مستشفى ابن امسيك…”عمارة” صحية بلا بواب

المؤسسة التي لم يمر على تدشينها سوى خمس سنوات تحولت إلى أطلال وغياب الإدارة يفاقم الوضع هل تخطط وزارة الصحة ومديريتها الجهوية للتشطيب على المستشفى الإقليمي ابن امسيك من خارطة المؤسسات الصحية بالدار البيضاء؟ وهل "يعلم" الوردي، أصلا، بوجود مستشفى بهذا الاسم، بعد أن تحول إلى أطلال ونموذج لسوء التسيير الإداري، ولم يمر على تدشينه سوى خمس سنوات من قبل جلالة الملك؟ ثم هل كان من المفروض، في البدء والمنتهى، أن تغامر الدولة ببناء مؤسسة صحية كلفت 26 مليون درهم، ثم تضعها على مقصلة الإعدام؟ إنها بعض الأسئلة التي تضطر إلى تدوينها في مفكرتك، وأن تهم بمغادرة مؤسسة صحية، أقل ما يقال عنها، إنها توجد في المكان والزمان الخاطئين، رغم المجهودات التي يحاول أن يبذلها طاقم طبي وتمريضي وإداري ينحت من أعصابه، على مدار الساعة، من أجل تلبية طلبات متزايدة لمرضى معوزين لا يجدون بديلا عن "سبيطار المخزن"، وتوفير خدمات يعرفون أنها منذورة للترقيع والعبث من البدء إلى المنتهى. 26 مليونا في مهب الريححين دشن الملك محمد السادس، يوم السبت 5 شتنبر 2009، المستشفى الإقليمي ابن امسيك باستثمارات مالية بلغت 26 مليون درهم، كان الهدف، فعلا، تقريب الخدمات الاستشفائية من مئات الآلاف من سكان هذه المنطقة الذين كانوا "يحركون" إلى مقاطعات أخرى لطلب العلاج، وكذا توفير خدمات صحية متوازنة وتوزيع أمثل للموارد الصحية، لكن هذا الهدف سرعان ما تبخر في الشهور الأولى من افتتاح هذه المؤسسة وانطلاق العمل، بعد أن لاحقتها، منذ البداية، "إشاعة"، نفتها وزير الصحة السابقة نفسها، روجت أن عددا من التجهيزات والمعدات الطبية التي عرضت أمام الملك أثناء زيارته، سرعان ما عادت إلى مكانها، بعد انطفاء الأضواء وانسحاب كاميرات دار البريهي.الإشاعة التي تصدت لها الوزارة بحزم كبير سرعان ما ولدت "حقائق" أخرى لم يحاول أحد تكذيبها منذ ذلك الحين، ومنها ان الأطر الطبية والتمريضية والتقنية اكتشفت، مباشرة بعد التحاقها، أنها مجبرة على العمل في مؤسسة أشبه بـ"عمارة" سكنية قائمة على تراتبية "الطبقات" الاسمنتية، وليس مؤسسة بمواصفات شكلية خاصة بتقديم خدمات طبية، تتطلب حدا أدنى من البناء الهندسي الذي يراعي خصوصيات المصالح الطبية وطبيعة التخصصات والقاعات التي تتطلب بنيات معمارية خاصة، كما لم يراع نوعية التجهيزات والمعدات التي تتطلب ولوجيات خاصة بها، وكذا طبيعة زبناء المؤسسة (مرضى وأسرهم) الذين من المفروض أن يوفر المستشفى وسائل الراحة، أو هكذا يبدو على المستوى النظري على الأقل.إن هذه "العبقرية" الهندسية التي لا تفرق بين مؤسسة صحية، وبين إقامة سكنية وجدت من يسندها على مستوى الواقع، حين تقرر بناء مستشفى إقليمي وسط حي شعبي يعج بالمارة ووسائل النقل الخاصة والعمومية، ولا تبعد إلا بأمتار عن سوق عشوائي للخضر والبضائع، حيث يختلط صياح الباعة المتجولين، ضجيج السيارات والشاحنات والحافلات، وكثيرا ما يضطر الأطباء والممرضون إلى إغلاق نوافذ هذه "العمارة" الصحية على امتداد ساعات النهار، للحد من منسوب الضجيج اليومي ومنع وصوله إلى المرضى، وبعضهم غادر للتو غرفة العمليات، دون الحديث عن الاعتداءات الجسدية والنفسية التي يتعرض له العاملون، في غياب حراسة قارة وناجعة للمؤسسة. الخل والخميرة الحامضةبعض العاملين في المستشفى، ممن استمعت إليهم "الصباح"، عقدوا نوعا من التعايش والألفة مع هذا الوضع غير الطبيعي، بعد أن بحت حناجرهم وارتطمت احتجاجاتهم وشكاياتهم إلى المسؤولين المحليين والجهويين والمركزيين بالفراغ والصمت القاتل، لكن في الوقت نفسه لا يقبلون أن يضاف "خل" وجود مؤسستهم وسط سوق عشوائي، على "خميرة" فراغ إداري قاتل، ويصبحون يوميا على "حموضة" تعافها الحواس.فما الذي يجري بالضبط، حتى تستعير أطر بالمستشفى هذا القاموس "المخلل" للتعبير عن غضبهم؟بعض العاملين يجيبون على السؤال بجملة في ثلاث كلمات "سوء التدبير الإداري"، لكن آخرين يربطون بين ما يجري، اليوم، بمستشفى ابن امسيك، وبين سياسة بلا بوصلة لتسيير قطاع الصحة بجهة الدار البيضاء الكبرى ككل.وفي كلتا الحالتين، يعد التدبير الإداري بالمستشفى النقطة التي أفاضت صدور عدد من أطره، واضطرتهم إلى الخروج للعلن للتعبير عن امتعاضهم مما يعتبرونه "حالة خاصة" بقطاع الصحة بالدار البيضاء، إذ توجد مؤسسة صحية إقليمية دون إدارة تقريبا منذ تأسيسها 2009.التصريحات التي استقتها "الصباح" من أكثر من مصدر أجمعت على غياب شبه مطلق للمدير، و"تعففه" من تحمل مسؤولية الإدارة التي يلقي بثقلها تارة على كاهل مندوبة الصحة بابن امسيك، وتارات أخرى على عاتق الحارس العام الذي يقضي سواد يومه في إيجاد الحلول المؤقتة لعدد من المشاكل، سواء في علاقته مع الأطباء والممرضين والتقنيين، أو المشاكل التي يطرحها المرضى وأسرهم. تدبير من مكتب "السيارة" من الاختلالات أيضا الغياب المستمر للمدير الذي يلقي بمهامه الأصلية إلى إداريين، والمندوبة الإقليمية التي تتدخل، في كل مرة، لحل بعض المشاكل العالقة، بل إن المدير، حسب المصدر نفسه، لا يبرح سيارته بمرآب المستشفى، مخافة الاصطدام مع العاملين والمواطنين، "وحتى حين يحضر المدير إلى بعض الاجتماعات القليلة مع العالمين، فإن عددا من القرارات والالتزامات تظل حبرا على ورق، بل وتخضع إلى التنكر بمجرد انتهاء الاجتماع"، تضيف الممرضة نفسها.هذا الوضع الإداري غير الطبيعي يفتح المجال للجميع من أجل التدخل وفرض وصايته ورؤيته على المصالح الصحية، كما يسمح باتساع الفراغ الذي يملأ في بعض الأحيان بقرارات ارتجالية تضر المؤسسة أكثر مما تنفعها وتزيد من تذمر الموظفين وتؤثر بالتالي على وتيرة العمل وجودة الخدمات.إن ترك الحبل على الغارب في مجال التدبير الإداري، كان من الطبيعي أيضا أن يلقي بظلاله على وضعية المؤسسة التي تعرضت مرافقها وقاعاتها وأجهزتها ومصالحها إلى إهمال كبير، تؤكده عدد من الصور التي توصلت بها "الصباح"، علما أن مؤسسة لم يمر على تأسيسها سوى 5 سنوات، "انقرضت" جميع مراحيضها، حيث يضطر بعض العاملين إلى الازدحام على مرحاض يتيم، وبعضهم يفضل الذهاب إلى المقاهي المجاورة، إن وجد وسيلة للنزول من أحد الطوابق العلوية، لوجود المصعد في حالة عطب مزمن.ووصلت سقوف وجدران المستشفى إلى حالات متقدمة من التدهور، إذ يرفع المرضى والطاقم الطبي أعينهم إلى سقوق متشققة شارفت على السقوط، بسبب تسرب مياه الأمطار، كما أن غياب أشغال الصباغة، حول الجدران الداخلية إلى لوحات "سوريالية" من كثرة البقع والخطوط والتصدعات التي لحقتها، دون الحديث عن وضعية الأسرة والأفرشة وباقي التجهيزات الخاصة بغرف النوم والاستيقاظ.التدهور نفسه تعرفه المعدات والأجهزة الطبية التي تتعرض للتآكل في غياب الصيانة، وعدم التفكير في برمجة اعتمادات خاصة بتجديدها، خصوصا المعدات كثيرة الاستعمال، مثل جهاز الفحص بالصدى وجهاز التعقيم، علما أن عددا من المصالح الاستشفائية توجد في حالة عطالة، مثل مصلحة طب الأطفال، والطب الباطني وجناح ما بعد الولادة، في وقت تتركز جميع الأنشطة الطبية، تقريبا، في مصلحة الجراحة بالطابق الأول، مثل النوم والتوليد والعمليات الجراحية.ويذكر أن المستشفى الإقليمي ابن امسيك يعد ثمرة شراكة بين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (400 ألف درهم) ووزارة الصحة (خمسة ملايين درهم) ومؤسسة الجامعي للأعمال الاجتماعية (15 مليونا و600 ألف درهم) ومجلس عمالة الدار البيضاء (2.5 مليون درهم) ومجلس الجهة (2.5 مليون درهم). وقامت وزارة الصحة بتجهيز هذا المستشفى الاقليمي بتجهيزات مهمة، كما زودته بأطر طبية وشبه طبية وإدارية. موظفون غاضبون قالت ممرضة، رفضت الكشف عن اسمها، إن النقص الحاد في الموارد البشرية (20 طبيبا مختصا- 20 ممرضا متعدد الاختصاصات- 6 تقنيي أشعة- 7 ممرضين في التخدير)، يضيف أعباء ثقيلة وضغطا يوميا على العاملين بالمستشفى الذين يصابون بالإرهاق، ويستمرون في العمل في ظروف غير مساعدة لتحقيق مردودية مستحقة لمؤسستهم، إذ تتجاوز عمليات الولادة وحدها سنويا 4400 ولادة.ورغم ذلك، لا يوجد في الطرف الآخر من ينتبه إلى ضرورة وجود إدارة نشيطة وفعالة تذلل بعض الصعاب ومستعدة لحل المشاكل الطارئة التي يطرحها النقص في الموارد البشرية وضعف إمكانيات العمل وعدم كفاية البنيات التحتية، بل عدم ملاءمتها، هندسيا، للحاجيات الطبية.وعزت الممرضة هذه الوضعية إلى غياب هندسة إدارية للمستشفى تراعي مقتضيات القانون الداخلي، ومن ذلك تشكيل هيأة التدبير برئاسة المندوبة والمدير والأقطاب الطبية، وهيأة للمؤسسة التي تعتبر بمثابة برلمان للمستشفى بتمثيلية وازنة لممثلي المهنيين، ويعهد إليها بالتشاور في عدد من القرارات والإجراءات الأساسية الخاصة بالمؤسسة، كما تغيب عنها أيضا هيأة للتقييم والمراقبة، مهمتها تتبع تطور المشاريع والإجراءات وتقويمها ومراقبة تنفيذها، وفق مبدأ المسؤولية والمحاسبة.إن غياب هيكلة إدارية للمستشفى، حسب المصدر نفسه، كان من الطبيعي أن يسقطه في عدد من الاختلالات الإدارية التي تؤثر على سير العمل وتعطل برامج تقديم الخدمات الطبية للمواطنين وتيسير ولوجهم إلى العلاجات الضرورية، حسب ما جاء في عريضة التدشين سنة 2009.

مستشفى ابن امسيك…”عمارة” صحية بلا بواب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

انتعـاش أنشطـة سـوق الإشهار

أمن البيضاء يشن حربا على العصابات وتجار المخدرات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات