الباحث زيتوني قال إن الحكم الذاتي حل وسطي والقبائل الصحراوية لها امتداد في المغرب صدر أخيرا للباحث والإعلامي المغربي محمد زيتوني كتاب بعنوان "تجارب الحكم الذاتي حول العالم: ما بين نجاح الوحدوية وانتكاسات أطروحات الانفصال" الذي سلط فيه الضوء على مفهوم الحكم الذاتي بدءا من تعريف مبادئه الأساسية، مرورا بتطبيقاته العملية، ووصولا إلى تجارب مختلف الدول التي اعتمدته كآلية فعالة لفض النزاعات الإقليمية، في أوطانها، وتعزيز الهوية الثقافية وتحقيق التنمية والسلم وتعايش مختلف الهويات الثقافية في وطن واحد قوي ومتماسك. في هذا الحوار يناقش محمد زيتوني، الباحث المقيم بفرنسا، مع "الصباح" أهم مضامين الكتاب، الذي أشرف على عملية إعداد نشره الزميل أحمد مدياني مدير نشر "تيل كيل عربي"، على ضوء المستجدات الأخيرة في قضية الوحدة الترابية المغربية. أجرى الحوار: عزيز المجدوب ما هي الأسباب الذاتية والموضوعية التي دفعتك لاختيار موضوع الكتاب؟ في ما يتعلق بالدوافع الذاتية، التي حفزتني على خوض غمار هذه التجربة وكتابة الجزء الأول من كتاب "تجارب الحكم الذاتي، بين انتصار الوحدوية وانتكاسة الانفصال "، يمكن التأكيد على اهتمامي بالقضايا الكبرى المتعلقة بوطني المغرب ووحدته وتنميته وتقدمه، وخاصة منذ هجرتي إلى فرنسا، قصد متابعة دراستي الجامعية، سنة 1985 واحتكاكي بالتنظيمات الطلابية باختلاف أصولها من أوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا. حيث تشكل لدي وعي بأن أولى الأولويات هي الدفاع عن الوطن الأم و تبني ذلك فوق جميع الاعتبارات. وسبق أن شاركت في مارس 2007، رفقة فاعلين جمعويين، في ندوة تأسيسية بالعاصمة الفرنسية باريس، حيث أنشأنا فدرالية دولية لدعم الحكم الذاتي في الصحراء، جمعت سبع عشرة جمعية من أوربا وأمريكا اللاتينية وتشرفت برئاستها، وشرعنا في تنظيم ندوات وأنشطة مختلفة، معتمدين في ذلك على مبادئ الانفتاح والنقاش البناء، نظرا لعدالة قضية وحدة المغرب الوطنية والترابية. ومن أهم الإنجازات التي حققناها تفاعل الخارجية الدنماركية، الإيجابي مع القضية الوطنية المغربية واستقبالنا من قبل فريق برلماني فرنسي مهم داخل الجمعية العامة الفرنسية والتعبئة على أهمية وجدية المبادرة المغربية (الحكم الذاتي) في الأوساط الجمعوية والثقافية والإعلامية عبر مداخلات ومشاركات في قنوات "فرانس تي في" التي تضم عشرات القنوات . ومن هنا تجذر لدي هذا الاهتمام بموضوع الحكم الذاتي ليس فقط بالنسبة إلى المبادرة المغربية بل كذلك تجارب الحكم الذاتي في مناطق عديدة عبر العالم، لأنه من جهة يعتبر حل وسطيا واقعيا وهادفا للسلام والتسوية ومن جهة أخرى يمكن الدول المعنية من الاستقرار وتحقيق التنمية ويقرب بين الهويات والثقافات مما يحقق إثراء ثقافيا وحضاريا ويواجه أجندات التشتيت والتقسيم، وبالمحصلة يحافظ على وحدة الأوطان ويكرس السلام. وماذا عن الدوافع الموضوعية؟ هناك أجندات عابرة للقارات أفصحت عن مخططاتها الهادفة إلى الهيمنة على العالم عبر إضعاف الدول المؤهلة إلى التفوق، عبر تقسيمها وتقزيمها. وكذلك ما يمكن أن نسميه، نفور حركات التحرر من النزعة الانفصالية وتبنيها لآلية الحكم الذاتي ضمن الدولة الموحدة، وهذا ما عبرت عنه حركة "إيتا" الباسكية بإسبانيا، وحقق كذلك استقرار المنطقة وتنمية منقطعة النظير، وتناغمها مع المسار الديمقراطي والتنموي الإسباني. مثل آخر وهو ما قام به زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، خلال الأسابيع الأخيرة ، والذي كان يعتمد العنف والعمل المسلح، بل كان مصنفا ضمن الحركات والتنظيمات الإرهابية. فهذا الزعيم أطلّ على العالم ببيان صنف بالتاريخي، حيث طالب كل أتباعه بالتخلي عن العنف وترك السلاح وحل الحزب، والاندماج في الجمهورية التركية. وهناك أمثلة كثيرة تثبت مصداقية ونجاعة وواقعية الحكم الذاتي كآلية قانونية وحل وسط للنزاعات الاقليمية وإنصاف الثقافات داخل الوطن الواحد والدولة الامة، بالإضافة إلى التهديدات التي تحدق بالمنطقة المغاربية، من الشبكات الإرهابية والاتجار في المخدرات والبشر وغيرها، أصبحت المرحلة أكثر إلحاحا على تسوية النزاع بين المغرب والجزائر عبر التوافق على حل سياسي نهائي لنزاع الصحراء، عبر حكم ذاتي لجهة الصحراء في إطار السيادة الوطنية المغربية، وهذا ما يتماشى ويتناغم مع المشروع الديمقراطي المجالي المغربي نحو الجهوية الموسعة. هل يمكن أن نتحدث عن خصوصية مغربية بخصوص مشروع الحكم الذاتي وما الذي يميزها عن بقية التجارب الأخرى في العالم؟ من المؤكد أن مشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب قاعدة أساسية لكل النزاع، و تحقيق تسوية سياسية، له خصوصية مغربية، بل خصوصية إيجابية تعطي المشروع مصداقية علمية ومقنعة، إذا ما قارنا هذه الخصوصية، مثلا بالحكم الذاتي في بلاد الباسك، الذي يتكلم سكانه اللغة الباسكية والتي تعتبر اللغة الوحيدة في أوربا التي ليست لا لاتينية ولا جرمانية، في الوقت الذي يتكلم فيه سكان الصحراء العربية والحسانية والتي هي خليط من العربية والأمازيغية، شأنهم في ذلك شأن باقي المغاربة في المناطق الأخرى. إضافة الى أن هناك دراسات ترجع أصول الباسكيين الى أوربا الوسطى والأرمن، في حين أن القبائل الصحراوية لها امتداد قبلي في مناطق أخرى داخل المغرب، نذكر منها قبائل أولاد ادليم وصحراوة في اقليم سيدي قاسم وقبيلة المزامزة بإقليم سطات، ومنطقة الشاوية وغيرها من القبائل. كما أن هناك قبائل وعائلات صحراوية تتحدر من جهات أخرى من المغرب، كالعروصيين المتحدرين من الشمال، وبالضبط من مولاي عبد السلام بن مشيش ، والركيببيين الرقيبيين، المتحدرين من مولاي ادريس زرهون إلى غير ذلك. أما على المستوى الديني، فالأغلبية المطلقة من سكان المغرب بصحرائه، كلهم مسلمون سنيون أشعريون ومالكيون، وسطيون ومعتدلون. ومن خصوصيات الحكم الذاتي، مشروعا مغربيا، أنه قدم حلا نهائيا لحل النزاع وأنه جاء مبادرة طوعية من الدولة المغربية وليس تحت ضغوطات دولية أو إكراهات الحرب. وكذلك يركز على التنمية والاستقرار بدل الانقسامات العرقية والسياسية ويقدم ضمانات حقوقية دولية لسكان الصحراء. كيف يمكن نفهم العلاقات المغربية الجزائرية في ظل الخلاف حول مفهوم الحكم الذاتي وتبني أطروحات الانفصال؟ أكيد أن النظام الجزائري، هو الذي دعم ومازال يدعم الأطروحة الانفصالية ويحتضن الانفصاليين ويدعمهم بالمال والعتاد، وبذلك يعرقل محاولات التسوية السياسية السلمية، رغم تبني المغرب، سياسة اليد الممدودة كما أعلن عن ذلك جلالة الملك محمد السادس في خطابات عديدة. فهذا لا يعني استحالة وجود حلول في المستقبل وتقارب بين البلدين الشقيقين والجارين المباشرين، المغرب والجزائر. ألم تكن فرنسا وألمانيا ألد الاعداء لبعضهما البعض، منذ قرون، وعاشتا حروبا كبيرة تولدت عنها كراهية وعداء لم يسبق لهما مثيل، وفي النهاية تقاربتا وأسستا الاتحاد الأوربي الذي أصبح من أقوى التكتلات الاقتصادية في العالم؟ لكن ما هي شروط تحقيق التقارب بين المغرب والجزائر؟ التقارب بين المغرب والجزائر تحدده شروط لا بد من التفاعل معها والاستجابة لها، وأولها تجاوب الجزائر مع متطلبات العصر ودروس التاريخ والمضي نحو نهج الواقعية والمرونة في علاقاتها الجهوية والدولية، خاصة مع دول الجوار، النهج الذي لطالما طالبت به القوى الحية ومطالب الشارع في الشقيقة الجزائر. وكذلك تشجيع قنوات الدبلوماسية الموازية والثقافية والمدنية والأكاديمية، من الطرفين، لتهييء الأجواء نحو إنجاح التقارب. واستيعاب دروس التكتلات التي تعرفها حتى الدول المتقدمة، كالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يطالب مثلا، الرئيس دونالد ترامب بتوحيد بلده والجارة كندا. وبزوغ قوى اقتصادية عملاقة كالصين والهند، اللذين يتجاوز سكانهما مليارا ونصف مليار نسمة، كل هذا يملي على الجزائر التخلص من رواسب إيديولوجية الحرب الباردة وما تلاها من انهيار تام للمعسكر الشرقي، ودخول المعسكر الغربي في تناقضات ما زالت تداعياتها تلقي بظلالها على العلاقات الدولية إلى يومنا هذا. إن المنطق والبراغماتية والمصالح المشتركة، تحتم على جميع دول المغرب الكبير وخاصة المغرب والجزائر، التركيز على مربع تقاطع المصالح وتبني الحكم الذاتي كحل واقعي ووسطي لتجاوز الخلافات وبناء قوة مشتركة لتجاوز التحديات المتفاقمة والأخطار المحدقة بالمنطقة، أكانت من منطقة الساحل (الإرهاب والجريمة بكل أشكالهما)، أو من الخارج حيث أطماع الهيمنة وعرقلة التنمية ومحاولة تقسيم دول المنطقة إلى دويلات كراكيز وإعادة صياغة سياسات الهيمنة الاستعمارية ولو بصيغة غير مباشرة. كتاب وقضية في كتابه "تجارب الحكم الذاتي حول العالم: ما بين نجاح الوحدوية وانتكاسات أطروحات الانفصال" سلط الباحث والإعلامي محمد زيتوني الضوء على مفهوم الحكم الذاتي، بدءا من تعريف مبادئه الأساسية، مرورا بتطبيقاته العملية، ووصولا إلى تجارب مختلف الدول التي اعتمدته كآلية فعالة لفض النزاعات الإقليمية، في أوطانها، وتعزيز الهوية الثقافية وتحقيق التنمية والسلم وتعايش مختلف الهويات الثقافية في وطن واحد قوي ومتماسك. ويرى زيتوني أن حل النزاعات ودعوات الانفصال لا يمكن أن يتحقق إلا بأساليب سلمية وقانونية تتجلى في مبدأ الحكم الذاتي، معتمدا في ذلك على منهجية دراسة، مقارنة بين مجموعة من التجارب التي فوتت على بلدانها حروبا داخلية، ومكنتها من التفكير والتخطيط لمستقبل شعوبها . وقد عرف الكاتب مفهوم الحكم الذاتي باعتباره " أرقى وأنجح خيارات و حلول النزاعات الإقليمية التي و صلت إليها أنظمة الحكم ضمن القوانين والدساتير الدولية، للحد من الحروب والصراعات والتطاحنات العنيفة والهدامة من أجل السلم وتهدئة الأوضاع." وفي هذا السياق ساق الكاتب مجموعة من الأمثلة على الحكم الذاتي آلية قانونية وسياسية مفيدة في تعزيز الاستقرار السياسي، والحفاظ على الهوية الثقافية وتحقيق التنمية المحلية، في إطار الدولة المركزية الأم أو الوطن منها: الحكم الذاتي في إسبانيا (منطقة الباسك): وهي منطقة تتمتع بحكم ذاتي موسع، لها برلمانها الخاص وحكومة محلية تدبر شؤونها الداخلية، وتحتفظ السلطة المركزية الاسبانية ببعض المجالات مثل السياسة الخارجية. والحكم الذاتي في المملكة المتحدة (اسكتلندا) وهي منطقة تتمتع بحكم ذاتي لها برلمانها الخاص، وتدير شؤونها العامة ، بينما تبقى السياسة الخارجية والدفاع بيد الحكومة المركزية لبريطانيا، إضافة إلى تجربتي إقليم جنوب تيرول بإيطاليا ونموذج إقليم أتشيه بإندونيسيا. كما استحضر زيتوني التحولات السريعة التي يعرفها العالم وما يرافقها من صراعات هنا وهناك، محللا بذلك بعض جوانب هذا الصراع وخلفياته على ضوء توسيع نفوذ القوى العظمى (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية) وتأثير ذلك على الأمن والسلم العالميين فلسطين، أوكرانيا، الشرق الأوسط، والدور الديبلوماسي العالمي للصين وانفتاحها على العالم، ودور إيران في "إضعاف المنطقة العربية (السنية) بيمينها ويسارها، حتى لا تقوم لها قائمة في المستقبل، وتهدد مصالحها وتقوض مشاريعها"، بحثا عن دور أساسي في المنطقة قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب