الوزير اختلف مع رئيس مجلس النواب حول كيفية عرض القانون على المحكمة الدستورية (2/2) عنوان هذا المقال ليس مزاحا ولا عبثا، بل هو معاينة لحقيقة الواقع الذي عشناه في الأسبوع الماضي. ذلك أن موقع "هسبريس" أجرى حوارا مع وزير العدل. وفي هذا الحوار طرح عليه الصحافي الأسئلة الراهنة وعلى الخصوص تلك المتعلقة بالخلاف حول مشروع المسطرة المدنية. بقلم: عبد الكبير طبيح(*) من المفيد التذكير بأن صدور هذا الكلام عن وزير العدل، وهو المشرف على الوزارة التي أسند لها القانون تنظيم امتحان لاكتساب صفة محام والتي يشترط فيها القانون لولوجها: 1 - التوفر على شهادة جامعية تخصص في القانون أي الاجازة في القانون. والتي من المنتظر أن ترتفع الى شهادة الماستر. 2 - اجتياز بنجاح امتحان للحصول على الأهلية لاكتساب صفة محام. 3 - التمكن من التسجيل في جدول إحدى هيآت المحامين في المغرب. 4 - الخضوع لفترة التمرين لعدة سنوات لكي يسمح بممارسة الدفاع عن المتقاضين فعليا. وبالتالي، فإن ممارسة مهنة المحاماة غير مفتوحة لعموم الناس حتى يطلب رأي مجلس المنافسة بخصوصها. وتشبيهها بشركة تتاجر في مادة معينة. ففي هذه الحالة يتدخل مجلس المنافسة حتى لا تحتكر هذه الشركة المتاجرة في تلك المادة وتفرض وتتحكم في ثمنها ما يلحق أضرارا بالمواطن. فممارسة التجارة لا يشترط فيها التوفر على شهادة علمية. وإنما هي مفتوحة للمتعلم ولغير المتعلم، في إطار حرية التجارة والأسعار، التي هي سياسة الحكومية الحالية. كما أن كل الشركات التجارية اليوم هي حرة في تحديد ثمن البضاعة، التي تتاجر فيها بدون أي رقابة من أي جهة كانت. بينما أتعاب المحامي هي أتعاب لا يحددها المحامي بحرية مطلقة وبدون أي رقابة، كما يريد البعض أن يشيع ذلك بشكل مغرض، بل إن تحديد أتعاب المحامي تخضع للأربع آليات للمراقبة وهي: أولا: مراقبة الموكل عند تكليفه للمحامي الذي سينوب عنه أمام القضاء. ثانيا: مراقبة النقيب عند منازعة موكل المحامي في الأتعاب التي يطلبها هذا الأخير. ثالثا: مراقبة محكمة الاستئناف لقرار النقيب عندما يحدد أتعاب المحامي. رابعا: مراقبة محكمة النقض لقرار محكمة الاستئناف عندما تبت في أتعاب المحامي. فكيف يتهم المحامي باحتكار تمثيل المتقاضين؟ وكيف يدعي البعض بأن المحامي يلزم موكليه بأتعاب لم يوافق عليها؟ ومن المفيد ثالثا، إن من يدعي أن من حق وزير العدل أو الحكومة أن تعرض ممارسة مهنة المحاماة على مجلس المنافسة، فيجب عليه، سياسيا وأخلاقيا ودستوريا، أن يعرض كذلك ممارسة مهنة الهندسة وممارسة مهنة الطب، وكل المهن المسماة حرة، والتي يشترط فيها القانون لممارستها الحصول على شهادة علمية معينة، حتى لا يسقط في التمييز ضد مهنة المحاماة وحدها، وهو التمييز الذي يمنعه الفصل6 من الدستور. ومن المفيد رابعا، أن ما صرح به وزير العدل هو تصريح مخالف للواقع السياسي لفريق وزير العدل من جهة، ومخالف للقانون من جهة أخرى. بخصوص مخالفة ما صرح به وزير العدل للواقع السياسي لفريقه هذا الأمر واضح من أن أغلبيته الحكومية لم تسانده في مشروعه. فكيف لها أن تساند وجهة نظره، المتمثلة في إرادته بالسماح لغير المحامين في ممارسة تمثيل أطراف النزاع أمام القضاء أولا. وكيف للفريق البرلماني لوزير لعدل أن يحيل على مجلس المنافسة قضية تتعلق بقانون غير معروض عليها ولا على البرلمان أصلا، ثانيا. بخصوص مخالفة ما صرح به وزير العدل للقانون يتبين هذا من أن الفريق البرلماني لوزير العدل، ليس له الحق في طرق باب مجلس المنافسة، لأن القانون رقم 20.13 المنظم لمجلس المنافسة حدد الجهة البرلمانية، التي لها الحق في أن تطلب استشارة من ذلك المجلس، وحصرها في اللجان البرلمانية الدائمة. وليس في فريق وزير العدل، وذلك وفقا لأحكام المادة 5 من القانون المشار اليه أعلاه والتي ورد فيها ما يلي: "يمكن استشارة المجلس من قبل اللجن الدائمة للبرلمان في مقترحات القوانين، وكذا في كل مسألة "متعلقة بالمنافسة، وفق أحكام النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان. وأن الوجه الثاني لمخالفة ما صرح به وزير العدل للقانون، يتمثل في أن مجلس المنافسة منحصرة مهامه، ليس في الأنشطة الاقتصادية بكاملها، بل فقط في الأنشطة التجارية، التي قد تتسبب في التركيز الاقتصادي، أي احتكار الاتجار في مادة معينة. وفرض ثمن أعلى على المستهلك الذي لا يجد بديلا لتلك الشركة. كما هو موضح في أحكام المادة 2 من القانون رقم 20.13 المشار إليه أعلاه والتي ورد فيها ما يلي: يتمتع المجلس بسلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي كما هي معرفة في القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة. يكلف كذلك المجلس بإبداء آرائه بشأن طلبات الاستشارة، كما هو منصوص عليها في هذا القانون والقانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة وإصدار دراسات، بشأن المناخ العام للمنافسة قطاعيا ووطنيا. بخصوص مخالفة ما صرح به الوزير للدستور يتبين ذلك من أن مجلس المنافسة لا يعطي الاستشارة إلا في حالة التركيز الاقتصادي وحرية الأسعار. أي الأسعار التي لا توجد أي آلية قانونية لمراقبتها، كما ينص على ذلك الفصل 166 من الدستور، الذي ورد فيه ما يلي: مجلس المنافسة هيأة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار. بينما أتعاب المحامي هي مراقبة بأربع آليات، اثنتان منها تمارسها السلطة القضائية في أعلى درجاتها، وهي محكمة النقض. فكيف يقبل وزير العدل بالرأي الذي أفتى عليه به بتكليف فريقه باللجوء الى مجلس المنافسة، حول مهنة ينص القانون المنظم لها على أن ممارستها تتنافى مع ممارسة أي نشاط له طابع تجاري، سواء مباشر أو بشكل غير مباشر، كما هو موضح في المادة 7 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، التي تنص على ما يلي: تتنافى مهنة المحاماة مع كل نشاط من شأنه أن يمس باستقلال المحامي والطبيعة الحرة للمهنة، وخاصة: 1 - كل نوع من أنواع التجارة، سواء زاوله المحامي مباشرة أو بصفة غير مباشرة. غير أنه يمكن للمحامي التوقيع على الأوراق التجارية لأغراضه المدنية . 2 - مهام مدير شركة تجارية وحيد، أو عضو مجلس إدارتها المنتدب، أو مسيرها، أو شريك في شركة التضامن. 3 - مهنة وكيل الأعمال، وغيرها من المهن الحرة الأخرى، سواء زاولها المحامي، مباشرة أو بصفة غير مباشرة. 4 - وظيفة محاسب وجميع الوظائف المأجورة. 5 - جميع الوظائف الإدارية والقضائية. يتعرض للعقوبات التأديبية كل محام يوجد في حالة تناف، وأنه يتبين إذن أن فتوى إحالة ممارسة مهنة المحاماة على مجلس المنافسة: 1 - فيها مخالفة للقانون 20.13. لأنه لا يدخل في اختصاص مجلس المنافسة إعطاء أي استشارة حول ممارسة مهنة المحاماة. لأن القانون المنظم له يحصر نظره، ليس في كل الأنشطة الاقتصادية، بل فقط في عمليات التركيز الاقتصادي لبعض العمليات الاقتصادية التجارية. 2 - فيها مخالفة للفصل 6 من الدستور لأنها فتوى تتوجه فقط لمهنة المحاماة دون باقي المهن الأخرى، مما يعتبر ذلك تمييزا ممنوعا بمقتضى نص الدستور. بخصوص اختلاف وزير العدل مع رئيس مجلس النواب رغم أن وزير العدل ورئيس مجلس النواب هما معا من الأغلبية الحكومية، إلا أن وزير العدل اختلف مع رئيس مجلس النواب حول كيفية عرض القانون على المحكمة الدستورية، هل سيعرض القانون بكامل مواده أم سيعرض فقط جزء منه؟ وهذا الاختلاف أسس له وزير العدل بأن استند إلى قرار للمجلس الدستوري الفرنسي قضى بعدم قبول طلب تقدم به رئيس الدولة الفرنسية هولاند، لأنه أحال على ذلك المجلس كل القانون بدون أن يحدد الفصول التي يعتبرها رئيس الدولة بأنها مخالة للدستور. وموقف وزير العدل يفتح النقاش حول ثلاث إشكاليات: الأولى: من سيحيل القانون على المحكمة الدستورية. هل رئيس مجلس النواب أم وزير العدل؟ الثانية: هل ستطلب الحكومة من المحكمة الدستورية أن تراقب قانونها هل احترمت فيه الدستور أم لا ؟ الثالثة: هل الإحالة ستشمل القانون بأكمله أم يجب على الجهة المحيلة أن تحدد للمحكمة الدستورية الفصول التي تعتبرها مخالفة للدستور؟ بخصوص الإشكال الأول: فإنه إذا كان تصريح رئيس مجلس النواب واضحا ومؤسسا على الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور الذي يعطيه صلاحية إحالة قانون عاد على المحكمة الدستورية، فإنه لا يوجد أي نص يعطي الصلاحية نفسها لوزير العدل. لكن قد يفهم من تصريح وزير العدل باعتباره وزيرا في الحكومة أن ما صرح به هو باسم من له صلاحية تلك الإحالة، أي باسم رئيس الحكومة ما لم يصدر أي تكذيب من هذا الأخير. لأن وزير العدل لا يمكن أن يدلي بتصريح غير صحيح وغير حقيقي. فتصريح وزير العدل هو نقل لالتزام لرئيس الحكومة بإحالة القانون على المحكمة الدستورية وهو الالتزام الذي ينتظر المواطنون تنفيذه. بخصوص الإشكال الثاني: متولد على تحقق إحالة القانون على المحكمة الدستورية من قبل رئيس الحكومة. ففي هذه الحالة سيتحول النقاش من مربعه القانوني والدستور الى مربعه السياسي. إذ كيف لحكومة معينة في إطار دستور 2011 الذي تنازل فيه جلالة الملك عن حقه في تعيين الوزير الأول، وأصبح ينتظر اختيار المواطنين لأكبر حزب سياسي ليعين منه رئيسا للحكومة، تلجأ للمحكمة الدستورية لتبين لها أي خرقت الدستور في مشاريع قوانينها، بينما هذه الحكومة تتوفر على مستشارين قانونيين ودستوريين مهمتهم هي توجيه الحكومة إلى تجنب ما يعتبر مخالفة للدستور في مشاريع قوانين التي تقدمها الحكومة للبرلمان. من المعلوم أن المحكمة الدستورية مختصة بقوة الدستور في مراقبة المطابقة للدستور للقوانين التنظيمية ولبعض الأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات، بينما القوانين العادية فإن مراقبة احترامها للدستور وعدم خرقها يعود للحكومة وللمستشارين القانونيين لرئيس الحكومة، علما أن رئيس الحكومة يتوفر على ميزانية مهمة جدا تمكنه من تعيين عدد من الخبراء الذين يشتغلون في ديوانه ويساعدونه حتى لا يقدم للبرلمان قانونا مخالفا للدستور. بخصوص الإشكال الثالث: هل سيحيل رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب القانون بكامله أو يجب أن يحدد كل منهما بعض الفصول التي يعتبرانها مخالفة للدستور كما صرح بذلك وزير العدل؟ لقد ذكر وزير العدل بقرار للمجلس الدستور الفرنسي كجواب منه عن ذلك الإشكال، بينما المحكمة الدستورية المغربية سبق لها أن قدمت جوابا مغربيا عن هذا الإشكال، وهو جواب مختلف عما ذهب إليه المجلس الدستوري الفرنسي. وقرار المحكمة الدستورية الصادر بخصوص القانون المتعلق بالتنظيم القضائي هو غني بالأفكار والمواقف والاجتهادات ذات الطبيعة الدستورية. لا نملك إصدار أي حكم قيمة عليها هل هي إيجابية أم غير ذلك. في انتظار معرفة هل المحكمة الدستورية الحالية ستسير في نفس نهج المحكمة الدستورية السابق، أم أنها ستختار نهج قرار المجلس الدستوري الفرنسي الذي ذكره وزير العدل. وسيتصرح بعدم قبول طلب الإحالة في الحالة التي لم يبين رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب في طلبهما فصولا بعينها يعتبرانها مخالفة للدستور. إن مطالبة رئيس الحكومة بتحديد المواد التي يعتبرها مخالفة للدستور هو إشكال كبير، لان ذلك التحديد هو اعتراف بعلم الحكومة أن تلك المواد هي مخالفة للدستور. وبما أن الحكومة عالمة بمخالفة تلك الفصول فإنها ملزمة سياسيا بتغيير تلك المواد لكي تتطابق مع الدستور وليس أن ينتظرا لكي تعرضها على المحكمة الدستورية بينما هي تعلم بذلك الخرق للدستور. إن اجتهاد المحكمة الدستورية المغربية عندما عرض عليها رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني قانون التنظيم القضائي وحصر في طلب الإحالة بعض المواد التي عدلها مجلس المستشارين فقط، فإن المحكمة الدستورية اعتبرت أن من حقها وضع اليد على القانون بأكمله، وأن من حقها أن لا تلتفت لإرادة رئيس الحكومة في حصر نظرها في مراقبة بعض المواد فقط. وانطلاقا من اجتهادها قامت ببحث ومراقبة كل مواد القانون المتعلق بالتنظيم القضائي. وهكذا اعتبرت البعض الأول من مواده مطابقا للدستور، والبعض الثاني من مواده مخالف للدستور. والبعض الثالث من مواده ليس فيه ما يخالف الدستور. والبعض الرابع من مواده ليس فيه ما يمس باستقلال السلطة القضائية. فكيف ستتعامل المحكمة الدستورية إذا ما أحيل عليها مشروع قانون المسطرة المدنية؟ للحديث بقية (*) محام بهيأة البيضاء