النصب … فجوة بين جسامة الجريمة والعقوبات

أكد عبد اللطيف بسكر، المحامي بهيأة أكادير، أن الفصل 540 من القانون الجنائي اعتبر جريمة النصب من الجرائم الاقتصادية الخطيرة، مبرزا أن هذا الفصل لطالما وصف بـ"الجلباب القانوني" نظرا لاتساعه لاستيعاب طيف واسع من السلوكات الاحتيالية، بما فيها الاختراقات الإلكترونية وجرائم التصيد السيبراني، والتي كانت تكيف في السابق على أنها نصب واحتيال، قبل صدور القانون رقم 03-07 المتعلق بالجرائم الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات. وأوضح بسكر أن جريمة النصب تقوم على ركنين أساسيين، الاحتيال والخداع اللذين يوظفان بغرض المساس بالذمة المالية للضحية، مشيرا إلى أن جوهر الجريمة يكمن في الاستحواذ غير المشروع على مال الغير، ويعتمد الجاني في تنفيذ فعله الإجرامي على تقديم معلومات كاذبة، أو إخفاء وقائع حقيقية، أو استغلال أخطاء وقع فيها الضحية، ما يجعل المثل الشعبي المغربي "الطماع كيقضي عليه الكذاب" تعبيرا دقيقا عن واقع هذه الجريمة. وأشار بسكر إلى أن العقوبة المنصوص عليها قانونا لهذه الجنحة تتراوح بين سنة وخمس سنوات حبسا، وغرامة مالية تتراوح بين 500 درهم و5000، ومع ذلك، فإن الممارسة القضائية دأبت في غالب الأحيان على إنزال عقوبات تتراوح بين ستة أشهر وسنة واحدة، إلا في الحالات التي تتسم بجسامة الضرر أو تعدد الضحايا، حيث تشدد العقوبات لتصل إلى ثلاث سنوات. من جانبه، عبر الحسين بكار السباعي، المحامي بهيأة أكادير، عن قلقه إزاء ما وصفه بـ"الأحكام المخففة" الصادرة في بعض قضايا النصب، معتبرا أنها لا تتناسب مع خطورة الأفعال المرتكبة، ولا مع حجم الضرر المادي والمعنوي الناتج عنها، مما يخل بجوهر العدالة الزجرية ويضعف من هيبة القانون. ولفت السباعي الانتباه إلى أن مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة يعد من ركائز الشرعية الجنائية، وهو ما يستلزمه الفصل الأول من القانون الجنائي، الذي يكرس حماية النظام العام والحقوق الفردية في آن واحد، غير أن إصدار أحكام لا تراعي خطورة الفعل الإجرامي يضرب في الصميم هذا التوازن، ويخل بوظيفة العقوبة في الردع العام والخاص. وأضاف أن الثقة في العدالة قد تهتز حينما تأتي الأحكام غير مبررة بالشكل الكافي، خلافا لما ينص عليه الفصل 286 من قانون المسطرة الجنائية، والذي يفرض تعليل الأحكام بناء على ما ثبت من وقائع وأدلة، فإذا شاب التعليل ضعف في تقدير حجم الأضرار، فإن الحكم يفقد موضوعيته ويقل تأثيره الردعي. ورغم أهمية السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي، إلا أن هذه السلطة تظل مؤطرة بضوابط قانونية وقضائية صارمة، منها ما ينص عليه الفصلان 146 و147 من القانون الجنائي، اللذان يفرضان مراعاة جسامة الفعل ودرجة الخطورة عند النزول بالعقوبة أو منح ظروف التخفيف، وبالتالي، فإن أي انحراف عن هذه المبادئ، خاصة في قضايا النصب ذات الأثر الكبير، ينتج تداعيات قانونية وأمنية تهدد الثقة العامة واستقرار المعاملات. وشدد السباعي على أن العدالة الجنائية لا بد أن تستحضر مبدأ الإنصاف الحقيقي، عبر تحقيق توازن دقيق بين المعايير القانونية والواقعية، ما يضمن إصدار أحكام زجرية فعالة تحمي الضحايا وتصون هيبة القضاء. وفي سياق الأمثلة الواقعية، أشار إلى قضايا أثارت جدلا واسعا، من بينها قضية 2013 بمحكمة مكناس، حيث أدين ستة أشخاص بتهم النصب والتزوير في محررات بنكية، عقب قيامهم بنشر إعلانات تجارية وهمية على موقع إلكتروني واستلام مبالغ مالية دون الوفاء بالوعود، ورغم تعدد الضحايا، تراوحت العقوبات بين سنة وسنتين ونصف حبسا نافذا، ما اعتبر مخففا مقارنة بجسامة الأفعال. كما شهدت مراكش في 2021 تفكيك شبكة للنصب والتزوير، حيث انتحلت امرأتان صفة موظفتين، ووزعتا قرارات وهمية للحصول على بقع أرضية مقابل مبالغ فاقت 70 ألف درهم للفرد، إلا أن العقوبات لم تتجاوز ثلاث سنوات ونصف سنة حبسا نافذا، رغم الطابع المنظم للجريمة. وختم السباعي بالتأكيد على أن هذه النماذج تبرز فجوة حقيقية بين جسامة الجرائم وطبيعة العقوبات، ما يستدعي من المشرع والقضاء مراجعة فلسفة التفريد العقابي، وضبط السلطة التقديرية بما يحقق التناسب المطلوب ويعزز الثقة في العدالة، خصوصا في الجرائم التي تمس الأمن الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع المغربي. عبد الجليل شاهي (أكادير)

النصب … فجوة بين جسامة الجريمة والعقوبات

رجال قانون أكدوا عدم تناسب الأحكام مع خطورة الأفعال وحجم الضرر المادي والمعنوي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جرائم النصب ... 3 أسئلة إلى * لبنى الصغيري

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات