ثلاثة أسئلة: مقياس لجس النبض

كيف أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي قوة فاعلة في المجتمع؟ يجب التذكير أن شبكات التواصل الاجتماعي، و"فيسبوك" بالأساس، نتجت عن حاجة ماسة للتواصل الجماهيري. وتعتبر شبكة" الفايسبوك"، الأكثر انتشارا، إذ وصل عدد مستعمليه اليوم 1.71 مليار حسب آخر إحصائيات يونيو الماضي. حدث هذا التطور المذهل بسبب الزواج الرهيب لعالمي الصورة والإنترنت من جهة، وبسبب الاندماج الإستراتيجي في صناعة التواصل بين المعرفة والتكنولوجيا من جهة ثانية، لتكون المحصلة في النهاية هي نوع جديد وغير مسبوق من دمقرطة المعلومة وتداولها. هكذا أصبح من الممكن التعبير عن الرأي علانية وفي تجاوز لأي رقابة قَبْلِيَّة، كما أصبح من المُتاح لعامة الناس دخول "جنة" الحق والاستمتاع باكتشاف حرياتها وهم مسترخون على كراسيهم الوثيرة منها والبائسة. إنه الانتقال غير المُنتظر ولا المسبوق من "مقصورة الرعايا" (في الديكتاتوريات كما في الأنظمة الثيوقراطية منها والرأسمالية المُطّوَّعة إيديولوجيا) إلى "مقصورة المواطنين" المسموعي الصوت والرأي معا. يبقى فقط أن نتساءل عن درجة وأهمية هذا "الواقع الجديد" ومدى التلاعب والتطويع والتوظيف السياسي والاقتصادي والإيديولوجي الممكن لهذه" السلطة الزرقاء" من قبل جماعات الضغط الممسكة بالقرارات الإستراتيجية محليا وعالميا عند حضور أو غياب تمكُّنٍ حقيقي من وعي مدني متقدم لدى عامة الناس وهم وقود ومحرك هذه السلطة الجديدة. هل يمكن القول إن هذه المواقع صارت وسيلة أساسية لنقل النقاش من العالم الافتراضي إلى الواقع والتأثير حتى في القرار السياسي؟ الأمر كذلك بالفعل ما دام من المؤكد اليوم وبالملموس أن مؤسسات الدولة بأجهزتها السياسية والأمنية والإيديولوجية والاقتصادية والمالية والتجارية دخلت العالم الأزرق، وكونت خلايا لاستثمار معطياته وللترويج لاختياراتها وقراراتها وصورتها الشعبية والتسويقية، ولرصد عوامل التطور في الرأي العام ومسايرته أو التأثير عليه نحو ما يخدمه ومصالحها. فبالقدر الذي يمكن به القول إن عالم شبكات التواصل الاجتماعي غدا فتيلا يُمَكِّنُ من إشعال لهيبِ الاعتراض والاحتجاجات والمطالب، بل وحتى الإدانة والشجب والتحذير الجماهيري على واجهته، بقدر ما غدا هذا الفضاء التواصلي الجماهيري الإلكتروني ساحة "آغورا" (الساحات اليونانية القديمة حيث ظهر النقاش العلني للشأن العمومي وللقناعات السائدة في حرية ودون خوف)، إذ يمكن للدولة توقع ما سيحدث بل وتوجيهه بإطلاق اختبارات إخبارية تؤثر على توجه الرأي العام بل وتجره لمواضيع دون أخرى وتلهيه عن أخرى. إن الأمر صار مثل لعبة "طوم وجيري"، توازناتها رهينة بسياقات وأدوات سلطوية حقيقية وبحذق وذكاء "المرشدين والقادة"، أقصد قادة اللعبة التواصلية الجماهيرية. هل تدل قوة هذه المواقع على فراغ في بعض المؤسسات التأطيرية مثل الأحزاب والجمعيات؟ لا شك في أن درجة تفشي الجهل وتخلف التربية والأمية وعقم التعليم تؤثر على الوعي السياسي ليس لدى الجماهير الغفيرة المستعملة لشبكات التواصل الاجتماعي بل ولدى الطبقات السياسية، ومنها الأحزاب أساسا، ومما لا نقاش فيه أن الوعي والسلوك السياسي الحزبي بالمغرب نموذج في قصور واضح في التعامل مع هذه التقنية التواصلية بسبب عدم الملاءمة وعدم مسايرة التحولات السياسية الوطنية منها والإقليمية والعالمية اللهم في ما يتعلق بالخطابات الرنانة والفارغة من أي جانب عملي براغماتي وملموس إجرائيا وعمليا. أجرت الحوار: هجر المغلي ادريس القري باحث وكاتب رأي في التواصل البصري الجماهيري

ثلاثة أسئلة: مقياس لجس النبض

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لقجع يضخ 5 ملايير في مالية الأندية

عملية جراحية لحمد الله

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات