رئيس ودادية موظفي العدل قال إنه يجب تمكين كتابة الضبط من الاختصاصات التي تشكل عبئا على الهيأة القضائية قال عبد الصادق السعيدي، رئيس ودادية موظفي العدل، إن واقع الحال يتطلب فتح آفاق جديدة لموظفي هيأة كتابة الضبط لتطوير المسار المهني والاستجابة للطموحات المشروعة للأطر الإدارية. وأضاف في حوار مع "الصباح" أن هناك حاجة إلى قضاء مستقل وقادر على مقاربة القضايا والملفات بكثير من الموضوعية والجرأة، مثلما يظل في حاجة موضوعية لشروط وبيئة سليمة مبنية على ممارسة الديمقراطية تجعل من مهمة إنجاز مشروع استقلالية السلطة القضائية مشروعا مجتمعيا. أجرت الحوار: كريمة مصلي مرت أزيد من 11 سنة على إخراج القانون الأساسي لهيأة كتابة الضبط إلى حيز الوجود، هل أثبتت التجربة أنه يتطلب تعديلا؟ عشنا لحظات صعبة قبل 2011 بزمن يسير، هذه اللحظات الصعبة أرخت بظلالها على مسار المفاوضات، لكن رغم ذلك فقد اعتبرنا لحظتها أننا أمام نظام أساسي يجيب عن أوضاع مهنية واجتماعية صعبة ويستجيب بنسبة مهمة لتطلعات هيأتنا إن على المستوى المادي أو المهني. غير أن التحولات المتسارعة التي عرفتها منظومة العدالة بعد دستور 2011 كما البنية البشرية لهيأة كتابة الضبط تشكل اليوم عاملين حاسمين ومفصليين يفرضان ضرورة تعديل النظام الأساسي، بما يتناسب والراهن القطاعي والتحديات المطروحة على هذا الراهن. ماهي ركائز هذا التعديل؟ المتتبع اليوم لعمل كتابة الضبط بالمحاكم سيلاحظ تغييرا جذريا على مستوى مواردها البشرية، سواء على مستوى طبيعة الشهادات الجامعية وتنوعها أو على مستوى التخصصات النوعية التي أصبحت تشكل جزءا لا يتجزأ من عمل كتابة الضبط، خاصة في المجالات التقنية والاجتماعية، ومنحته خصوصية هوياتية تستوجب استثمارها على مستوى كل مشاريع الإصلاح وضمنها النظام الأساسي لهيأة كتابة الضبط، وذلك أن هذه التخصصات، لمساعدين اجتماعيين ومهندسين وتراجمة وتقنيين ومحاسبين ومدققين وإعلاميين، وتخصصات أخرى لم يعد النظام الأساسي بطبيعته الحالية يستوعب خصوصية هويتها المركبة ولكنه غير قادر على إبراز أدوار هذه التخصصات النوعية خدمة للعدالة وتحفيزها على الابتكار وروح المبادرة وإدماج قيم الحداثة على مستوى عمل الإدارة القضائية بشكل عام. هل يعني ذلك البحث عن آفاق جديدة؟ بالفعل إن واقع الحال يتطلب فتح آفاق جديدة لموظفي هيأة كتابة الضبط لتطوير المسار المهني والاستجابة للطموحات المشروعة للأطر الإدارية، خاصة أن أغلب التوظيفات اليوم من الأطر العليا من حملة الإجازة والماستر والدكتوراه، كما أن جسامة المهام والمسؤولية الملقاة على عاتق كتابة الضبط المتعلقة بحضور الجلسات وغير ذلك من مهامها الأصيلة وتطوير الخدمات المقدمة للمرتفقين والمتقاضين والانتقال نحو المحكمة الرقمية، يقتضي تحفيزا ماديا مناسبا يكون محصنا لكتابة الضبط ويتناسب مع ما تشكله هذه الهيأة من أهمية ضمن منظومة العدالة. فضلا عن ذلك لابد أن نستحضر أن مستجدات التنظيم القضائي والفلسفة التي تحكمت في اختيار المشرع لطبيعة هذا التنظيم تفرض بدورها التفكيرفي اختصاصات وأدوار جديدة وربط عملها بمفهوم التحصين. إن الضرورة اليوم قائمة موضوعيا لتعديل النظام الأساسي، بعدما استنفد دوره المرحلي، ونعتقد أن الوقت قد حان بتعديله بالشكل الذي يستحضر طبيعة المرحلة وتحولاتها ذاتيا وموضوعيا. ماهي الإشكالات التي تعترض عمل كتابة الضبط؟ العديد من الإشكالات والعوائق تحول دون المساهمة الفاعلة لكتابة الضبط في تحقيق عدالة ناجعة. من هذه الإشكالات ما أصبح يشكل عائقا ابستمولوجيا يحول دون تطور عمل كتابة الضبط وانعكاس هذا التطور جليا على تنزيل شعار "العدالة في خدمة المواطن"، ذلك أن التراكمات السلبية وما نسجته على مستوى التمثلات وعلى مستوى اللاشعور المهني ما زالت تحول دون اعتراف لهيأة كتابة الضبط بأهميتها داخل منظومة العدالة، حتى بات ضروريا لفهم هذه الظاهرة المهنية العودة إلى علم النفس الإداري. هذه العوائق ساهمت في ترسيخ فكرة نمطية عن كاتب الضبط وفي توريث هذه الفكرة التي يتسرب دوما صداها بقوة على مستوى النظري والعملي لكل مستويات النقاش المرتبطة بمشاريع الإصلاح، كما سمحت ببروز إشكالات جديدة تعترض عمل كتابة الضبط متعددة ومتنوعة، منها ما هو ذو طبيعة هيكلية مرتبط بهيكلة المحاكم وتوزيع العمل بها ومنها ما هو قانوني يتعلق بالقوانين والمساطر التي تحد عمل كتابة الضبط وتساهم بشكل كبير في تهميش الكفاءات التي تزخر بها. دخل، أخيرا، التنظيم القضائي الجديد حيز التنفيذ هل استجاب لتطلعات الموظفين؟ لطالما أكدنا على قناعاتنا الراسخة بأن موضوع التنظيم القضائي هو مجتمعي يهم المواطن أكثر مما يهم المشتغلين بقطاع العدل نفسه. هي قناعة تجعلنا اليوم كما الأمس متخلصين من المنطق الفئوي، بل نعتقد أننا جزء من منظومة غايتها المثلى هي جعل القضاء في خدمة المواطن، من خلال تقديم خدمة مرفقية قضائية متسمة بالجودة و النجاعة و مساهمة في حماية الحقوق وجاذبة للاستثمار، هذه القناعة تجعلنا نبدي هنا ملاحظتين أساسيتين، الأولى مرتبطة بالصيغة الحالية للتنظيم القضائي والتي لا تتلاءم وقرار المحكمة الدستورية الذي لم يعتبر المقتضيات المتعلقة بمنصب الكاتب العام غير دستورية، إذ أن إسقاط منصب الكاتب العام يشكل هدرا للزمن التشريعي والزمن القضائي وزمن الإصلاح، وإخفاقا للمشرع في تقديم نص يساهم في تقديم خدمة مواطناتية، من خلال تبني تدبير عصري للمحاكم يستجيب لتطلعات المواطن وتحديات المحكمة الرقمية، وما تتطلبه من تحديث في البنى التحتية والفوقية للمحاكم، بدل معاكسة توصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، من جهة، وقرار المحكمة الدستورية، من جهة أخرى. أما الملاحظة الثانية، فتهم ما ترتب عن قرار المحكمة الدستورية في شقه المتعلق بكتابة الضبط، خاصة المرتبط بتكريس الطبيعة القضائية لمهام تجعلنا نطمح لتمكين موظفي هيأتنا مما تستحقه من تيسير لولوج المهن القانونية والقضائية، ومن تطوير لمهامهم على مستوى مشروعي قانون المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية، وهو ما يفترض أن يكون تحصيل حاصل. من الإصلاح الكبير إلى الإصلاح الأكبر هل العدالة في المغرب بخير؟ لا بد أن نعترف بأن مجهودا كبيرا أنجز على إصلاح منظومة العدالة، خاصة من جانبه المؤسساتي، وهو ما بات يستوجب منا الانتقال من الإصلاح الكبير إلى الإصلاح الأكبر المرتبط بإصلاح القضاء، مرفقا عموميا، عبر تكريس روابط الثقة بين المكونات والإسهام في التأسيس المؤسساتي للاعتراف الداخلي في سياقنا المهني، ما يقوي تضامن المكونات وتعاونها وتقاسمها أعباء الإصلاح وبالاهتمام بالعنصر البشري تكوينا وتخليقا وتحفيزا، وهو ما يشكل مفتاح نجاح هذا الورش. إن الانكباب على موضوع إصلاح العدالة، مرفقا اجتماعيا، يطرح موضوع الارتقاء بالإدارة لتسهم في تمكين المواطن من قضاء مصالحه في أحسن الظروف والآجال عبر تبسيط المساطر وتجويد الخدمات وتسهيل ولوج المرتفقين والمتقاضين وتسريع وتيرة معالجة الملفات وتنفيذ الأحكام. إن اصلاح منظومة العدالة على هذا المستوى يتحقق بإعمال ذكائنا الجماعي وانفتاحنا على تجارب المقارنة لتجاوز معضلة هدر الزمن القضائي، والسعي نحو اشتراك كل المكونات في التعبئة الفعلية لإعادة النظر في نمط تسيير الإدارة القضائية وفي اختصاصات مكوناتها، وفق المتطلبات الجدية التي تمكنها من الانفتاح على محيطها الاقتصادي والاجتماعي. سلاسة العمل داخل المحاكم اليوم أمامنا جميعا فرصة تاريخية لرفع كل هذه التحديات وتمكين كتابة الضبط من جميع الوسائل، التي تمكنها من القيام بمهامها لتقدم خدمة قضائية جيدة للمتقاضين والمرتفقين، فالمسؤولية الجسيمة التي تتحملها كتابة الضبط تقتضي وضع تنظيم هيكلي للمحاكم يراعي مختلف الشعب والتخصصات، ويمكن من توزيع عادل ومنتج للأشغال، بما يضمن سلاسة العمل داخل المحاكم ويمنح لموظفي هيأة كتابة الضبط صلاحيات أكبر تساهم في تحديث المرفق القضائي، دون المساس بالمهام القضائية. رفع مستوى الثقة في مرفق العدالة ينبغي أن تجيب القوانين المسطرية عن مجموعة من الإشكالات، التي سبق لنا في ودادية موظفي العدل والنقابة الديمقراطية للعدل أن أثرناها في لقاءات وطنية مع جميع الفاعلين في العدالة، وقدمنا بشأنها مقترحات ستمكن إن تم الأخذ بها من تفادي هدر الزمن القضائي، ومن تمكين المواطن من حكم داخل أجل معقول، ومن رفع مستوى الثقة في مرفق العدالة، من خلال تمكين كتابة الضبط من مجموعة من الاختصاصات، التي تشكل اليوم عبئا على الهيأة القضائية وتكلف زمنا غير يسير داخل المسار، الذي تقطعه القضايا داخل المحكمة. فالقيام بهذه الإصلاحات سيمكن هيأة كتابة الضبط من القيام بدورها الأساسي، المتمثل في إعداد القضايا للبت فيها، من قبل القضاء وربح استثمار طاقات بشرية مهمة ستساهم في الرفع من جودة و أداء المحاكم، فضلا عن الإشكالات الميدانية المرتبطة بالحماية خلال ممارسة مهام التبليغ و التنفيذ والإشكالات اللوجيستيكية والمادية، المرتبطة بتصريف الأشغال بالمحاكم والمديريات الفرعية و مراكز الحفظ، في ظل النقص المهول للموارد البشرية. استقلالية السلطة القضائية مشروع مجتمعي بعيدا عن كتابة الضبط وقريبا من السلطة القضائية، هل هذا الاستقلال مورس بالشكل الصحيح؟ بذلت الدولة إلى جانب الفاعلين في الحقل القضائي مجهودا كبيرا لإصلاح القضاء وتعزيز الاستقلالية، باعتباره يمثل دعامة أساسية لحماية الديمقراطية وفرض سيادة القانون وإعطاء بعد قوي للمؤسسات. إن هذه العلاقة الجدلية والقوية بين إصلاح القضاء واستقلالية سلطته وبين ممارسة الديمقراطية التي تظل في أمس الحاجة إلى قضاء مستقل وقادر على مقاربة القضايا والملفات بكثير من الموضوعية والجرأة، مثلما يظل القضاء في حاجة موضوعية لشروط وبيئة سليمة مبنية على ممارسة الديمقراطية، تجعل من مهمة إنجاز مشروع استقلالية السلطة القضائية مشروعا مجتمعيا مرتبطا بقدرتنا الجماعية وبذكائنا الجماعي في تنزيل مفهوم التعاون بين السلط وتعزيزه بآليات تكرس هذا التعاون وتؤسس لممارسات فضلى على مستوى البنيات الهيكلية أفقيا وعموديا. يقول البعض إن ما تعانيه العدالة هو نتاج سوء فهم مكوناتها، كيف تفسرون ذلك؟ بالفعل مكونات العدالة في أمس الحاجة لفضاء للتواصل والتشاور والحوار والتنسيق وتبادل الخبرات والمعارف، وإلى إطار لحل المشاكل الطارئة ومواجهة إكراهات العمل اليومي والمشترك داخل منظومة العدالة. إطار مهني يساهم في تجاوز كل أشكال سوء الفهم، من خلال تكريس الوعي بالاعتراف المتبادل ويؤسس لميثاق مشترك للمهن القضائية، يطلق دينامية تمكن جل الفاعلين المهنيين "قضاة ومحامين، وكتاب ضبط وموظفين وعدولا وخبراء ..." من المساهمة إلى جانب السلطة المكلفة بالعدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، في توطيد أسس عدالة قوية ومستقلة وناجعة ومنفتحة على الدمقرطة والتحديث. في سطور < من مواليد 13 غشت 1967 بزاوية بن احميدة إقليم الصويرة < تابع تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي بأسفي < انخرط بأسفي في سن مبكرة في العمل الجمعوي بدار الشباب الحي العمالي < تابع دراسته الجامعية شعبة الفلسفة تخصص السوسيولوجيا بالرباط < شغل مسؤولية الكاتب العام للنقابة الديمقراطية للعدل من 2004 إلى 2017 < رئيس لجنة الجهوية المتقدمة والتنمية الترابية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي < رئيس ودادية موظفي العدل