تأديبات القضاة… إعادة البناء

نشرها يشكل خارطة الطريق في تقييم السلوك القضائي في العمل والحياة الخاصة لأجل تفادي أخطاء محتملة بعد انقطاع غير يسير عاد المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى نشر المقررات التأديبية التي يهدف من ورائها إلى الوقوف على الاختلالات المهنية التي يقع فيها بعض القضاة، سواء خلال الممارسة اليومية لوظيفتهم أو من خلال السلوك اليومي في حياتهم الخاصة، التي ترتبط بشكل وثيق بالمهنة التي يزاولونها. إنجاز: كريمة مصلي قرارات التأديب، التي نشرت، أخيرا، على الموقع الرسمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، شكلت حسب المهتمين خارطة الطريق في تقييم السلوك القضائي في العمل والحياة الخاصة، وأضحت هي البوصلة لأجل تفادي أخطاء محتملة من القضاة في شأن حالات متشابهة. ويستند المجلس في نشر تلك القرارات التأديبية على المادة 60 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، التي تتيح تلك الإمكانية، إذ تفيد أن المجلس ينشر النتائج النهائية لأشغال كل دورة وفق الكيفية المحددة في نظامه الداخلي، ولا تنشر أسماء القضاة المعنيين بالعقوبات من الدرجتين الأولى والثانية المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة. التقاعد لشبهة الاتصال بالمحامين من بين القرارات التي اتخذ فيها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، قرارا بإحالة القاضي موضوع المتابعة التأديبية، على التقاعد الحتمي، تلك التي خصت مستشارا كان يعمل بإحدى محاكم الاستئناف اعتبر المجلس أنه كان يتعين عليه أن يتفادى في كلامه وسلوكه الظهور بمظهر الانحياز أو المحاباة نحو أي طرف، وأن يبتعد عن أي قول أو فعل من شأنه التشكيك في حياده، مشيرا إلى أن تبادل القاضي لاتصالات مكثفة مع هيأة الدفاع فترة رواج قضايا موكليهم أمامه، دليل على خرقه السافر لقواعد النزاهة والحياد والتجرد الواجب التقيّد بها، وأنه يعد إخلالا بالواجب المهني استيفاء القاضي لمبالغ غير مستحقة إثر إجراء معاينة وتسلمه نصيبه من المصاريف خارج المقتضيات القانونية الواجبة التطبيق. واعتبر القرار في تعليله لقرار الإحالة على التقاعد الحتمي، أنه وإن كان قرار منح السراح المؤقت للمتهمين في حد ذاته لا يمكن أن يكون أساسا للمؤاخذة باعتبار ذلك يدخل في صميم عمل القاضي ويرجع لسلطته التقديرية وقناعته، فإن المجلس ثبت لديه عدم تشبث القاضي المتابع تأديبيا بحياده وتجرده واستقامته عند مشاركته في اتخاذ القرار المذكور، وذلك من خلال حرصه على البت في طلبي السراح المؤقت رغم علمه بأن ملف القضية أسند البت فيه لهيأة أخرى، وفق برنامج يبدأ من الجلسة الموالية لصدور قرار منح السراح موضوع الملف التأديبي، وتحرير محضر للمداولة بين أعضاء الهيأة بشكل استثنائي لم يسبق له إجراؤه طيلة مدة مزاولته للقضاء بتصريحه، والتي تصل إلى أربعين سنة ولا مبرر له لا قانونا ولا واقعا، وأيضا من خلال المكالمات والرسائل النصية التي تبادلها القاضي مع المحامي الذي ينوب عن المتهم، والتي بلغت ما مجموعه 114 مكالمة هاتفية ورسالة نصية خلال الفترة الممتدة من 05/11/2020 إلى غاية 22/12/2020 أي بعد أول جلسة للحكم في القضية. وأكد المجلس أن ما قام به القاضي يشكل خرقا سافرا لقواعد النزاهة والحياد والتجرد الواجب التقيد بها، وهو ما يعد إخلالا خطيرا بالواجبات المهنية المفروضة عليه حماية لحقوق المتقاضين وضمانا للتطبيق العادل للقانون وللمساطر القضائية أثناء ممارسته لمهامه. الإنذار لعدم احترام إجراءات كورونا شكل هذا القرار نموذجا في السلوك الذي يجب أن يتحلى به القاضي في جميع تعاملاته، مستندا في ذلك على القوانين والأعراف المهنية التي تؤكد أن صيغة اليمين التي يؤديها القاضي قبل مزاولة مهامه والمبادئ المتعارف عليها بشأن السلوك القضائي، تعدان أساسا لصفات الوقار والكرامة الواجب عليه الالتزام بها، إذ يلتزم القاضي باحترام القانون على نحو صارم وبإعطاء القدوة في ذلك تجسيدا لصفات الوقار والكرامة وصونا لهيبة منصبه ولصورة القضاء، وأن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يمكنه الركون إلى جميع وسائل الإثبات المقررة قانونا من أجل تكوين قناعته في تحقق المخالفة المهنية من عدمها، ويستقل بتقدير الوقائع المادية والقرائن الموجودة بالملف التأديبي للقاضي المتابع. وأكد القرار أنه بمقتضى المادة 96 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة «يكون كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو بالشرف أو الوقار أو الكرامة، خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية»، وأن ما أفاد به القاضي المتابع عند الاستماع إليه حول المنسوب إليه، بأن زوجته فاجأته بمكالمة تدعوه لحفل غداء أقامته لعائلتها دون علمه في المنتجع السياحي، ومغادرته المكان بمجرد حضور دورية الدرك الملكي ودخولها في خلاف مع صاحب المنتجع لا يستقيم ووثائق الملف التأديبي، إذ ثبت للمجلس أنها ادعاءات تتعارض مع ما تمت معاينته وتوثيقه بتسجيلات صوتا وصورة، وتيقن المجلس منها بأن الأمر ليس مجرد حفل عائلي، وإنما يتعلق بمراسيم حفل مكتملة من جلوس العروسين على أريكة مخصصة لذلك ووجود أفراد يخدمون المدعوين من بينهم نادلان وثلاث نادلات مع تعدد الموائد ووجود جوق موسيقي فضلا عن تصريحات صاحب المنتجع والعاملة لديه محاسبة بأن حضور المعني وزوجته إلى المنتجع كان حوالي الساعة الثانية ظهرا لحفل استمر إلى حين مداهمة رجال السلطة للمكان حوالي العاشرة والنصف ليلا، وهو ما يتنافى وتدابير الحجر الصحي المتخذة على مجموع التراب الوطني للوقاية من داء «كورونا»، مما يعد إخلالا بواجب الوقار والكرامة الذي تفرضه مهنة القضاء على المنتسب إليها، وتعين لذلك مؤاخذته تأديبيا. العزل للانقطاع عن العمل دون مبرر اتخذ المجلس الأعلى للسلطة القضائية في ولايته الأولى، قرارا بالعزل في مواجهة قاض تبين أنه انقطع عن العمل متعمدا ودون مبرر مشروع، ورغم تعذر تبليغه بإنذار لمطالبته باستئناف عمله طبقا للإجراءات القانونية. وقائع القرار ذلك تعود إلى الكتاب الذي توصلت به المفتشية العامة في يوليوز 2016، وتفيد أن القاضي الذي يزاول مهامه بأحد المحاكم الابتدائية، انقطع عن العمل دون مبرر قانوني، وبناء على البحث المنجز من قبل الشرطة القضائية المختصة، أفاد أنه من خلال عملية تنقيط هوية القاضي المعني بالأمر على الناظم الآلي الرابط بمراكز الحدود، تبين أنه غادر التراب الوطني عبر مركز الحدود، ما نجم عنه تعذر تبليغه بإنذار من قبل رئيس المحكمة التي يعمل بها لأجل استئناف العمل، داخل أجل معين. قرار العزل ذلك اتخذ من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية بناء على وثائق الملف وفي غياب القاضي الذي غادر المغرب ساعتها، واعتبر فيه أن انقطاع القاضي عن العمل دون مبرر مشروع، ومغادرته للتراب الوطني إلى وجهة مجهولة، رغم أنه ليس في رخصته الإدارية السنوية التي لا تبتدئ إلا في فاتح غشت 2016 يعد إخلالا بالتزاماته المهنية. العزل للامتناع عن تنفيذ قرار من بين القرارات التي عمد فيها المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى تقويم بعض الاعوجاج في السلوك الذي يفترض أن يتحلى به القاضي، والالتزام بالقرارات التأديبية التي تصدر في حقه، القرار الذي انتهى بعزل قاض تبين أنه ارتكب خطأ جسيما وإخلالا خطيرا بواجب الوقار، من خلال امتناعه عن تنفيذ قرار إيقافه مؤقتا عن العمل واستمراره في ممارسة مهامه رغم ذلك، واعتبر المجلس أنه يعد من الإخلالات المهنية الموجبة للمساءلة التأديبية عدم معاملة القاضي لرؤسائه باحترام وعدم إصدار الأحكام في آجال معقولة وتحريرها والتهاون في الدراسة القبلية للقضايا، وعدم التقيد ببرنامج توزيع الجلسات وبساعة انعقاد الجلسة والإقامة خارج دائرة نفوذ محكمة الاستئناف، التي يعمل بها دون الحصول على ترخيص، وكل سلوك من شأنه تعطيل سير المحكمة والإضرار بحقوق المتقاضين وبأمنهم القضائي. وأحيل القاضي المعزول على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بسبب الإخلال بالواجبات المهنية، والإخلال بواجب الوقار والامتناع عن تنفيذ قرار الإيقاف المؤقت، غير أنه دفع في مواجهة تلك المتابعة بتجريح عشرة أعضاء للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، بعلة حضورهم لحفلين، الأول نظم تكريما لأحد أعضاء المجلس، والثاني نظم من قبل إحدى الجمعيات المهنية احتفاء ببعض القضاة، وأنه حضرت معهم مجموعة من القضاة، من بينهم الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، ورئيس المحكمة الابتدائية واللذان توليا إعداد تقارير في مواجهته بصفتهما رئيساه في العمل، الشيء الذي يجعل ذلك سببا لتجريحهم. وجوابا عن تلك النقطة، أفاد المجلس أن حضور أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية لأنشطة أو حفلات ينظمها زملاؤهم القضاة ليس فيه ما يؤثر على حيادهم وتجردهم وأن المجلس الأعلى للسلطة القضائية مؤسسة دستورية أناط بها الدستور، بصفة أساسية، السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، سيما في ما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، وليس هيأة قضائية يمكن تجريح أحد أو كل أعضائها وتعويضهم عند الاقتضاء، كما هو الشأن بالنسبة للهيآت القضائية بالمحاكم. وأقر المجلس أنه من خلال ما تضمنه ملفه التأديبي، ثبت أن القاضي امتنع عن تنفيذ قرار إيقافه مؤقتا عن العمل واستمر في ممارسة مهامه رغم محاولة كل من رئيس المحكمة الابتدائية ووكيل الملك لديها إقناعه بالتنفيذ، مما استدعى تدخل رجال الدرك قوة عمومية لتنفيذ القرار المذكور بناء على تعليمات الوكيل العام للملك، الأمر الذي لا ينال منه ادعاؤه بأنه لم يتوصل بقرار التوقيف ونفيه أن يكون قد امتنع عن التوصل، إذ تكذبه نسخة قرار، واعتبر القرار أن ما قام به القاضي المتابع يشكل إخلالا خطيرا بواجب الوقار، الذي يفرض على القاضي أن ينأى بتصرفاته عن كل ما من شأنه أن يمس هيبته ووقاره وهيبة المؤسسة القضائية، التي ينتمي إليها. عبد النباوي: تأطير لسلوك القضاة أعلن محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للسلطة القضائية، في وقت سابق أنه تقرر نشر القرارات التأديبية التي يصدرها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، من أجل المساهمة في تأطير سلوك القضاة والتزامهم بالأخلاقيات المهنية، وتنبيههم إلى الإخلالات المهنية، مؤكدا أن نشر قرارات المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المادة التأديبية سيتم عبر الإطار الرقمي المخصص للقضاة بموقع المجلس، وهو ما سيساهم في تنمية إحساسهم بالمسؤولية المهنية وتنبيههم إلى الالتزامات الأخلاقية، مما سينعكس إيجابا على تطبيقهم لمدونة الأخلاقيات، واحترامهم للالتزامات المهنية، وهي نقطة تدخل في إطار الإستراتيجية التي اعتمدها المجلس، والتي تهدف إلى بلورة التخليق ونهج سياسة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب. واعتبر عبد النباوي غير ما مرة أن المجلس يصبو إلى نشر فعال للأخلاقيات القضائية وتعميمها والتحسيس بها، والمساهمة في تأطير القضاة الملزمين بها، كقناة مفضلة عن الإجراءات التأديبية، مشيرا إلى أن مساهمة القضاة أنفسهم في التخليق تتجاوز مساهمة أي طرف آخر، نظرا لطبيعة مهنتهم التي هي مهنة الأخلاق بامتياز، وسلوك القاضي محكوم بالوازع الأخلاقي قبل الوازع القانوني، كما أن نزاهة القضاء أمر أساسي لسيادة القانون، وترتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم استقلال القضاء.

تأديبات القضاة… إعادة البناء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أمهات يبعن بناتهن لتجار الإباحية

عاصفة مغناطيسية تجتاح الكوكب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات