تهريب المخدرات… منصات الأطلسي البديلة

لا يكاد يمضي أسبوع حتى تتواتر أخبار مرتبطة بإحباط محاولات فعلية للتهريب الدولي للمخدرات ، أو كذلك لفظ مياه البحر لكميات منها ملفوفة بإحكام، وكانت معدة لنقلها إلى الضفة الأخرى، وأغلب هذه العمليات يشهدها الساحل البحري الأطلسي الممتد من طنجة إلى الكويرة على مسافة أكثر من 3000 كيلومتر، كل ذلك يبيح طرح مجموعة من الأسئلة، عن الأسباب التي جعلت المهربين يقللون من أنشطتهم في المنصات التقليدية على البحر الأبيض المتوسط من طنجة إلى السعيدية بطول فقط 500 كيلومتر، ونقل معظمها نحو منصات أطلسية بديلة، حيث تبرز سواحل الجديدة حلقة قوية اليوم في التهريب الدولي للمخدرات. إنجاز: عبد الله غيتومي (الجديدة) كانت منصات البحر الأبيض المتوسط من طنجة إلى السعيدية، مفضلة بشكل كبير لدى شبكات تنشط في الاتجار الدولي للمخدرات ، بحكم قربها من الضفة الأخرى وخاصة شبه الجزيرة الإبيرية، لكن خلال العشرية الأخيرة قلل المهربون أنشطتهم بها، درجة الاستعاضة عنها بالثغور البحرية الأطلسية، ولا أدل على ذلك من أن مجموعة من المحاولات المجهضة من قبل الدرك الملكي والأمن الوطني ، كشفت عن حمولات كبيرة كانت معدة للتصدير ولم تدرك لحظة الصفر المحددة لها. فقد عثر مواطنون منتصف شهر ماي الماضي على رزم كوكايين لفظتها أمواج البحر بشاطئ مولاي عبد الله، وأخرى شبيهة لها بشاطئ الزحيحيف بالحوزية، وأطنان أخرى من الحشيش بشاطئ لالة فاطنة امحمد بآسفي، واعتقلت قوات الأمن ثلاثة أشخاص بطماريس يشتبه في ضلوعهم في شبكة للاتجار الدولي ، وأحبط درك دار بوعزة محاولة تهريب كمية كبيرة من الحشيش بواسطة " فونطوم " لاذت بالفرار. وخلال العشرية الأخيرة اضحت سواحل الجديدة حلقة قوية في الاتجار الدولي للمخدرات، ودل على ذلك نجاح قوات أمنية في إحباط حوالي عشر عمليات، وصفت بالكبيرة ذات القيمة المالية التي تعد بالملايير، ومنها تلك التي أحبطها "البسيج" بمحطة استراحة بالبير الجديد، وكانت بها شحنة من 40 طنا من الحشيش مخبأة وسط القرنبيط، ذكرت بصددها مصادر أمنية أنها كانت موجهة إلى أوربا من ثغر بحري واقع بشاطئ سيدي بوزيد، على بعد 30 كيلومترا جنوب الجديدة، وعملية أخرى أفلح فيها الكولونيل ماجور سعيد منير في إفشال تصدير شحنة 4 أطنان من الشيرا من دوار الهيالمة بتراب جماعة المهارزة الساحل المتاخمة للبير الجديد وإلقاء القبض على أربعة أشخاص ضالعين في العملية، كانوا بمثابة العلبة السوداء، التي كشفت لدرك الجديدة الكثير من المعطيات الدقيقة عن امتدادات الشبكة، وأيضا عن الطريقة المتبعة لتنفيذ عمليات تهريب دولي للمخدرات. وكشف القبض على أفراد عصابة متخصصة في التهريب ضمنهم امرأة، عن شحنة من 10 أطنان من الشيرا بمصور راسو، كانت في طريقها إلى المنفذ البحري الفونصو قرب الجرف الأصفر وقبل ثلاثة أشهر سابق درك الجديدة الزمن لوضع اليد على وسائل لوجيستيكية بمنزل قروي في ملكية مستشار جماعي بالحوزية لايزال في حالة فرار، كانت ستسخر في عملية تهريب من منفذ بحري على ساحل الجماعة الترابية هشتوكة وأساسا من شاطئ سيدي بونعايم. وقبل ثلاثة أيام فقط أحبطت سرية الدرك الملكي بجهوية الجديدة، محاولة تهريب شحنة من المخدرات على مستوى البير الجديد، حيث تم حجز قارب مطاطي مدفون جزئيا تحت الرمال ومحرك بحري وشحنة من مخدر الشيرا كانت معدة للتصدير. وكشف إحباط عمليات سابقة عن حجز كميات من الكوكايين عالي التركيز، ما أقام الدليل فعلا على أن المنصات الأطلسية ليست بمنأى عن أنشطة استقبال مخدرات صلبة، من أمريكا اللاتينية وأوربا. البحر يعوض مسالك الترويج التقليدية ظل ترويج المخدرات ردحا طويلا من الزمن، يعتمد مسالك وعرة لا تطولها المراقبة الأمنية، وهي التي كانت تربط شمال المغرب حيث مراكز إنتاج وتلفيف البضاعة المحظورة، وحيث العقول المدبرة التي تتشكل من أباطرة كبار، ووسطه وجنوبه حيث الأسواق التقليدية للترويج، وكانت دراسة حول واقع تسويق المخدرات ببلادنا، أنجزتها صحيفة خليجية خلصت إلى أن المناطق الكبرى لذلك الترويج، همت مدن طنجة ومكناس وفاس والبيضاء والجديدة، هذه الأخيرة التي اشتهرت بمسالك بن معاشو وأولاد افرج نحو سيدي بنور والزمامرة ومنها إلى آسفي وضواحيه. لكن خلال العشر سنوات الأخيرة لم تعد تلك المسالك توفر أفقا مواتيا، لعمليات كبرى تأسست على التصدير نحو الضفة الأخرى، والحال أن السواحل الأطلسية الممتدة على 3000 كيلومتر، وفرت خاصة في مناطق ثغور بحرية تقع على قدم غابات كثيفة، البيئة المناسبة لنشاط شبكات دولية. ومن تلك الثغور في سيدي إفني وكلميم ودار بوعزة وسيدي رحال، لكن الضغط الكبير هو الذي لوحظ بشكل واضح على سواحل الجديدة الممتدة على 150 كيلومترا من سيدي بونعايم شمالا إلى أولاد غانم جنوبا، مرورا بثغور بحرية بمولاي عبد الله وسيدي عابد وأولاد عيسى، والتي كثيرا ما أحبطت بها عمليات تصدير بحمولات كبيرة وأيضا لفظت فيها مياه الأطلسي كميات مثيرة للانتباه، ليس فقط من المخدرات التقليدية ولكن أيضا من الصلبة كذلك كالكوكايين، ما يولد القناعة أن هذه الثغور مفتوحة ليس فقط على القارة العجوز، ولكن أيضا على بلدان من أمريكا اللاتينية. ساحل ممتد ضعيف المراقبة ليس الامتداد الذي يميز الساحل الأطلسي وحده الذي أسال لعاب الشبكات التي تنشط في الاتجار الدولي للمخدرات، ولكن عندما نستوقف ساحل الجديدة نموذجا، فإنه يتوفر اليوم على 16 شاطئا مرخصا فضلا عن شواطئ أخرى، ومن المهم أن نلاحظ أن ضغط تلك الشبكات متزايد على المنافذ البحرية التي تلفها الغابة، وهنا نتحدث عن شاطئ سيدي بونعايم حيث الغابة على امتداد 800 هكتار، وتفتقر إلى حراس تابعين للمياه والغابات، وعلى منافذ هشتوكة التي تلفها غابة الشياظمة التي تمتد على 1200 هكتار وتتوفر فقط على حارس واحد مسن. ومن الملاحظات المسجلة أنه رغم المجهودات الأمنية المبذولة، في إطار خلية اليقظة الإقليمية التي تتولى رسم سياسة أمنية لساحل الجديدة، فإنه يسجل ضعف التغطية الأمنية وهو إكراه كبير، سيما خلال إجهاض عمليات سابقة كتلك التي كانت بحمولة 4 أطنان من الشيرا بدوار الهيالمة بجماعة المهارزة الساحل، والتي كشفت الأبحاث مع من تم إلقاء القبض عليهم، أن سائق الجرافة التي فتحت ممرا بالغابة يتحدر من البير الجديد، كما أن معظم الحمالة الذين تولوا إفراغ شاحنة الحشيش، من الدواوير المجاورة، وهو ما ساءل يومها منظومة التعاون بين السلطات الأمنية والسلطات المحلية، خاصة في باب استجماع المعلومة اللازمة وتبادلها بشأن غرباء عادة ما يحلون بمنافذ التصدير، وقتا لازما قبل القيام بالعمليات، من أجل الإعداد اللوجيستيكي لها وتنفيذها في الساعات الأولى وتحت جنح الظلام، وهو التعاون نفسه الذي ينشد لقطع دابر شبكات تنشط في التهجير السري انطلاقا من الساحل الأطلسي، والذي كثيرا ما انتهى بموت العديد من المرشحين للهجرة السرية. المحكمة تضرب بقوة في سبيل تجفيف نشاط هذه الشبكات الدولية والتي لها امتدادات عدة، ضربت محاكم الجديدة مثلا بقوة في العديد من القضايا المعروضة عليها، وعاقبت بالأقصى بمدد سالبة للحرية بلغت سقف العشر سنوات سجنا نافذا وتعويضات بالملايير. إلا أن هذه العقوبات التي تتوخى تحقيق الردعين الخاص والعام، تفرض أن يوازيها على الميدان نزوع نحو تعزيز آليات المراقبة بالمنافذ البحرية المستهدفة من قبل تلك العصابات، ولابد من استنهاض جهود إدارة المياه والغابات، في سبيل حماية المجال الغابوي حتى لا يترك سائبا، يتيح المناخ المناسب الذي يبحث عنه المروجون. حان الوقت لمراقبة متطورة أكد محمد الغزواني، خبير بحري، أن الشريط الساحلي الأطلسي ممتد بشكل كبير مقارنة بالشريط المتوسطي، وهو ما يجعله مرغوبا في أنشطة محظورة كالتهريب الدولي للمخدرات والهجرة السرية، وأن المراقبة الأمنية للساحل بذلت فيها مجهودات ملحوظة ولكنها غير كافية. وتابع الغزواني "إن استمرار نقط تفريغ للأسماك والطحالب عشوائية، ضمنها مريزيقة وسيدي عابد والوليدية وغيرها في مناطق عديدة، يتيح وجود قوارب كثيرة تشتغل في اللامنظم، ويمكن أحيانا أن تستغل في أنشطة محظورة، وقد أكدت وقائع سابقة ضلوع البعض منها". وزاد الغزواني موضحا "للقضاء على الفوضى والعشوائية يتعين العمل المتواصل على إحداث موانئ لرسو تلك القوارب ، لأنها وحدها الموانئ هي التي تتيح فرصا متقدمة للتحكم في حركية القوارب ، وتقطع مع كل التحركات المشبوهة، أخذا بعين الاعتبار أن الوكالة الوطنية للموانئ، توفر الحراسة اللازمة ، التي تعد جزءا من الأمن العام للساحل ككل". وفي معرض تعليقه على ازدياد نشاط الشبكات الدولية، أرجع ذلك للكم المتطور التي راكمته في مجال اختراق البحر ومواكبة تطوراته وتابع " في الماضي كان الرياس وحدهم هم الذين يعرفون البحر وغرائبه، لكن اليوم يكفي أن يتدرب الإنسان لأقل من يوم واحد في "غوغل ماب"، ليستوعب أبجديات الملاحة البحرية، وأيضا فالمهربون على مواكبة مستمرة لمستجدات الأرصاد الجوية والتقلبات المناخية، وعادة يختارون النقط البحرية المناسبة، التي يكون فيها "البحر طايح" أو كما يقال "زربية"، وهو ما أضحى يوفر الظروف المواتية لتلك الشبكات، التي طورت وسائلها اللوجيستيكة، اعتمادا على قوارب مطاطية بمحركات تفوق عادة 25 حصانا وبحمولة أكثر من ثلاثة أطنان". وكشف الغزواني " الذين يدبرون أمرعمليات التهريب غالبا هم في مناطق الإنتاج، ولكن التنفيذ يعتمد على مرشدين وحمالين من أبناء الساحل، وأنه حان الوقت للتصدي وتطور المراقبة آلياتها، ومن الملح أكثر تزويد الساحل بأجهزة تحديد مواقع المراكب والقوارب عبر الأقمار الاصطناعية، ومن شأن ذلك تحصين المجال البحري وتطويق كل العمليات خارج القانون". لابد من تحصين الساحل أجمع مغردون على جدران "السوشيال ميديا"، أن نشاط شبكات الاتجار الدولي في المخدرات، أضحى بالحدة التي يتم بها مقلقا إلى حد كبير، وأن ذلك لا بد أن يستنفر جهودا أمنية إضافية للتخفيف منه في أفق القضاء عليه. وهكذا غرد أحدهم "البزناسة أغرقوا البر والبحر وحان الوقت لتحركات أمنية ومن المجتمع المدني، جميعا يدا في يد لقطع دابرهم، أما تركهم على هذا الحال، فإن مستقبل ناشئتنا في خطر". وطالب آخر "انشروا الرادارات وأكثروا من نقط المراقبة، فشواطئنا خلقت للاستجمام وممارسة أنشطة مهنية بحرية مسموح بها، وليس لزودياكات المخدرات وقوارب الهجرة السرية". وصرخ ثالث "غاباتنا سايبة بدون حراسة ومجالنا البحري كذلك، فكيف لا يمكن للمهربين أن يتخذوا ذلك مواتيا لإتيان أفعالهم المحظورة". وشدد رابع "أين حراسة الغابات التي كانت قبل عشرين سنة، بل أين هي المياه والغابات، فقد أعلنت استقالتها من حراسة مجالها الأخضر، وتركته قاعدة مناسبة لشبكات المخدرات والاتجار في البشر.

تهريب المخدرات… منصات الأطلسي البديلة

شبكات دولية استغلت شساعة الساحل وتطور أساليب الملاحة وغابات ملتفة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

العدالة و "لعجاج"

لا صوت يعلو على القياد والباشوات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات