الغنبوري شدد على ضرورة وضع خارطة طريق لإصلاح المنظومة بشكل شامل ومستعجل نبه علي الغنبوري، نائب رئيس مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني، إلى أن إنقاذ منظومة التقاعد يضع الحكومة أمام تحد وضع قانون إطار يرسم خارطة إصلاح تلزم، الأجراء والمقاولات والقطاعات الحكومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وهيآت المهن الحرة. واستعرض منسق البرامج بالمرصد المذكور مختلف الخطوات والإجراءات الحكومية المتعلقة بإصلاح أنظمة التقاعد، والملاحظات المتعلقة بمدى قدرتها على تقديم الحلول المناسبة المتوافقة مع طموحات مختلف الفرقاء، وفي ما يلي نص الحوار : أجرى الحوار: ياسين قُطيب أصدرتم تقريرا مفصلا عن مأل صناديق ما مدى خطورة وضعها؟ > تعيش منظومة التقاعد في المغرب، على وقع تحديات ومخاطر، مرتبطة بالأساس باستدامة احتياطاتها، وبقدرتها على الاستمرار في لعب أدوارها الاقتصادية والاجتماعية، في ظل أزمة بنيوية تضرب هياكلها وطرق تدبيرها وآفاقها المستقبلية، في غياب إصلاح شامل ومتناسق يستحضر وضعها المتأزم، ويحقق التوازن ما بين مختلف المساهمين في تطوير منظومتها المالية المعطوبة . ومن المؤكد أن الوعي بخطورة وضعية منظومة التقاعد، بات حاضرا لدى مختلف الفاعلين والمتدخلين وفي مقدمتهم الحكومة، التي باشرت عدة إصلاحات في هذا الشأن، بهدف الحد من تدهور وضعيتها، ومحاولة إرساء دعائم إصلاح هيكلي يعيد التوازن لصناديقها المتعددة، إذ أحدثت لجنة وطنية مكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد في 2013، عملت على وضع خارطة طريق للإصلاح المطلوب، وتمثلت أبرز توصياتها في وضع نظام تقاعد بقطبين عمومي وخاص، وتنزيل إصلاح مقياسي لنظام المعاشات المدنية يمكن من تأجيل أفق استدامة النظام من 2022 إلى 2028، وإحداث نظام معاشات لغير الأجراء. كيف كانت حصيلة بداية تنزيل خارطة الإصلاح ؟ > فعلا تم الشروع منذ 2016 في تنزيل توصيات اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد من خلال إصلاح مقياسي، الذي هم بالأساس الرفع التدريجي لسن التقاعد إلى 63 سنة، ورفع نسبة المساهمة من 20 في المائة إلى 28 في المائة، وتحديد المعاش على أساس 2 في المائة بدل 2.5 في المائة، وتصفية المعاشات إلى متوسط الراتب خلال الثمانية سنوات الأخيرة من الخدمة الفعلية، ثم المصادقة في 2017 على القانون رقم 99.15 بإحداث نظام للمعاشات لغير الأجراء، دخل حيز التنفيذ سنة 2020، بالإضافة إلى البدء في تنفيذ الإصلاح المقياسي على نظام منح رواتب التقاعد. هل تعتبرون أن ذلك سيكون كافيا لتدارك الاختلالات المرصودة؟ > تظل الإجراءات المتخذة جزئية، لم ترق إلى مستوى تقديم حل شامل ودائم للأزمة البنيوية لأنظمة التقاعد، لكن ذلك لا يمنع من الإقرار بأن التدابير الحكومية المنجزة تحمل صفة الضرورة، خاصة الإصلاح المقياسي الذي باشرته الحكومة، بالنظر إلى أنه مكن من الزيادة في أفق استدامة نظام المعاشات المدنية إلى غاية سنة 2028، وضمان توازن الحقوق المكتسبة منذ مباشرته في 2016، إذ ظل الدين الضمني يهم بالأساس الحقوق المكتسبة في الماضي. وفي ظل هذه الوضعية المتأزمة والضاغطة تبنت حكومة أخنوش نهجا إصلاحيا جديدا مبنيا على إشراك مختلف الفرقاء في هذا الملف، انطلاقا من التزامات واضحة نابعة من الحوار الاجتماعي الذي أعادت عجلته إلى الدوران في 2022، من خلال اتفاق 30 أبريل، الذي انبثقت عنه لجنة لإصلاح أنظمة التقاعد بإشراك النقابات وممثلي المنظمات والجمعيات المهنية، وفق منهجية واضحة وأجندة زمنية مضبوطة، تبتدئ من أكتوبر 2022 بتحيين التشخيص والوضعية الحالية لأنظمة التقاعد، وتنتهي في شهر ماي 2023 باعتماد سيناريوهات الإصلاح والشروع في تنفيذه. هل يمكن توضيح وضعية كل صندوق على حدة ؟ > رغم أن الصندوق المغربي للتقاعد يعيش حالة من التوازن بالنسبة إلى الحقوق المكتسبة بعد الإصلاح المقياسي، إلا أن احتياطاته ستنفد بحلول 2028، وذلك راجع بالأساس إلى حجم الدين الضمني الحالي المرتبط بالحقوق المكتسبة في الماضي، إذ سيحتاج هذا الصندوق 14 مليار درهم على أساس سنوي لمواصلة الوفاء بالتزاماته. في حين أن العجز التقني الذي يعانيه النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والمقدر بحوالي 3,3 ملايير درهم، لا يهدد ديمومته في الأفق المتوسط، على اعتبار أن أمد استدامته يظل طويلا ويمكن أن يصل إلى 2052، وذلك راجع بالأساس إلى المستوى المهم من احتياطاته (135 مليار درهم)، والتي تمكنه عوائدها المالية المهمة من تجاوز العجز. ويظل العجز التقني للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ضئيلا بالمقارنة مع احتياطاته (375 مليون درهم) ، حيث من المرتقب أن يصل أمد استدامته إلى غاية 2038 ، مع العلم ان منظومة هذا الصندوق تسمح بإدراج هوامش مهمة للإصلاح المقياسي خاصة بالرفع من نسبة المساهمة( 11,89 في المائة) و سن التقاعد المحصور حاليا في 60 سنة . وتضمنت الهيكلة المقترحة من خلال الدراسة التي قدمتها الحكومة خلال جلسات الحوار الاجتماعي مجموعة من المتغيرات الرئيسية على بنية ومنظومة صناديق التقاعد، أبرزها اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص، فضلا عن اعتماد معاش تكميلي إجباري وآخر إضافي للقادرين عليه، وإلغاء النسبة المائوية وتعويضها بالنقط، فضلا عن إلغاء اعتماد أجر السنوات الثماني الأخيرة قاعدة لاحتساب المعاش، واحتساب المعاش على أساس طول مدة العمل. المرور إلى نظام موحد وماذا اقترحت الحكومة لكل من الصناديق الثلاثة ؟ > اقترحت الحكومة اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص لتسهيل المرور مستقبلا إلى نظام موحد، وتقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي، وتجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى 10 سنوات القادمة، ورفع سن التقاعد الى 65 سنة بما في ذلك القطاع الخاص، ورفع نسب الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص. حلول شاملة ومستعجلة هناك عدد من الإيجابيات في وصفة الحكومة، وفي مقدمتها المقاربة المعتمدة باعتماد أجندة الحوار الاجتماعي وتضمينها في اتفاق 30 أبريل 2022، وإشراك الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين في اتخاذ القرار، وإضافة إلى التحديد الزمني المتبع بما يقتضيه استعجال إيجاد الحل الشامل للملف، وكذا التصور القاضي بإحداث قطبين لأنظمة التقاعد وتوحيد أنظمة احتساب التعويض في أفق الدمج النهائي للنظامين. لكن ما نؤاخذ عليه الحكومة هو تسترها غير المبرر على نتائج الدراسة الاكتوارية المنجزة من قبل مكتب الدراسات حول إصلاح أنظمة التقاعد، والدفع بإلزام الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين بالحفاظ على سرية المقترحات، في تعارض تام مع طبيعة الملف المجتمعية، وضعف النظام الأساسي المعتمد لاحتساب عتبة تعويضات التقاعد والاقتراح غير المفهوم بشأن التقاعد التكميلي وإجباريته بالنسبة لبعض الفئات والجهة المكلفة بإدارته والإشراف عليه. مستحقات الدولة للصناديق وقع هناك تجاوز غير مبرر للمسببات الحقيقية للازمة ومن بينها الامتناع الطويل للدولة عن تأدية مستحقاتها لصناديق التقاعد، ما تسبب في عجز بنيوي في احتياطاتها وسرع بعجزها التقني، وتجاهل إشكالية الديون المستحقة لنظام المعاشات العسكرية والمقدرة بـ 7ملايير درهم لفائدة الصندوق المغربي للتقاعد، وكذا عدم تضمين المقترحات لأي رؤية في ما يتعلق بتحسين مردودية الاستثمارات الخاصة باحتياطات صناديق التقاعد وتحسين فعاليتها وتقييم أوجه اعتمادها وتوظيفها، والتنصل من المسؤولية و التساهل مع تدبير كارثي لصناديق التقاعد وهدر كبير عرفته ماليتها واحتياطاتها رغم صدور عدة تقارير في هذا الشأن(تقرير لجنة تقصي الحقائق بمجلس المستشارين، وتقرير المجلس الأعلى للحسابات بشان نظام المعاشات المدنية). ومن سلبيات هذه الخطة اعتمادها على مقاربة إصلاحية ذات اتجاه واحد بثلاثة إجراءات، ورفع سن التقاعد وخفض تعويضات التقاعد والرفع من قيمة الاشتراكات، بشكل يضع مسؤولية وأثر تنفيذها بشكل كلي على الأجراء، دون تحمل الدولة لمسؤوليتها في ما يتعلق بالاختلالات البنيوية التي تسببت فيها طيلة عقود من الزمن، إضافة إلى غياب أي بعد تواصلي لدى الحكومة في ما يتعلق بإصلاح صناديق التقاعد، وحصر النقاش داخل جلسات الحوار الاجتماعي، في تغييب غير مبرر للنقاش المجتمعي بخصوص هذا الملف الإستراتيجي والمصيري لفئات واسعة من المجتمع المغربي . الضريبة والمقاصة إن أول ما يجب القيام به هو مساهمة الدولة في الإصلاح على الأقل بتحملها مسؤولية عدم تسديد أقساط الفترة الممتدة من 1959 إلى 1997، وما خلفه من هدر أثر على مردودية الصناديق بما بقدر بأكثر من 25 مليار درهم، إضافة إلى ضرورة اعتماد إصلاح تدريجي وفق أجندة إصلاح متوسطة المدى لا تقل عن 10 سنوات من أجل تنزيل إصلاح شامل و مستدام، مع إعادة النظر في القوانين المنظمة لتدبير احتياطات صناديق التقاعد، بما يزيد من مردودية استثماراتها بما لا يقل عن 8 أو 9 في المائة سنويا، ويحسن من مساهمتها في تمويل الاقتصاد الوطني، وحذف استثناء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من تدبير أمواله الاحتياطية، لتمكينه من رفع المردودية ومعالجة إشكاليتي العجز و الاستدامة. وأوصى التقرير الأخير للمرصد بضرورة اعتماد توجهات إصلاحية شاملة ومتزامنة لأنظمة التقاعد وصندوق المقاصة وكذلك النظام الضريبي، خصوصا المتعلق بالضريبة على الدخل بالنسبة للأجراء والموظفين، وكذلك، تحسين التعريفة الوطنية المرجعية، بما يضمن عدم تأثير الإصلاح على القدرة الشرائية للمتقاعدين. حد أدنى للمعاش لا بد من العمل على إعفاء الأجراء والموظفين الذين يفوق سنهم 55 سنة من كل أثر لإصلاح مرتقب، مع تغليب الكفة نحو الفئات العمرية الشابة، ووضع حد أدنى لمعاش التقاعد لا يقل عن 1800 درهم للحفاظ على القدرة الشرائية للشغالين من ذوي الدخل المحدود، والرفع النسبي من سقف النظام الأساسي لاحتساب التعويض عن التقاعد المقترح، بما يتوافق والقدرة الأجرية، وتوفير جسور الانتقال بين أنظمة التقاعد العام والخاص من أجل تسهيل حركية السكان النشيطين داخل سوق الشغل من القطاع العام إلى القطاع الخاص أو في الاتجاه المعاكس، وتقليص هدر زمن تنزيل الإصلاح في أفق 2024 على أبعد تقدير، ووضع قانون إطار يوضح خارطة الطريق لإصلاح أنظمة التقاعد، يأخذ طابع الإلزامية للجميع، أفرادا ومقاولات وقطاعات حكومية وجماعات ترابية ومؤسسات عمومية ومهنا حرة، وسن إجراء ضريبي تضامني، يخصص لتمويل ورش الحماية الاجتماعية بشكل عامل وأنظمة التقاعد بشكل خاص. في سطور * نائب رئيس مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني * منسق البرامج داخل مرصد العمل الحكومي . * مستشار سابق في ديوان وزير التشغيل و التكوين المهني * مستشار في التشغيل داخل الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات