كفيف ضمن فريق لكرة القدم خاص بالمكفوفين، وخوض مغامرات لا حصر لها في سبيل ذلك. تم ترشيح شريط "فوي فوي فوي" ليمثل مصر في مسابقة الأوسكار.. ماذا يعني لك ذلك؟ هذا مبعث فخر بالنسبة إلي ولسمعتي ممثلا، وأيضا لسمعة بلدي مصر، أن يترشح فيلم مصري لهذه الجائزة السينمائية الرفيعة، خاصة بعد أن رشحته نقابة المهن السينمائية للدخول في المسابقة التي سيتم الإعلان عن نتائجها في مارس المقبل. ولا أخفيك أن الأمر جعلني أشعر بمسؤولية ثقيلة وجسيمة، خاصة أن هاته المسألة لا تتكرر كثيرا في تاريخ السينما المصرية. أود أن أتوقف معك عند هذه النقطة، إذ رغم التراكم الكمي الذي حققته السينما المصرية عبر تاريخها الطويل، إلا أن التجارب الذي استهدفت جوائز المهرجانات العالمية كانت قليلة.. ما تعليقك؟ ربما هناك وعي طارئ ومستجد بهذه النقطة بالذات، رغم أنه كانت هناك تجارب حاولت تقديم سينما "عميقة" تستهدف المهرجانات، مثل يوسف شاهين وشادي عبد السلام وعاطف الطيب وغيرهم. ففي مصر والعالم العربي ككل، هناك مواهب وطاقات "رهيبة"، سواء أمام الكاميرا أو خلفها، ونحن نستحق أكثر من هذا، وأعتقد أن جيلي بإمكانه تحقيق أشياء كثيرة خاصة أن المواهب صارت تعبر عن نفسها بمختلف الطرق. هناك نقطة تثار بخصوص صعوبة التوفيق ما بين البعد التجاري/ شباك التذاكر والقيمة الفنية للأعمال السينمائية الموجهة للمهرجانات؟ كيف ترى هاته المسألة؟ لنكن صرحاء.. السينما ليست مهرجانات فقط، لأنه ليس بإمكان جميع الناس فهم الأفلام العميقة التي تقدم للمهرجانات، لكن في المقابل بإمكان الجميع الاستمتاع بفيلم عاد وبسيط، لأن القيمة الفنية العالية تلفت اهتمام صناع السينما على مستوى العالم بالدرجة الأولى، أما الجمهور العريض فلا شيء يجذبه غير البساطة. الملاحظ أن العديد من الأدوار التي تألقت فيها، سواء في السينما أو التلفزيون، عبارة عن شخصيات بها طاقة شر؟ أدوار الشر تظل بالنسبة إلي "سكسي" ومثيرة وجذابة، لأن فيها مطبات وطلوع ونزول وقسوة وخبث، أي أن فيها ملعبا تمثيليا واسعا، عكس ما يمكن أن تجده في شخصية أخرى ببعد واحد، لكن هذا لا يعني أنني أضع قاعدة ثابتة أمنح فيها الأولوية لأدوار الشر، بل ما يجذبني في كل الأدوار هو جديتها وأن تحمل شيئا مختلفا، حتى ولو كان أدوارا لشخصيات طيبة، لأنه من الجميل أن توسع مداركك في التمثيل وآفاق اشتغالك، حتى تستطيع أن تستخرج من شخصيتك أشياء جديدة ومدفونة. المهم أن تصل قلب الجمهور لكن ألا يمكن رفع التعارض بين القيمة الفنية والانتشار الجماهيري؟ هذه وجهة نظر معينة، حتى وإن كانت موجودة على أرض الواقع فإنني لا أميل إليها، كما أن الخلط بين المهرجانات والأفلام التجارية أصبح عرفا مستجدا، لم يكن من قبل، وهذه ليست مسألة سلبية في اعتقادي، لأنني في النهاية أشاهد فيلما بسيطا في المتناول، أو أشاهد فيلما فيه مجهود أو سأبذل مجهودا مضاعفا لأشاهده وأفكك ما فيه من مشاعر وأحاسيس وأفكار، وأنا أقدر كل صنف من هذه الأفلام على حدة، لكن في الحالتين معا المهم هو أن تصل إلى قلب الجمهور، لأن الانغماس الكلي في تقديم الأفلام الموجهة إلى المهرجانات بشكل دائم ليس مسألة صائبة، لأنك بذلك لن تصل إلى كل الناس، كما أن الانجراف خلف الاستسهال وتقديم أفلام تجارية يجعل الرحلة السينمائية ناقصة، فالتوازن مطلوب في كل الحالات. ليس عيبا أن أبدأ صغيرا إذا أمكنك أن تقيس المسافة بين مشاركتك الأولى في فيلم "الرهينة" وفيلم "فوي فوي فوي" الحالي.. كيف ستكون خلاصتك؟ ولو أنني بدأت مساري الفني، سنوات قبل فيلم "الرهينة" الذي ظهر في 2005، إلا أن هذه التجربة كانت أول خطوة لي في مجال الاحتراف، رغم أن دوري كان صغيرا فيها، لكن ليس عيبا أن يبدأ المرء صغيرا، ويتطور مع مرور الوقت، ويعبر عن أفكاره ومبادئه وأحاسيسه وطموحاته من خلال السينما، فطبيعة الرحلة تقتضي ذلك أي أن تتعب وتسقط وتنهض من جديد. في سطور < ممثل مصري < من مواليد 15 نونبر 1982 بالقاهرة. < التحق في بداياته بمعهد السينما، لكنه اضطر لتركه والالتحاق بكلية التجارة بجامعة القاهرة. < التحق بعد ذلك بورشة مركز الإبداع الفني تحت رئاسة المخرج خالد جلال وقدمت دفعته عرضا بعنوان (قهوة سادة) في 2009 . < اشتغل في مجال الإعلانات التجارية، كما قدم أدورا صغيرة بالسينما في أفلام مثل "الرهينة"، و"بنات موتسيكلات" وفي 2009 شارك في فيلم "ألف مبروك" بالدور الثاني محققا شهرة واسعة. وفي 2013 قدم أول بطولاته الفردية في فيلم "القشاش". < من أشهر أعماله السينمائية: "الصندوق الأسود" و"هروب اضطراري" و"هيبتا" و"الماء والخضرة والوجه الحسن" و"فوي فوي فوي". < من أشهر مسلسلاته "لعبة نيوتن" و"تحت السيطرة" و"أهو ده اللي صار" و"حرب" و"بطن الحوت" وغيرها.