fbpx
مقالات الرأي

تَنَكُّر الإسبان للجميل… وخنوع أحزابنا… إلى متى؟!

لن نغالي إذا قلنا وأعَدنا القول إن للمغرب أياديً بيضاءَ على إسبانيا لا يجرؤ على نُكرانها إلا الجاهلون منهم والجاحدون.
بيد أن الدافع الأرجح إلى الاسترسال في هذا التنكّر
إنما هو مغربي بالأساس، ولا أعني هنا الدولة المغربية بالمفهوم القانوني للدولة، بقدر ما أعني بعض مؤسساتها السياسية ممثّلةً خصوصاً في الأحزاب، التي تَوافَقَ الشارع المغربي على وصفها بالدكاكين الانتخابية، وما كان الشارع المغربي بالمُغالي في هذا الوصف/الوصمة، ما دامت الأحزاب، ولا نستثني منها أحداً، تسقط في غيبوبة بين كل استحقاق انتخابي وآخر، وحتى عندما يحل أحد الاستحقاقات فإن ما يَنْدَى عنها لا يختلف عن جذبات المصابين بالصرع لأنها تدوس على كل المبادئ والقيم من أجل مقاعد يُثبت الواقع في كل فترة تشريعية أنها تشبه مقاعد المكسّحين والمعاقين بدنيا وذهنيا… بينما الوطن يسير خارج وعي الأحزاب وبرلمانييها وممثليها بسرعة وطموح يشهد عليهما الأعداء قبل الأصدقاء !!
هل فقدت الأحزاب في بلادنا بوصلتها؟ أيْ نعم.
هل فقدت قادةً يقام لهم ويُقعَد على غرار زعماء ودّعناهم إلى دار البقاء بكل الحزن والأسف الممكنًيْن والمُتاحَيْن؟ أيْ نعم.
هل سقطت السياسة في وطننا تبعاً لذلك إلى الدرك الأسفل؟ أيْ نعم.. بل ماتت السياسة، ولم نعد نرى مشاتل قادرة على بعث بعض الأمل في فضاء سياسي استحوذت عليه المترديةُ والنطيحةُ وما أكل السَّبُع.
بالمناسبة، ما الذي جعلنا نذكر أحزابنا بكل هذه السوداوية؟
آه… لقد ذكرناها في معرض الحديث عن تنكّر الإسبان وخاصة أقزامهم السياسية المعارِضة للتضحيات التي ما فتئ المغرب يقدمها في سبيل أن تنام الحكومة والشعب الإسبانيان مرتاحَيْ البال… لكن ما هي مناسبة الخوض في هذا الغِمار… والآن بالذات؟

قبل ساعات معدودة، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهَشيم فيديوهات مُقرفة وباعثة في الآن نفسه على الحرن والاشمئزاز، يبدو فيها مئات من المهاجرين الأفارقة مسلحين بالسلاسل والهراوات يحاولون أن يتخطوا عنوة السياج الحديدي الفاصل بين الترابين المغربي والإسباني أمام ذهولٍ ورعبٍ هَيْمنا على عناصر الأمن الإيبيري، الذين بَدَوْا مستسلمين مُسْبَقاً لمصير دموي كان على قاب قوسين أو أدنى من فلولهم المرتبكة أشدَّ ما يكون الارتباك.
وكما هي العادة، تصدت قوات الأمن المغربية للهجوم الهمجي بكل الاحترافية المشهود بها لعناصرها، لتنتهي المواجهة دون المساس بالتراب الإسباني بقيد شعرة، ولكن بسقوط جرحى بين الفصيليْن الإفريقي والمغربي، قيل إن عددهم تجاوز المائة نفرٍ من كل من الجانبين.
لِنُعِدْ قراءة هذا المشهد:
يُشَن هجوم كاسح من لدن مهاجرين شرسين متعصّبين عاقدين العزم على تخطي الحدود المغربية الإسبانية بكل القوة الممكنة…
تتصدى قوات الأمن المغربي لهذه المحاولة فتُفشِلُها، كما فعلت في كل مرة، ويسقط ضحايا من الطرفين المتواجهين، ويبقى عناصر الأمن الإسباني، ككل مرة كذلك، فاغرين أفواههم، مبحلقين في الفراغ والرعب يعقد ألسنتهم ويشل حركاتهم، ويُضيع عليهم متعة الفُرجة لأنهم يتوقّعون في كل ومضة أن تصل إليهم سلاسل المهاجمين وهراواتهم، ثم تنتهي الحًدّوثة بتوزيع الجرحى على مستشفيات ومستوصفات المنطقة، وبعودة عناصر شرطة الحدود الإسبانية إلى حياتها العادية وكأنّ شيئا لم يُكُن !!!
الحال أن هذا المشهد يتكرر بين الحين والآخر، وكما هي العادة، تنطلق ألسنة الأحزاب الإسبانية المعارضة والآكلة من فتات الغاز الجزائري مشحوذةً كشفرات الحلاقة، محتجةً على التقارب الإسباني المغربي، وداعية بلا حياء إلى توجيه طعنات غادرة إلى ظهر الجار المغربي، بالرغم من كل ما تشاهده بين كل حين وآخر من تضحيات وازنة يقدمها المغاربة من أجل سواد عيون إسبانيا، ومن أجل أن تنام مِلءَ جفونها نفس العناصر المناوئة لمصالح هذا البلد المضحي في سبيل الهناء الإسباني.
حسناً.. فما دخل الأحزاب المغربية (حاشاكم) في هذه المعمعة؟
أمَا كان من أوجب الواجبات على هذه الأحزاب، ما دام الضرر قادما من نظيرتها الإيبيرية، أن تَنْبَرِيَ لمبادلتها ذلك النوع من الغَزَل الأسود؟
أما كان عليها، في موقف كهذا الذي توثقه الفيديوهات السالف ذكرها أعلاه، أن تُوفِد نوابا أو مستشارين إلى البرلمان الإسباني لتقديم الأدلة الدامغة على انغماس المغرب عن طيب خاطر في مهمة الدفاع عن سلامة إسبانيا، وتقديم جرد بالخسائر التي يتكبدها المغرب دفاعا عن ترابها الذي هو ترابٌ مغتصَب مِنا وجزءٌ لا يتجزأ من كياننا الوطني؟
أما كان على قادة هذه الأحزاب أن يشدّوا الرحال إلى إسبانيا لا ليقضوا عُطَلَهم ولياليهم الحمراء ولكن لإفهام قادة المعارضة الإسبان بأن لكل شيء في معجم المصالح المتبادلة ثمناُ لا بد من تسديده، وأن الثمن المطلوب منهم دفعه إنما هو “طَمّ” أفواههم الكريهة وكبح ألسنتهم السليطة عن المساس بوحدتنا الترابية مقابل سَهَرنا للذود عن ترابهم ليل نهار؟
وفي حالة عدم استجابة قادة المعارضة الإسبان لهذه الدعوة المشروعة، أما كان على أحزابنا أن تقيم الدنيا ولا تقعدها للمطالبة باسترجاع كافة أقاليمنا المستعمرة إسبانياً، في الشَمال والغرب والجنوب، بلا أدنى استثناء ولا تأخير… لأن السيل بلغ الزُّبى، ولأن الصبر عيلَ، ولأنه لم يعد في معاجم المصالح المتبادلة بين الدول التي تحترم نفسها ما يبرر هذا التسامح الزائد والمفرط تجاه جار أفرط في عنجهيته واستعلائه الفارغين من كل قيمة أو محتوى؟؟؟
هل ضعفت أحزابنا وهانت إلى هذا الحد الذي يحعلنا نفكر في إزالتها من لائحة المكوّنات، الدستورية لمملكتنا التي تجدّرت جذورُها في أرض التاريخ بلا أحزاب ولا هم يحزنون؟…
ذاك هو السؤال!!!

 

محمد عزيز الوكيلي (أستاذ باحث في علوم التربية)


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى