أبو حفص: قيم الحرية والمساواة أولوية

أبو حفص قال إن الإصلاح من خارج الدين فاشل ودعا إلى مصالحة الهوية الدينية مع الواقع اعتبر محمد عبد الوهاب رفيقي، أن عملية التغيير من خارج الدين مشروع فاشل لأن الهوية الدينية متجذرة في الشعوب المسلمة. وقال الشيخ، الذي طلّق السلفية بالثلاث، في حوار مع «الصباح»، إن المراجعة الفكرية التي قام بها جاءت بعد مجهود فكري ونفسي كبير، نافيا أن يكون للدولة دخل فيها، ومعتبرا أن أغلب الأفكار التنويرية التي يدعو إليها لا تجد صدى لدى الدولة. في ما يلي تفاصيل الحوار: أجرت الحوار: نورا الفواري - تصوير: (أحمد جرفي) < تثير مواقفكم حول بعض القضايا الدينية الكبرى، مثل الإرث، جدلا كبيرا. لكن هناك من يعتبر أن النقاش فيها ليس أولوية بالنسبة إلى المجتمع، وأن الأهم هو مناقشة قضايا التعليم والصحة ومحاربة الفساد. ما رأيكم في ذلك؟ < إن من يتبنون هذا الطرح ينظرون إلى هذه القضايا بشكل جزئي. قضايا الإرث والحريات الفردية وغيرها ليست قضايا مقصودة لذاتها، بل هي متعلقة بقضية أعظم وقيم أكبر مثل الحرية والمساواة والعدالة. وهي قيم لا يمكن لأحد أن يقول إنها غير أولوية، بل هي أساس النهضة في جميع المجالات. وحين نجد أن الدين هو الذي يقف عائقا أمام تفعيل وتطوير هذه القيم، من الطبيعي أن نتحدث عن مشاريع الإصلاح الديني، لأنها هي التي تفتح الباب لإشاعة هذه القيم وتنزيلها. < جميع محاولات الإصلاح السابقة باءت بالفشل وتعرض أصحابها إلى التكفير والتعنيف والقتل، مما جعل العديدين يتحدثون عن استحالة الإصلاح الديني، خاصة أن النصوص صريحة وواضحة ولا تحتاج إلى إعادة قراءة. كيف ترد؟ < لست متفقا مع هذا الرأي. النصوص في المسيحية أيضا كانت واضحة وصريحة وتشكل إشكالا بالنسبة إلى المجتمع. وكانت الكنيسة تعتمد عليها لعرقلة أي تطور، ومع ذلك تمت عملية الإصلاح. إن أكبر عامل ساهم في إنجاح النهضة الأوربية والثورة الفكرية هي عملية الإصلاح الديني التي تمت داخل الكنيسة. ولولا ذلك، ما كان للنهضة الأوربية أن تنجح فقط اعتمادا على آراء الفلاسفة والكتاب والشعراء والمنظرين للثورة. من جهة أخرى، عملية التغيير من خارج الدين هي أيضا مشروع فاشل تمت المحاولة فيه أكثر من مرة ولم ينجح لسبب واضح، هو أن الهوية الدينية متجذرة في الشعوب المسلمة، وبالتالي فأي محاولة للإصلاح خارج الدين ستبوء بالفشل. ورغم أن العملية فشلت مرارا وتكرارا لأسباب سياسية، ولكن ليس هناك من طريق أو حل إلا محاولة المصالحة بين هوية الناس الدينية والواقع الذي يعيشونه وبين كل ما يتطلبه العصر ومقتضياته. فإما أن نقدم للناس هوية دينية منفتحة غير متعصبة متصالحة مع العصر، وإما أن نغرق في مزيد من التشدد والتطرف. < وما رأيكم في الطرح الذي يدعو إلى التدرج لأن بعض المواقف التى تعبرون عنها تكون صادمة للمجتمع وبالتالي فهو لا يتقبلها؟ لا أختلف معه. لكن الإشكال هو أن نبقى حبيسي التدرج والخوف من رد الفعل، فلا نفعل شيئا. رغم ما نراه من ردود أفعال سلبية اليوم، أرى أن الوقت مناسب جدا، لأن الانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي والتلاقح مع ثقافات أخرى سهّل هذه العملية. هناك ردود أفعال جيدة كثيرة، كما أن هناك تجاوبا من قبل عدد من الأشخاص الباحثين عن الوصفة التي تخلط بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على الواقع والتصالح مع الآخر. وأرى أن مجرد تحريك المياه الآسنة وإثارة مثل هذه القضايا وخلق ردود الأفعال بما فيها السلبية والسيئة، شيئ إيجابي وأفضل بكثير من أن ندع عملية تزييف الوعي، التي وقعت لقرون طويلة، مستمرة. < البعض لا يقاسمكم هذه النظرة التفاؤلية، ويقول بصعوبة التغيير بدون إرادة الدولة، التي ليس في صالحها أن تتغير الأمور وتخرج عن سيطرتها. ما قولك؟ < مما لا شك فيه أنه لإنجاح مثل هذه المشاريع يحتاج الأمر إلى إرادة سياسية. ولكن، بالمقابل، من الذي سيدفع الدولة إلى تغيير إستراتيجيتها في هذا الباب؟ إنها النخبة التي كانت أساس التغيير دائما عبر التاريخ. لسنا محتاجين لأن يتجاوب المجتمع بكل أطيافه وفئاته مع هذه القضايا. هناك اليوم عدة معطيات تشجع الدولة على المضي في هذا الموضوع، مثل العلاقات مع الخارج وصورة حقوق الإنسان... المغرب يعاني أيضا التطرف والإرهاب. ولا يمكن الاكتفاء بالمقاربة الأمنية لمعالجة الظاهرة، بل إن مقاربة الإصلاح الديني ضرورية أيضا. هناك مؤشرات كثيرة تبعث على الارتياح والتفاؤل. أفكار التنوير لا صدى لها لدى الدولة < كيف ترد على من يتهمك بأنك تحاول التقرب من المؤسسات الرسمية في الدولة من خلال مواقفك، ولا يثق في المراجعة الفكرية التي قمت بها، ويجد أنها كانت وسيلة فقط من أجل الخروج من السجن؟ < بلغت هذه القناعات التي أنا عليها اليوم بعد محنة. قضيت سنوات عديدة وحدي بعيدا عن كل تأثير، لا شغل لي سوى القراءة والمطالعة. التغيير الذاتي الذي قمت به لفكر نشأت في بيئته، استلزم مني جهدا كبيرا على جميع المستويات. السؤال الذي أطرحه على أصحاب هذا الاتهام هو هل الدولة تريد فعلا مثل هذه الأفكار التي أعبّر عنها؟ إن الأفكار التنويرية غالبا ما لا تجد صدى لها عند الدولة. والمؤسسات الدينية التقليدية هي ضد هذه المواقف التي أعبّر عنها، وهي أحد العراقيل أمامها. أما بالنسبة إلى المراجعة الفكرية في السجن، فلا أظن الدولة يعنيها أن تذهب بفكرك بعيدا أو تطرح أفكارا صادمة للمجتمع. بل كل ما يعنيها هو هل أنت مع النظام أم لست معه؟ وهل أنت مع العنف والتكفير؟ أم ضده؟ تأثرت بسبينوزا وجورجي زيدان < ما هي الكتب التي قرأتها في السجن وأثرت في أفكارك؟ <"سير أعلام النبلاء" هو كتاب غيّر حياتي. إنه كتاب تراثي يتضمن تراجم الشخصيات الإسلامية منذ بزوغ الإسلام إلى القرن الثامن الهجري. وهو كتاب من داخل المنظومة السلفية. اطلعت على بعض ما فيه، لكن لم يتسن لي الاطلاع عليه بشكل شامل إلا وأنا في السجن. إنه مكوّن من 34 مجلدا قرأتها كاملة لأكتشف أن هناك صفحات كثيرة في التاريخ الإسلامي غيّبت عنا. اكتشفت أنني خدعت، لأن التيار السلفي أعطاني جزءا فقط منه. قراءة هذا الكتاب جعلتني أشكك في كل ما تلقنته في السابق. تأثرت أيضا بقراءاتي لسبينوزا لأنه يعالج قضايا قريبة من تلك التي كانت تهمني، مثل العلاقة بين اللاهوت وبين الناس وبين الواقع والدين. تأثرت أيضا بكانط الذي تحدث عن الإصلاح الديني. هناك أيضا روايات جورجي زيدان التاريخية، التي كان السلفيون يحرّمونها وكانوا يتهمون الرجل بتزوير التاريخ لأنه مسيحي. الكتاني دفعني إلى المراجعة الفكرية < ألم تكن هناك محاولات منك لإقناع السلفيين المسجونين مثلك بأفكارك التنويرية الجديدة، خاصة صديقك حسن الكتاني أو الشيخ الفيزازي، الذين يتهمونك اليوم بالكفر والزندقة والإلحاد؟ < إن أحد العوامل المؤثرة والداعمة لي في كل مسار المراجعات الذي قمت به، هو حسن الكتاني. وهذه معلومة أكشف عنها لأول مرة. صحيح أن بداية التساؤلات كانت بيني وبين نفسي، لكن بداية النقاش وبداية الإشكالات التي طرحتها على نفسي حول عدد من القضايا، ودافعي إلى مراجعتها وإعادة القراءة فيها هو حسن الكتاني. كان هو السباق إلى طرح بعض الإشكالات التي لم أكن أتقبلها في تلك الفترة، لكني كنت أسجلها في رأسي، والتي كانت تبدو لي غريبة لسبب بسيط، هو أنني نشأت في أسرة سلفية وتربيت تربية سلفية ودرست في جامعة سلفية بالمدينة المنورة، على خلاف الكتاني الذي نشأ في أسرة صوفية وأكمل دراسته في الأردن، الذي كان فيه انفتاح كبير على مستوى الأفكار على خلاف الانغلاق الموجود في السعودية. كنت كلما انتهيت من مجلد ل"سير النبلاء"، أسلّمه مباشرة إلى الكتاني الذي كان يضع تعليقاته عليه. حتى أن النسخة، والتي أحتفظ بها في منزلي، تحمل ردودا على الهوامش ما زالت مكتوبة بالقلم ومناقشات بخصوص بعض الأفكار التي أثارتني وصدمتني. أريد أن أذكّر أيضا أنني وضعت في زنزانة واحدة أنا والكتاني وعمر الحدوشي، مدة سنتين من 2003 إلى 2005، أثيرت خلالها مئات النقاشات، قبل أن تقوم إدارة السجن بتفريقنا بعد الإضراب عن الطعام، فظل هو في سجن عكاشة بالبيضاء، ورحّلت إلى فاس، حيث وضعت في زنزانة انفرادية لمدة 7 سنوات. نقاشاته معي كانت الدافع لي لأبحث أكثر في تلك المواضيع والقضايا وأكوّن فيها قناعات جديدة. في 2008 سألتقي من جديد مع حسن الكتاني في سجن عكاشة أثناء إعادة المحاكمة. كنت متحمسا لألتقيه بعد أن أصبحت شخصا آخر، وبعد أن غيّرت الكثير من الأفكار، لكن الذي حصل هو أنني وجدت أن حسن الكتاني أصبح أسوأ مما كان عليه، وأكثر تشددا في مثل تلك النقاشات. كان لدي أيضا بعض الاحتكاك مع عمر الحدوشي. أما الفيزازي فلا أناقشه بتاتا في الموضوع، لسبب بسيط، هو أنه أصلا غير مختص في الموضوع ولا علاقة له بكل ما يتعلق بالمعرفة الدينية أو التخصص في الدراسات الإسلامية. الرجل كان خطيب جمعة ومعلم لغة فرنسية، وبالتالي كان أبعد ما يكون عن النقاش في هذه المواضيع. وأحيانا، حين كنت أحاول إثارة النقاش معه، كان يرفض الأمر بحجة أنه غير مشتغل بمناقشة هذه الأفكار. والدي غيّر سلوكه معي < هل تقبّل والدك الراحل أفكارك الجديدة وكيف أصبحت علاقتك به بعدها؟ < لم يكن الأمر سهلا بالنسبة إلي في البداية، لأن والدي كان أحد أسباب تنشئتي على التوجه السلفي. كانت تصله من داخل السجن بعض الأخبار عني، وعن أنني غيرت فكري ومواقفي. كان هو في سجن عكاشة وكنت في سجن بوركايز بفاس، فأرسل لي رسالة يستفسر فيها عما يقال ويشاع ويصل إليه من أخباري، فرددت عليه برسالة طويلة جدا مكونة من 40 صفحة تقريبا، أشرح فيها بالتفصيل، أسباب هذه التغيرات، وأشرح فيها كيف أنني، سواء كنت مصيبا أو مخطئا، فهي قناعاتي الخاصة، وأنه هو بنفسه لا يقبل أن أتبنى أفكارا لست مقتنعا بها داخليا. تلك الرسالة كانت نهاية مناقشة والدي لي في هذه المواضيع لأنها كانت مقنعة جدا. وفعلا غيرت سلوك الوالد معي. ورغم أنه لم يكن يتقبل بعض الأفكار، ورغم أن الكثيرين حاولوا الإيقاع بيني وبينه، إلا أن علاقتي به ظلت جيدة إلى آخر يوم في حياته. هو نفسه أغلق باب النقاشات في وجه الجميع منذ خروجه من السجن، خاصة بعد أن مرض وأحس بقرب نهايته. كنت مدمنا على "باري ماتش" < حسب علمي، لم تكن تنشئتك الأولى سلفية، فوالدك كان ممرضا ووالدتك موظفة في شركة الخطوط الملكية المغربية، وأكيد أنك كنت مدلّلا لأنك وحيد والديك. ألم يكن لذلك أثر في تلك المراجعة الفكرية التي قمت بها؟ فعلا تربيتي فيها شيء من التركيب. زرت العديد من بلدان أوربا رفقة والداي في الصغر. والدي كان تقنيا في وزارة الصحة، ووالدتي كانت موظفة ب"لارام"، وكانت تأتي حين عودتها من عملها بالعديد من المجلات السياسية، أو التي تهتم بشؤون المرأة، مثل "فام أكتويال" و"فواسي" و"باري ماتش" و"جون أفريك"، التي كنت مدمنا على قراءتها. كنت مدمنا أيضا على كرة القدم والسينما. ولم يتغير الأمر إلى حين سفري إلى السعودية وعودتي منها شيخا. < كيف كانت علاقتك بوالدتك؟ والدتي كانت تشكل بالنسبة إلي التوازن. وهي من أكثر الناس الذين زرعوا فيّ حب القراءة. أذكر أنني، وأنا في حوالي السادسة من عمري، سافرت والدتي إلى سوريا وأتت لي من هناك بكتاب "كليلة ودمنة" الذي كان نادرا في تلك الفترة. وكانت تحثني على قراءته. والدتي هي التي زرعت فيّ حب مجلة "ماجد"، وهي التي كانت، تمنحني المال من أجل الذهاب إلى السينما، خفية من والدي. < ألم تكن سلفية إذن؟ < لا. كانت زوجة سلفي فقط. ظلت موظفة إلى أن وصلت سن التقاعد. < ألم يكن يخلق ذلك صدامات بينها وبين والدك؟ < لا. لأن والدتي لم تكن تقوم بشيء بطريقة صدامية. كانت تحاول تدبير أمور البيت واستقراره، مع إيجاد فجوات، خاصة بالنسبة إلي أنا ابنها الوحيد. وهذا كان له تأثير كبير على مساري في ما بعد.

أبو حفص: قيم الحرية والمساواة أولوية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إجهاض عملية تهريب 653 كيلوغراما من المخدرات بالكركرات

64 لاعبة في تنس للا مريم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات