فلاحون اضطروا إلى زراعته لتدارك واقع عوزهم وتجاوز إقصاء المنطقة لا يستسيغ أهل المناطق المحاذية لكتامة التابعة لإقليم الحسيمة، من المشتغلين في زراعة القنب الهندي، الكلام حول تنمية أقاليم الشمال، في شقها المرتبط بتوقيف زراعة القنب الهندي، أو " الكيف" بلغة المغاربة، ولايقابلون ذلك، بغير القول إن الأراضي الشاسعة الممتدة من تاركيست إلى باب برد في اتجاه تطوان، ومن تاركيست إلى تاونات في اتجاه فاس، لا تصلح لغير زراعة الكيف. واستقرت مساحة زراعة القنب الهندي بشمال المغرب، حسب مصادر مغربية، في حدود 65 ألف هكتار منذ 1994، بينما تزعم مصادر أوربية أن هذه المساحة تفوق 162 ألف هكتار. جمال الفكيكي (الحسيمة) يرى ملاحظون أن زراعة " العشبة تتوسع مساحتها سنة بعد أخرى لتشمل عدة مناطق بإقليمي تاونات وشفشاون، منذ أوائل العقد الأخير، بعد أن كانت مقتصرة منذ عهد الحماية على منطقة كتامة. وتختزل كتامة ونواحيها، مآسي اجتماعية كبيرة، عنوانها العريض الفقر وغياب التنمية والمتابعات القضائية، ومازالت تداعيات زراعة القنب الهندي مستمرة، على فلاحي المناطق الجبلية التابعة لإقليم الحسيمة، إذ بالرغم من اعتبار هذه الزراعة عصب الحياة بالنسبة إلى السكان، فإنها كذلك لا تخلو من مشاكل تأخذ شكل متابعات أمام المحاكم ومطاردات بقراهم. مبررات وحقائق لا يتوقف البعض من سكان المناطق المعروفة بزراعة القنب الهندي، عن تقديم مسوغات لهذا النشاط، أولها أنها زراعة مقننة بظهير الملك الراحل محمد الخامس، وثانيها أن الكيف " هبة " من الله ل"العرب " حتى ينتصروا على "اليهود ". وثالثها أن تدخين الكيف غير مضر، عكس الضرر الذي يخلفه استعمال التبغ بكل أنواعه. الحقيقة الأولى في كتامة، أن زارعي القنب الهندي ليسوا أغنياء كما ترسخ في أذهان من يسمعون بها، لأن الربح يعود إلى أصحاب رؤوس الأموال الذين يشتغلون في التجارة بالجملة، أما الفلاح الصغير فلا ينال غير التعب، كما قال أحدهم. الحقيقة الثانية في كتامة هي أن المنطقة فقدت الريادة في هذا المجال، فلم يعد كيفها الوحيد في السوق الوطني والدولي. ف "كيف " كتامة أصبح يخضع ل "منافسة " كيف مناطق أخرى، أغراها هذا النوع من الزراعة، فسخرت لها أحدث أدوات الري. الحقيقة الثالثة في كتامة، في هذه المرحلة، هي أن كيفها يعاني الكساد، حيث مازال مكدسا بمخازن أصحابه. وبين كل هذه الحقائق، حقيقة أخرى، هي أن أهل كتامة فقراء. أسئلة عريضة ترافق الذي ينوي زيارة مناطق إساكن ومولاي أحمد الشريف وبني سدات وبني أحمد إموكزان وثلاثاء كتامة وإكاون. كيف ستكون هذه المناطق ؟ هل ما يشاع حولها صحيح؟ هل يزرع القنب الهندي، أوالكيف بلغة المغاربة، فعلا أمام أعين الناس والسلطة دون أدنى مشكل؟ كيف يتعايش أهلها مع هذه الزراعة؟ كيف يعيشون ؟ هل يجعل الحشيش كل الناس فيها أغنياء و"يلعبون" بالمال، كما يقال ؟. تملك المناطق سالفة الذكر الريادة في زراعة الكيف، فيما أكد أحد الفلاحين أن منطقة بني سدات هي التي تملك أجود أنواع هذه المادة استنادا إلى مقطع من أغنية شعبية تقول " من بني سدات نجيبها بالذات". مصدر عيش مئات الأسر بمنطقة كتامة الوحيد هو زراعة القنب الهندي، لكن نصيبها منها هو التعب وشظف العيش ومدخول هزيل ومطاردات، فيما ينال الربح، تجار الكيف بالجملة، الذين استثمروا الأموال في بناء المقاهي والمطاعم والفنادق المصنفة في العديد من المدن الشمالية، خاصة طنجة وتطوان، أما كتامة فلم يبق فيها إلا " البوفري ". معاناة الفلاحين مع طبيعة أراضيهم تعيش المناطق المجاورة لكتامة كل مظاهر الفقر وغياب البنيات التحتية، كما بات العديد من سكانها تلاحقهم المتابعات القضائية أمام المحاكم والمطاردات، بتهمة زراعة القنب الهندي. وعزا العديد من المواطنين أسباب تلك المتابعات، إلى الشكايات " الكيدية والمجهولة، معتبرين ذلك أسلوبا ينهجه بعض الأشخاص، لتصفية حساباتهم مع الفلاحين، لأسباب مختلفة. وتعيش حوالي 90 ألف أسرة من زراعة القنب الهندي بهذه المناطق، في حين يوجد أزيد من 50 ألف مزارع في حالة فرار من العدالة، ما يعني استمرار معاناة أسرهم. وخرجت العديد من الأحزاب السياسية أخيرا، مطالبة بجبر خواطر الفلاحين وتضميد جراحهم، بالعفو عنهم من العقوبات التي تنتظرهم في حال سقوطهم في أيدي السلطات الأمنية. تطرح زراعة الكيف في منطقة كتامة مشاكل كثيرة على مستوى حيازة الأراضي. لذلك يصر أهل كتامة، من المشتغلين في الكيف وغيرهم، على القول إن أراضي المنطقة لا تصلح لزراعة مادة أخرى غير الكيف، لذلك فإن الحديث عن توقيف هذه الزراعة أو البحث عن بدائل لها، لابد أن يأخذ هذا المعطى بعين الاعتبار. وفي هذا الصدد يطرح البعض زراعة التبغ التي ستدر مداخيل على الفلاحين أفضل من مداخيل زراعة القنب الهندي. كما يطرح الاهتمام بالسياحة الجبلية أو حتى الاستمرار في زراعة القنب الهندي مع التفكير في القيام بتحاليل علمية للبحث عن مواد صالحة للاستعمال في الميدان الطبي في هذه المادة. وكما تطرح هذه البدائل، يكون الإلحاح على ضرورة إقناع المشتغلين في هذا النشاط الزراعي للتخلي عنه عن طواعية، لأن أهل كتامة متشبثون بزراعة الكيف. تحدث أحد المواطنين عن شروط الحصول على كيف من النوع الجيد، إذ يقول إن التربة الرقيقة لا تعطي منتوجا جيدا، عكس الأراضي ذات التربة الغليظة. ويشرح أن الفلاحين يزرعون جزءا من أراضيهم شعيرا أو قمحا، والجزء الآخر يخصص للكيف، وهي طريقة للحفاظ على خصوبة الأرض وضمان محصول جيد من الكيف. فلو حدث أن زرعت الأرض كاملة كيفا لسنوات متوالية، فإن المحصول سيكون ضعيفا. وهذا راجع إلى طبيعة الأراضي في المنطقة. وينشغل فلاحو المنطقة في الفترة الحالية بتنظيف أراضيهم لإزالة النباتات والأشواك ليزرع الكيف، الذي سيصبح جاهزا بعد ثلاثة أشهر فقط، إذا لم تقض الثلوج على المحاصيل. ويستعمل زارعو الكيف المبيدات السامة والخطيرة لمحاربة الحشرات، ماساهم بشكل كبير في انقراض أنواع الوحيش. واعتبر أحد المواطنين بالمنطقة نفسها، زراعة الكيف هبة من الله ل"العرب " حتى ينتصروا على اليهود، مضيفا لولا الكيف، لعانى الجميع الجوع، كما كان يحدث في الماضي. واعتبر العديد من المواطنين بالمناطق المذكورة، أن زراعة القنب الهندي كانت نتيجة "سياسة التهميش والحيف والإقصاء المضروب على المنطقة، وأن السكان لجؤوا إليها لتدارك واقع عوزهم، ما يفرض جبر الضرر الجماعي، والبحث عن بديل حقيقي لإخراج المنطقة من أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المزرية". وأكد أن بعض المسؤولين السياسيين، يستغلون الوضع ويوظفون الإعلام العمومي المرئي، لتوزيع أحلام جديدة في صفوف الفلاحين الفقراء، حتى تظل هذه الكتلة البشرية الهامة تحت رحمتهم، خاصة في الانتخابات. اعتقال "البارونات" ينعكس على المزارعين أكدت العديد من المصادر بأن اعتقال بعض تجار المخدرات، أو إصدار مذكرات بحث في حقهم، انعكس سلبا على تجارة القنب الهندي، وهم الذين كانوا يقتنون هذه المادة. ويوجد العديد من الأشخاص ضمنهم أوربيون في السجون المغربية بفعل إدانتهم بتهمة تهريب المخدرات وحيازتها والاتجار الدولي فيها. ويؤكد أحد المواطنين أن المزارعين في أفضل الأحوال لا يتعدى إنتاجهم من الحشيش المستخرج من القنب الهندي أربعة أو خمسة كيلوغرامات، الشيء الذي لا يسمح لهم بتسويق هذه الكمية بشكل فردي، بل باتت الحاجة إلى " بارون " ليجمع المنتوج من جميع المزارعين. وليس الهروب من رجال الدرك الملكي والشكايات الكيدية وشظف العيش، هي المشاكل الوحيدة التي يعانيها بعض سكان كتامة، بل إنهم يعيشون صراعات في ما بينهم، تختلف دواعيها، ويظل الخلاف حول مياه السقي أبرز هذه المشاكل، التي تزداد حدتها في الفترة الممتدة بين يونيو وغشت. وتطرح زراعة الكيف في منطقة كتامة مشاكل كثيرة على مستوى حيازة الأراضي. وتتسبب زراعة القنب الهندي بالعديد من المناطق بإقليم الحسيمة في تدهور الغطاء النباتي والغابوي، لأنه يتطلب أراضي جديدة سنويا على حساب المساحات الغابوية، وهو ما يعتبر بدوره عاملا قويا في زعزعة استقرار النسق البيئي ويتسبب في تراجع الكتلة الغابوية وتقلصها التدريجي، كما أن عددا من أنواع الأشجار ذات القيمة الإيكولوجية، هي في طريقها نحو الانقراض من قبيل العرعار والأرز. ونبتت زراعة القنب الهندي وترعرعت على طول المجاري المائية، وتطلب هذا الامتداد كميات مرتفعة من المياه لسقي المحصول، ما دفع المزارعين الميسورين إلى حفر آبار عميقة بعدة مناطق، خاصة المتوفرة على الجيوب المائية. 40 ألف درهم... دخل المزارعين ثمن الكيف يتغير بظروف التجارة، إذ يصل ثمن القنطار الواحد إلى 5000 درهم، أما ثمن الكيلوغرام من النبتة نفسها فيتراوح بين 40 درهما و60. "إذا زرعت القمح مثلا فإن مردود البيع لا يساوي مردود بيع الكيف. هناك البعض يحرث الكيف، لكن المردود لا يكفي السنة. يبيع المحصول ويقترض من الناس، وحين يبيع الكيف يجد نفسه مضطرا لتخصيص جزء من المردود لتسديد الديون، ومردود هكتار من أرض إساكن ضعيف بالمقارنة مع مردود هكتار من أرض بني عروس"، يؤكد أحد المواطنين. ورغم التهم التي تلصق بمنطقة كتامة، فإن الدخل السنوي لسكانها من القنب الهندي لا يتجاوز 40 ألف درهم. من المزارعين من يفضل بيع محصوله على شكل كيف جاهز للاستهلاك باستعمال "السبسي" الذي يتم حشو طرفه الذي يسمى "الشق" بهذه المادة. ويحلو للبعض تدخين الكيف مصحوبا بكأس شاي يطلقون عليه " الدكة"، فيما يحوله البعض الآخر إلى مادة الشيرا، وذلك بطريقة الكتاميين المعروفة وتسمى "الطبيسيلة ". "بعد عملية حصاد المحصول من الكيف، يتم "ترقيده "وبعدها " تمطيطه " على شكل رزم لخزنه مدة شهر أو شهرين، وهي مدة ضرورية للحصول على السلعة، التي ستباع في ما بعد لأصحاب الحرفة. ولا يصبح الكيف صالحا للاستعمال وهو على شكل "عشبة "، بل لا بد أن يتم تفتيته على قطعة ثوب ليصبح عبارة عن "غبرة ". ولا يستفيد الفلاح الشيء الكثير، خاصة في منطقة صنهاجة، بالنظر إلى المساحة الصغيرة المزروعة.