كتاب للباحث سعيد لحسايني يفكك تدبير السلطات الاستعمارية لمسألة التدين في المغرب صدر للباحث والدكتور سعيد لحسايني، كتاب بعنوان "السياسة الدينية للحماية الفرنسية بالمغرب.. مقاربة تاريخية" عن منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير. حاول الباحث التعرف على مكانة الدين الإسلامي داخل النسق الاجتماعي والسياسي المغرب في الكتاب، إذ شكل الحقل الديني إحدى الركائز الأساسية التي أخذتها سلطات الحماية بعين الاعتبار، وعملت على استثمار الدين والتدين ضمن مرتكزات السياسة الأهلية التي رسخها الماريشال ليوطي. في هذا الخاص تحاول "الصباح" أن تضعكم في أجواء هذا الكتاب والكيفية التي قارب بها هذا الموضوع الشائك. إعداد: عزيز المجدوب انطلق الباحث سعيد لحسايني في كتابه "السياسة الدينية للحماية الفرنسية بالمغرب.. مقاربة تاريخية" من إشكالية مركزية ارتكزت في البحث عن آليات السياسة الدينية للحماية الفرنسية بالمغرب ما بين 1912 و1930، وذلك من خلال تفكيك طبيعة السياسة الأهلية والآليات التي اعتمدتها من أجل تنزيلها على أرض الواقع، وتحديد الأغراض والأهداف التي أرادت فرنسا تحقيقها في المغرب. وحاول لحسايني تحديد مجموعة من العناصر التي حاول من خلالها بناء موضوع هذه الإشكالية، انطلاقا من مجموعة من الأسئلة من قبيل: ما هي انعكاسات السياسة الاستعمارية الفرنسية على المؤسسات الدينية بكل من الجزائر وتونس؟ وكيف تأثر المشروع الاستعماري في المغرب بهاتين التجربتين الاستعماريتين؟ وما هي مظاهر وآليات ونتائج السياسة الدينية للحماية الفرنسية بالمغرب؟ وما هو موقف الحركة السلفية الوطنية من السياسة الدينية الفرنسية بالمغرب؟ خصوصية دينية مغربية وفي تقديمه للكتاب توقف مصطفى الكتيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، عند التصورات الفرنسية للدين ولمؤسساته في المغرب، مشيرا إلى أن الماضي الاستعماري الفرنسي في شمال إفريقيا أصبح منذ 1830، أرضية خصبة للتخطيط لسياسة دينية مبنية على الخصوصيات التاريخية والسياسية والاجتماعية للمجتمع المغربي، إذ انطلقت البعثات الاستكشافية الفرنسية الموجهة من قبل المؤسسات العلمية الفرنسية والمدعمة من قبل المؤسسات المالية والسياسية. ومن بين الأمثلة التي ساقها المتحدث نفسه هناك أعمال رواد لجنة المغرب والبعثة العلمية الفرنسية بالمغرب منذ 1904، وهكذا تحول حماس الباحثين الفرنسيين نحو دراسة المجال المغربي الخصب، ولم تعد الجزائر جديرة بالاهتمام من قبل علماء الأنثربولوجيا في فرنسا، وتخصص باحثون في دراسة مناطق مغربية محددة، وأنجزت أبحاث ودراسات شملت البنيات والمؤسسات والظواهر الدينية والممارسات المرتبطة بها، والتي أكدت في تقاريرها أن الحياة الدينية قوية وكثيفة في المغرب مقارنة مع الجزائر وتونس. ومن بين الدراسات التي استحضرها الباحث في هذا الصدد هناك رحلتا شارل دوفوكو وأوغيست مولييراس، وبعثة دي سيغونزاك، والتقرير الذي أنجزه روني لوكلير، أحد كبار الساسة الفرنسيين بالمغرب، حول الحالة الدينية بالمغرب، واصفا إياها بالمعقدة والمركبة، وقد قدم هذا التقرير أمام مؤتمر شمال إفريقيا بباريس سنة 1908، إضافة إلى أعمال ألفريد دوشاتولييه التي ناقشت الدين الإسلامي ورموزه في المغرب، كما لا يمكن إغفال الأبحاث التي قام بها إدموند دوتي الذي أصبح اسما بارزا في الدراسات الأنثربولوجية الدينية بالمغرب، وكان من أهم أعماله "ملاحظات حول الإسلام المغربي: الصلحاء". وأشارت معظم تقارير الوضعية الدينية التي أعدتها المؤسسات الاستعمارية الفرنسية، إلى أن أول الأخطار التي تهدد الوجود الفرنسي في شمال إفريقيا والمغرب، هو الإسلام وطبيعة الإنسان المغربي. واستغلت الإدارة الفرنسية التراكم المعرفي، الذي حققته مختلف الأبحاث السوسيولوجية المهتمة بالإسلام المغربي الرسمي منه والشعبي، وبالشعائر وبالطقوس الدينية داخل الزوايا والطرق الصوفية، لتكثف مجهوداتها وتركزها لجعل الوضع الديني لصالحها، وتستغل مختلف العناصر التي تشكل الإسلام المغربي، واعتبرت المسألة الدينية من أبرز القضايا المستعجلة لحلها في المغرب. ولأجل ذلك، اشترط رواد الحركة الاستعمارية على موظفي المفوضية والقنصليات الفرنسية تخصصهم في دراسة القضايا الاجتماعية المغربية، وألزموهم بإنجاز أبحاث ميدانية وتقارير دقيقة حول الوضعية الدينية في المغرب، ومناقشة وتحليل تلك البيانات والمعلومات المسجلة، وتقديمها للمسؤولين. سياسة ليوطي الإسلامية كان لسياسة الماريشال هوبير ليوطي الأثر الكبير في ترسيخ دعائم وأسس نظام الحماية، وتميزت بمركزية الاهتمام بالسياسة الدينية أو كما عبر عنها هو نفسه ب"السياسة الإسلامية"، وذلك عبر فهم خصوصيات الشعب المغربي، واستخدامها لصالح النظام الجديد. وقد حاول ليوطي الحفاظ على المؤسسات الاجتماعية والدينية للمغرب بالشكل الذي يخدم التوجهات العامة لمؤسسات الحماية، عبر مراقبة المؤسسات الدينية والهيمنة عليها، وإبعادها أو فصلها عن نسقها الاجتماعي، وجعلها مؤسسة مدجنة، ومدخلا لإضفاء الشرعية على التحركات التي تقوم بها إدارة الإقامة العامة. وبلور ليوطي "السياسة الإسلامية" بعد اطلاعه على الثقافة الإسلامية، وآمن بأن المجتمع لا يمكنه أن يعيش دون معتقد ديني، فغيابه يجعل المجتمع مفككا، وحرص من خلال تطبيق "سياسته الإسلامية"، على بلوغ أهدافه بالحفاظ على البنيات التقليدية، في مواجهة معارضيه الذين ألحوا على تطبيق سياسة الضم والإدماج على غرار التجربتين الجزائرية والتونسية، ونصحه آخرون بضرورة مضاعفة الإشراف والمراقبة على الشأن الديني، وأوصوا بمقاومة كل الأعمال التي من شأنها توسيع نطاق الإسلام وإزالة العراقيل لمواجهته ومحاصرته، وهي إشارة إلى تشجيع العمليات التبشيرية. واستحضر الكتاب دور الكنيسة في الاختراق الأوربي للمغرب قبل الحماية، إذ كان حاضرا من خلال البعثات التبشيرية المختلفة، لتستمر في ترسيخ حضورها وتنويعه وتوسيع مجال نفوذها بعد توقيع معاهدة الحماية في 1912، بالمراهنة على دعم الإقامة العامة، وهو ما يفسر طبيعة العلاقة التي جمعت الكنيسة وأدوارها بالحضور الاستعماري بالمغرب، فكان استنبات فضاءات دينية مسيحية هدفها استقطاب جزء من المغاربة إلى اعتناق المسيحية، وذلك بتقسيم المغاربة إلى عرب وأمازيغ ويهود، يمكن تمسيح الأمازيغ منهم، كما كان شأنهم أيام الرومان، مما يحيل على أن السياسة الدينية الفرنسية قد تبنت استراتيجية التفكيك الموجهة ضد مكونات المجتمع المغربي. ترويض الفكر الديني ويكشف الباحث سعيد لحسايني، من خلال التصورات الفرنسية للدين ولمؤسساته في المغرب، أن السياسة الدينية، خلال مرحلة ليوطي، قد وضعت أسس "ترويض" الفكر الديني من خلال ترسانة قانونية وتنظيمية رسمت حدود مجال تحرك الفاعلين الأساسيين، ومن ضمنهم السلطان، بصفته أميرا للمؤمنين ورمز السلطة الزمنية والدينية، ليتوافق هذا الإجراء مع بنود معاهدة الحماية، وترك الانطباع بأن السلطان، قطب الحقل الديني، وهو الساهر على تسييره وضبطه، فلم يكن لفرنسا القدرة على التعامل مع هذا الحضور السلطاني دون حذر، خصوصا في مرحلة ليوطي. وفي مقابل ذلك، لم تكن الإقامة العامة الفرنسية لتمتنع عن التدخل في الحقل الديني سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، ما دام أن منظّري الحركة الاستعمارية ومسؤولي الإقامة العامة بالمغرب، يدركون أن الخطر الذي يهدد الوجود الفرنسي، ليس في المغرب وإنما في حوض البحر الأبيض المتوسط هو البعد الديني. وهنا يتساءل الباحث لحسايني: إذن كيف نفسر اهتمام هؤلاء المنظّرين بالدين الإسلامي في المستعمرات، وحديثهم عن السياسة الإسلامية الفرنسية؟ وهي تسمية اخترقت كل الوثائق الرسمية، من خلال التقارير والمراسلات والتوصيات، وفي هذا السياق تمنح الأكاديمية الفرنسية تصورا أوليا عن طبيعة المقاربة وأهدافها، والتي تكمن في رغبة فرنسا في بناء سياسة واضحة تدبر بها الشأن الديني الإسلامي في مستعمراتها، وتفادي أي تماس مع حساسيته بشكل يقلب الأوضاع رأسا على عقب. ويشير لحسايني إلى أن الحقل الديني شكل أحد الركائز الأساسية التي لم تهملها سلطات الحماية الفرنسية، إذ عملت على استثمار الدين والتدين ضمن مرتكزات "السياسة الأهلية"، التي استطاع ليوطي أن يمنحها روح فهمه الخاص للسياسة الاجتماعية بشكل عام، فأصبحت هذه السياسة متضمنة للبعد الديني الخاص بالمغاربة، وفق تصور استراتيجي تطلع لإضعاف دور العلماء وإبعادهم عن توجيه الشأن العام بطريقة هادئة، والأمر نفسه حصل مع الزوايا ومؤسسات القضاء والأحباس والفضاءات الدينية الأخرى. وهذه التحولات في السياسة المرتبطة بتسيير الشأن الديني في المغرب، حسب لحسايني، استحقت توصيف السياسة الدينية، بحكم أنها سياسة فعلية طبقتها السلطات الاستعمارية في المغرب، فطبيعتها ارتبطت بالتغييرات التي شهدتها المؤسسات الدينية.