أحكام متناقضة بالشمال

بعضها يأتي مخففا وأخرى مشددة رغم التقاطع في دوافعها وظروف وقوعها تعددت بمنطقة الشمال، في السنوات الأخيرة، جرائم القتل المرتكبة من قبل جناة يعانون اضطرابات نفسية أو خللا عقليا، والذين أصبحوا يشكلون خطرا جديا على أسرهم وأقربائهم وباقي أفراد المجتمع، وتتخذ في حقهم قرارات إما باعتقالهم وإيداعهم السجن بعد تحميلهم مسؤولية أفعالهم الإجرامية المرتكبة، أو بوضعهم تحت المراقبة القضائية بمستشفيات الأمراض النفسية والعقلية، لارتكابهم الجريمة دون قصد جنائي وخارج الإدراك والإرادة، نتيجة لخلل في قواهم العقلية. ورغم أن جل الجرائم التي يرتكبها أشخاص يعانون خللا عقليا، تتقاطع إلى حد كبير في دوافعها وظروف وقوعها، ويتشابه مقترفوها في أن أغلبهم يتميزون بسلوكات الميل إلى العصبية والعنف وافتقاد الشعور بالندم أو الذنب، فإن القرارات القضائية الصادرة في حق هذه الفئة من المجرمين تكون متباينة وتثير عدة تساؤلات، سيما أن بعضها يأتي مخففا لدرجة الإعفاء من العقوبة، في حين تأتي أخرى مشددة قد تصل إلى المؤبد أو الإعدام. وخلفت العديد من القرارات القضائية، التي أصدرتها محاكم جنائية بمدن الشمال، نقاشات واسعة بين حقوقيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين انتقدوا بشدة أحكاما قاسية أصدرها قضاء الموضوع في ملفات ينعدم فيها القصد الجنائي، ارتكبها أشخاص يعانون خللا عقليا أفضى إلى القضاء على الإدراك عندهم، في حين متع آخرون بظروف التخفيف ووضعوا تحت المراقبة القضائية بالمؤسسات الصحية الخاصة بعلاج الأمراض العقلية والنفسية، رغم أن الوقائع المدونة بمحاضر الضابطة القضائية وبأوراق قضاة التحقيق تتشابه إلى حد الكبير، وشددوا على ضرورة إعادة النظر في طريقة التعامل مع مثل هذه القضايا الشائكة. من بين القرارات التي أصدرتها غرفة الجنايات باستئنافية طنجة وأثارت جدلا بين المحكمة وهيأة الدفاع، نذكر ملفا توبع فيه شاب بقتل والده بضواحي العرائش، إذ قررت في حقه هيأة الحكم حرمانه من ظروف التخفيف وحكمت عليه بالحبس المؤبد، دون الأخذ بالتقارير الطبية التي تؤكد أن المتهم يعاني مرضا نفسيا مزمنا. وعرف هذا الملف تجاذبا بين هيأة الحكم ومؤازر المتهم، الذي أكد أن موكله "مختل عقليا" ومعروف بتردده على أطباء الأمراض العقلية من أجل العلاج، وارتكب فعلته خارج الإرادة أو السيطرة، ملتمسا إجراء بحث تكميلي وعرض موكله على طبيب اختصاصي في الأمراض النفسية لإعداد تقرير حول قدراته العقلية، إلا أن الهيأة رفضت الملتمس وقررت إدخال الملف إلى المداولة لتصدر بعدها حكما بالمؤبد. قضية أخرى مشابهة بتت فيها الهيأة القضائية نفسها، كان الفاعل فيها شاب قتل شقيقه بحي الزياتن بطنجة باستعمال سلاح أبيض، إلا أن الهيأة متعته بأقصى ظروف التخفيف وأدانته بعشر سنوات سجنا نافذا، مع الأمر بإحالته على مستشفى للأمراض العقلية والنفسية لتلقي العلاجات الضرورية. وخلصت الهيأة إلى قرارها اعتمادا على الخبرة الطبية التي أجريت على المتهم، البالغ من العمر 27 سنة، وعلى أقوال الشهود التي أكدت كلها بأن الجاني يعاني إعاقة ذهنية، بالإضافة إلى تصريحاته المبهمة التي أدلى بها في جميع مراحل التحقيق، ورددها أمام الهيأة عدة مرات، مبرزا أنه صفى شقيقه تلبية لرغبة “الشيطان”، الذي أمره بذلك حتى يغفر الله له ذنوبه ويدخله الجنة، وهو ما دفع بهيأة الحكم إلى تمتيعه بأقصى ظروف التخفيف ووضعه تحت المراقبة القضائية بمؤسسة صحية خاصة بعلاج الأمراض العقلية والنفسية. ويرى عدد من الحقوقيين بعاصمة البوغاز، أن الأحكام الصادرة في حق هؤلاء تأتي متناقضة، رغم أن المشرع منح قضاء الموضوع تدابير خاصة للوقوف على مدى السلامة العقلية للجاني وقت ارتكاب الفعل الجرمي، ومنح للنيابة العامة مسألة الوضع تحت المراقبة القضائية للشخص المشتبه في أنه ارتكب جريمته دون إدراك. المختار الرمشي (طنجة)

أحكام متناقضة بالشمال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"طيران الإمارات" تعيد فتح صالة الدرجة الأولى

استغلال قاصر جنسيا يورط دركيا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات