البيضاء تجهل عددها وموظفون يتلاعبون في استخلاص رسومها وأصحابها يستفيدون من إعفاء مشبوه تحتاج البيضاء إلى سنوات ضوئية لإحصاء مجموع الأراضي الحضرية غير المبنية التي تتوزع على المقاطعات الـ16، وتشكل اليوم إحدى نقاط الجدل الكبرى بمجلس المدينة لارتباطها ببنية المداخيل والمستحقات المالية في مدينة تجد صعوبة في ضبط ضرائبها وجباياتها وأموالها المستحقة لها بقوة قانون 30 نونبر 2007، وغيره من المراسيم والقوانين الأخرى المتعلقة بتنظيم الجبايات المحلية. فما هي الأراضي الحضرية غير المبنية؟ وكم يقدر عدد هكتاراتها؟ وما هي وضعيتها القانونية؟ ومن هم أصحابها؟ ولماذا يظل الكثير منها عاريا إلى حد الآن ولم يطله البناء؟ وما هي أسرار انفلات أغلبها سنويا من مقصلة إدارة الجبايات؟ إنجاز: يوسف الساكت لم تهدأ الزوبعة التي أحدثتها الهيأة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب بمراكش، قبل ثلاث سنوات، حين طالبت الوكيل العام بجر عمدة المدينة ونائبه والمسؤول عن تدبير قسم الموارد المالية والخازن الجماعي ومسؤولين إداريين ومديري شركات، إلى القضاء بتهمة ضلوعهم في اختلالات مالية تعرفها مصلحة الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية التي تضيع على خزينة المدينة ملايين الدراهم كل سنة. تزوير الاستثناء الملف انفجر، حين اكتشف رئيس مصلحة الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية اختلالات تهم ملفات ووثائق ذات علاقة برسوم مستحقة في بعض الأراضي الحضرية غير المبنية، ومن ذلك تضمين المنظومة المعلوماتية للمصلحة معلومات تعتريها العديد من العيوب التي تضر بمالية الجماعة.ويستفاد من هذه الاختلالات أن بعض المنعشين العقاريين وبعض الأشخاص الطبيعيين والمعنويين من ذوي النفوذ يستفيدون من إعفاءات جبائية بشكل غير قانوني، والتلاعب بالنصوص القانونية خاصة المادة 39 من قانــون 3 دجنبر 2007 والمتعلق بالرسم على الأراضي الحضرية غير الـمبنية.وقالت الهيأة، في شكايتها إلى الوكيل العام، إن بعض الأشخاص يستغلون الاستثناء الوارد بالمادة المذكورة أعلاه (اسثتناء الأراضي غير المبنية المخصصة لاستغلال مهني أو فلاحي من أي رسوم)، إذ يعتمدون شهادات إدارية صادرة عن بعض رجال السلطة المحلية تفيد أن الأرض المعنية بالرسم مخصصة لاستغلال فلاحي، كما تدون العبارة التالية بالشهادة المذكورة: "الأرض الفـلاحية" أو "الأرض ذات صبغة فلاحية". تعقيدات بالجملة هذه الفضيحة قد تتكرر في عدد من المدن بطرق وتفاصيل مختلفة، بعضها يخرج للعلن، والآخر سيظل طي الكتمان لتشابك العلاقات والمصالح والمسؤوليات في ملف معقد جدا، تجري أطواره في الخفاء ويستفيد منه عدد من الأطراف، سواء بأقسام الجبايات والرسوم، أو الأشخاص والمؤسسات والشركات التي تحتكر عددا من هذه الأراضي غير المبنية في عدد من المدن لأغراض لها علاقة بالريع العقاري، وانتظار الفرصة لإحداث تغييرات في تصاميم التهيئة (تحويل منطقة فيلات مثلا، إلى منطقة عمارات...)، أو لها علاقة بسوق الأسعار المتقلبة في قطاع يدر الذهب على أصحابه.في الدار البيضاء، لا تشذ القاعدة كثيرا عما يجري في مدن أخرى، إذ مازال الحديث عن الأراضي العارية وغير المبنية حديثا ذا شجون مليء بالتشويق الذي تزداد نسبته في موسم حصاد المداخيل (شهرا نونبر ودجنبر)، إذ يجد أعضاء المكتب المسير للجماعة أنفسهم أمام متاهة من العقد والمشاكل بلا نهاية، تبدأ بجهل العدد الحقيقي للأراضي غير المبنية الموزعة على تراب الجماعة، رغم رؤيتها بالعين المجردة من قبل الجميع، وثانيا بمعرفة هويات أصحاب هذه الأراضي، ما يتطلب مجهودا جبارا لاستخراج أصولهم وسجلاتهم من ملفات المحافظة العقارية لتحديد عناوينهم ووجهاتهم، ثم هناك طرق التحصيل وبعض التسهيلات والاستثناءات التي تتحول بقدرة قادر إلى إعفاءات غير مشروعة يستفيد منها البعض دون البعض الآخر، حسب "أريحية" أصحاب الحال. القانون واضح والممارسة غامضة على المستوى القانوني، حدد قانون 30 نونبر 2007، رسم الأراضي العارية بين درهم و20 للمتر الواحد، مع منح الجماعة الحضرية الحق في تحديد سعر الضريبة المفروضة على الأراضي غير المبنية وفق قرار جبائي يصدر عن أحد مجالسها.بالبيضاء مثلا، جرى الاتفاق، في إحدى دورات المجلس، على تحديد سعر الضريبة بصيغتين: منطقة العمارات 12 درهما للمتر المربع، ومنطقة الفيلات والسكن الفردي والمناطق الأخرى 10 دراهم للمتر المربع. واستمرت هذه الصيغة إلى حدود 2012، حين اكتشف أعضاء المجلس أن هذا السعر لم يكف لتغطية توقعات المداخيل المحصلة من الأراضي غير المبنية (التوقعات كانت تتحدث آنذاك عن 10 ملايير سنتيم، بدل 7 ملايير المحصل عليها)، علما أن الجماعة نفسها لم تكن تتوفر على أي إحصاء دقيق حول هذه الأراضي.في 2003، عاد المجلس الجماعي للمصادقة على سعر جديد لهذه الأراضي، من 10 دراهم إلى 12 للمتر المربع بالنسبة إلى الفيلات ومناطق السكن الفردي، ومن 16 درهما إلى 20 للمتر المربع بالنسبة إلى العمارات. هذا الحل، وصفــه مستشار جماعي بالترقيعي والمتسرع الذي من شأنه أن ينفر القلة القليلة من مالكي الأراضي "الأوفيــاء" الملتزمين بأداء ضرائبهم وواجباتهــم ما بين نونبر ودجنبر من كل سنة، مؤكدا أن زيــادة مداخيل هــذا الرسم، لا تتحقق فقــط بالرفع من قيمتــه تدريجيا، بل بالبحث عن الخلل في أماكن أخرى، منها تلكؤ البعض في إحصاء عــدد الأراضي العارية فعلا، ووضــع سجــلات وملفــات قارة عن وضعيتها وتتبع مداخيلها كل سنة بناء على نظام معلوماتي.الإحصاء نفسه يرتطم بعدد من الصعوبات، بعضها موضوعي، وآخر ذاتي يتحكم فيه عدد من الأشخاص والمالكين الذين يرغبون في تأبيد وضعية الإعفاء غير المشروع إلى ما لا نهاية. من هذه الصعوبات، مثلا، أن عددا من الأراضي العارية إما تابعة لملك الدولة، أو أراض تملك رخصة تجزئة، أو بناء، وأراض لا تتوفر على شبكة الماء والكهرباء، فضلا عن الأراضي الفلاحية.وفي هذه الوضعيات "القانونية" بالضبط، يمكن أن نبحث عن التفاصيل حيث تكمن جيوش من الشياطين، إذ قد يقود البحث في نوعية الرخص المسلمة إلى أصحاب هذه الأراضي والوثائق التي أدلوا بها للمصالح المعنية من أجل الحصول على الإعفاءات الاستثنائية إلى "فضائح" بلا حصر، أكثر مما جرى الكشف عنه قبل سنوات في مراكش وغيرها من المدن الأخرى.وتتحدث أصوات عما يسمى تواطؤا مكشوفا بين مسؤولين في إدارات عمومية وبين ملاك الأراضي غير المبنية. فناهيك عن وضع عدد من العراقيل في طريق إحصاء نهائي لهذه الأراضي (مثل مطالبة موظفي الجماعة بأداء مبالغ عن كل طلب للبحث في أرض من الأراضي)، تتلاعب بعض الأيادي في لائحة الملاك المعروفين، إذ يجري التسامح معهم، بدعوى عدم معرفة عناوينهم، أن هناك تلاعبات أخرى تتعلق بالحصول على شهادة إبراء الذمة، بعد أداء مستحقات أربع سنوات الأخيرة، بدل 20 سنة الماضية. بوكس: شركة للإحصاء والاستخلاص في فترة لاحقة، بادر مجلس المدينة إلى تكليف شركة (مكتب دراسات) للقيام بمهمة إحصاء الأراضي العارية، وتجاوز الصعوبات التي اعترضت موظفي الجماعة والمقاطعات، إلا أن النتيجة لم تكن مرضية بالكامل، بسبب التباطؤ واستمرار أسباب العرقلة نفسها، وكثيرا ما عبر العمدة عن غضبه من هذا الوضع خلال زياراته "الكثيرة" للإدارة المحلية للجبايات.