عانت بسبب سنوات عجاف فرملت إمكانية تنميتها وتواجه آثار تلوث الماء والأرض وسكانها يحلمون بغد أفضل تجلس تاونات على أريكة التهميش والإقصاء فوق قمة جبل أورث الأصالة والشموخ للأرض والإنسان، حائرة في بحثها عن خارطة طريق تنميتها فعليا طال انتظارها، رغم تعاقب مجالس وأسماء توارثت تسيير شؤونها، وإقليم مغبون منذ أحدث في سبعينات قرن مضى دون أن يمحي عناوين ترييف يجعلها قرية في جلباب مدينة. اكتشاف جمالها الأخاذ في مشاهدتها من بعيد، شكلها وجمال محيطها الفاتن، يسر ويغري ناظرا منبهرا يصدم بتجواله في أحيائها وشوارعها ناقصة التجهيز والاهتمام. لا شيء تغير وقد يوحي بالرقي بها لمصاف مدن راقية، إلا بنايات نبتت حتى بمنحدرات جوانبها الوعرة تعرقل توسعها وامتدادها إلا في اتجاهيها الشمالي والجنوبي. إعداد: حميد الأبيض (فاس) "حتى حاجة ما كاينة، كلشي ناقص" عبارات كررها من سألتهم "الصباح" عن حال مدينة مغبونة وحالمة تؤدي ضريبة موقعها العصي على الولوج والتوسع. حقيقة وقفت عليها "الصباح" ميدانيا في جولة لاكتشاف ما تغير في نصف قرن من عمرها. لكنها بدت كما لو أن عقارب ساعة التنمية، متوقفة بها بحاجة لبطارية مكتملة الشحن. طريق تاونات الوصول المريح لتاونات متاح من اتجاهي فاس والشمال فقط، ولو غابت عن مدخليهما طرق مزينة قد تسر وتزرع الأمل في نفوس والجيها. بديا ناقصي التهيئة والتجهيز عكس ما قد يجده الزائر حتى بمراكز حضرية بعيدة، لينطبق عليها مثل "إمارة الدار على بابها" المختصر لحال مدينة "يتيمة" تحتاج إرادة حقيقية تنتشلها مما هي فيه. زائرها من اتجاه طريق فاس، يحتاج أكياسا بلاستيكية زادا يستنجد به مفرغا لما حشا بمعدته، لما تغلب تحمله نتوءات طريق جارية تهيئتها من قبل مقاولة تسير في أشغالها، سير سلحفاة غير معنية بأهمية الزمن وتبعات الضرر، خاصة بالمحور المتردي بين جماعتي أولاد داود وعين عائشة، يحس عابره بالغثيان والرغبة في التقيؤ. ليس حال مدخل حي أولاد سعيد طلوعا عبر "عقبة د تاونات" كما يسميها أهلها، أحسن. صعب عبور الطريق الصاعد تدريجيا وسطها المؤثث بشارع وحيد يوحد سير ومرور عابرين في كل الاتجاهات، إنه أشبه بثعبان طويل رسم في تموجات سيره خارطة طريق ضياع مدينة يبدو مدخلها الشمالي أرحم لزائر قد تحكم عليه ظروف زيارتها. كل ما فيها هذا الشارع الممتد إلى "الخروبة" بالمدخل الشمالي، وتتفرع عنه شوارع وأزقة بعدد عقود عمرها. ومنه انطلقت جولة "الصباح" للجماعة والعمالة وتغولا في اتجاه المصلى بدت الطريق إليه سالكا قرب مدارس اكتظ بأبوابها مئات التلاميذ غير بعيد عن سينما "مرحبا" أول وآخر قاعة سينمائية، لم يتبق منها إلا باب صدئ. حال الطريق والأمكنة لم يتغير كما بنايات تغيرت لوحات واجهتها وعززت بمقر أمن يطل على سور منهار جزئيا في الطريق لدار الطالب، انشغل بعض نزلائها بمراجعة دروسهم بعيدا عن حافلات نقل مدرسي محشورة بتلاميذ في انتظار الحصة المسائية، قبل الوصول لقمة "المصلى" المطلة على مدخل تاونات والمتربعة على عرش إهمالها. مشاكل بنيوية تبدو تاونات أجمل في أي إطلالة عليها من المصلى و"الشاطو"، تتيح إمتاعا للعين بنظرة بانورامية على حقول شاسعة ممتدة لعين عائشة ورغيوة وعين مديونة ومزراوة وما خلفها، مما حجبت عنه شمس تنمية محلوم بها في أرض سئمت توالي سنوات عجاف في مطرها ومبادرات تنميتها الفعلية وترقية مدينة في سلاليمها المتدرجة. "مدينة تاونات ينبغي أن تكون واجهة الإقليم، ما يحتم على مسؤوليها وضع بنيات استقبال جيدة بكل مؤسساتها" يقول المهدي الزمراني (رجل تعليم) جاهرا بعدم ارتياحه إلى حالها لحاجتها لمبادرات تنفض عنها غبار تهميش أزمن وطابعا قرويا يلازمها رغم استبدال "براريك" زمان، ببنايات شامخة تحد طبيعة قمة الجبل، من امتدادها. ربما "عقبة د تاونات" وحاصر فيها أبناؤها المستعمر سنينا خلال الحماية الفرنسية، فرملت سير عربة تنميتها طويلا، أو أن دلالة اسمها "نوالة" (تانوالت) بين أغصان الزيتون، تجعلها دوما مكانا للمراقبة حتى على طلائع تنمية لم تزرع بذورها برقعة جف ينبوع إرواء عطش الأرض والإنسان، وحاجتهما لكل ما يحيي خضرة أحلامهما وما أكثرها. "كل المشاكل مجموعة في تاونات" يختصر الجمعوي عمر البكوري واقعها، مؤكدا أن مداخل المدينة "في حالة كارثية بعد تعثر مشروع المدخل الجنوبي للمدينة وللمرة الخامسة على التوالي، والأسباب تبقى مجهولة"، مشيرا إلى أن مجموعة من الأحياء تعاني مشاكل بنيوية وفي التهيئة والتجهيز، وغياب قنوات الصرف الصحي. "لا يستثنى من ذلك حي خمالشة العريق" برأي البكوري الذي استغرب انعدام المساحات الخضراء و"الحديقة الوحيدة الموجودة وسط المدينة، تعاني الإهمال"، أما "ملاعب القرب المكسوة بالعشب الاصطناعي، لا تتوفر المدينة منها إلا على ملعب وحيد بمدخلها يمارس فيه الشباب هوايتهم مقابل ، 150 درهما وهو مبلغ كبير وغير معقول". نواقص مدينة كل شوارع تاونات وطرقها تحتاج تدخلا جادا وفعالا لمحو آثار تهالك الكثير منها، كما أحياؤها "جلها مكرفصة" بتعبير البكوري أمين مال جمعية فردوس لمساندة مرضى السرطان، ساردا منها العسريين الموجود على بعد أمتار قليلة من مقر العمالة، وغيره سيما العشايش والرميلة والقلعة وحجر المطاحن والقلايع وحجر دريان. وقس على ذلك نقص التجهيز والتهيئة بتجمعات سكانية أخرى بما فيها "تاونات القديمة" و"حيط يدو" والأمل المبتلية كغيرها بكل مظاهر العشوائية وزحف الفوضى تدريجيا على شوارعها وأزقتها المحتاج الكثير منها إلى "تزفيت" يعفي القاطنين "وجع" سيرهم فيها شتاء لما يتحول بعضها بركا مائية تحتاج انتعال "البوط" لعبورها. حجم المعاناة لا يقتصر على ذلك، بل هناك نواقص في الإنارة العمومية وعدم توفير بنية تحتية وشبكة طرقية بمواصفات جيدة، ويمتد "التقصير" إلى جمع النفايات المنزلية وغياب مواقف منظمة لركن السيارات وغيرها من مشاكل أخرجت فعاليات وسكانا للاحتجاج في سنوات خلت قبل أن يخمد "لهيب" الغضب في نفوس غيورين على تاونات. "ابتلاع الألسن في التعاطي مع ما يروج ويدور" عنوان تفاعل "مناضلين" مع الحياة في مدينة محتاجة لمن يغار عليها، بعدما اختفت أشكال الاحتجاج واقعا وانتقلت للعالم الافتراضي في صفحات فرخت حتى من بعض أصحاب القرار في مصيرها، وموالون لهم ولمعارضيهم، حول "السوشل ميديا" ساحة "حرب" سياسية تؤججها المصالح. "الصراع" المحتدم افتراضيا فضح ممارسات أعضاء أغلبية تسيير الجماعة، بنبشهم في طرق تمرير صفقات للإنارة العمومية، سيما بالطريق الثنائية بالمدخل الجنوبي، وظروف إلغاء صفقة لثلاث مرات وقضية بناء فيلا مسؤول بأشغال لا أحد يعلم غيره، إن كانت مرخصة، ما يحتاج بحثا رسميا لنفض الغبار عن قضايا مختلفة محل شبهات. روائح وفضائح بمدخلها الشمالي تستقبل تاونات زوارها يوميا بروائح الأزبال والنفايات المنبعثة من مطرحها، المجاور لطريق الوحدة قرب ملحق محجز بلدي يشهد على تفاصيل فضيحة مدوية لسرقة عجلات ومحركات وقطع غيار سيارات وعربات مودعة به، يجهل الكثير من أبناء المدينة، مآلها بعد عرض ملف يخصها على القضاء الجنائي. سرقة المحجوزات أدى ثمنها عامل نظافة مكلف بحراسة ملحق المحجز، قضى عقودا في عمله وشهورا وراء قضبان سجن بوركايز، بعد جره للمساءلة القانونية في ملف تدوولت فيه أسماء منتخبين، ضمن لائحة متهمين مسرحين دون ضمانة مالية، منهم أخو الرئيس ونائبه وعضو بالجماعة ينتمون إلى حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية. مآل الملف ومصيره متكتم عليهما، كما أبحاث قضائية روج لإجرائها مع موظف ومسؤول بالجماعة، على خلفية ضبط كمية مهمة من المخدرات في الطريق بين المحمدية وبوزنيقة، و"ألهبت" العالم الافتراضي بتدوينات فاقدة لدليل مؤكد لمعلومات متداولة في عموميتها، في غياب أي توضيح من الجهات المسؤولة والمعنيين بالبحث. الغموض يلف أيضا جهود تخليص عابري طريق الوحدة وأحياء مجاورة للمطرح، من الاختناق اليومي بروائح تزكم أنوفهم وتهدد صحتهم وسلامتهم، دون أن تنفع نداءات النجدة ولقاءات رسمية وعد فيها بإيجاد حل لمشكل مؤرق للجميع، كما ملفوظات معاصر الزيتون من مرج سام، لم تنفع أشكال الزجر في وقف خطرها البيئي. إعادة النظر في المطرح ومخاطره البيئية والإيكولوجية وإعداد مطرح مراقب لتدبير وتدوير النفايات، مطلبان عرضهما مسؤولو منتدى كفاءات تاونات في لقائهم بوزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، في انتظار تحرك مركزي يخفف من حدة التقاعس المحلي ولو ب"كم حاجة قضيناها بتركها". مرج الزيتون محاضر مخالفات تنجز سنويا في زيارات اللجن المختصة، للوقوف على مخاطر سوء تصريف معاصر للمرج وعدم تقيدها بالتدابير واحترامها للقرارات المتخذة بالإغلاق وغيرها في مختلف أنحاء المدينة والإقليم. لكن حال الخرق والتجاوز يبقى على ما هو عليه ويتكرر بالشكل نفسه، سنويا وكأن بعض أصحابها فوق القانون ويعلون عليه. لغة الغضب والامتعاض من تأثير ذلك على البيئة، سائدة بين المواطنين ومسؤولين وفعاليات، ووصل صداها بعيدا لوزارة السياحة، ففي لقاء الوزيرة مع أعضاء منتدى كفاءات تاونات أبلغوها بضرورة فرض إلزامية تزويد وحدات عصر الزيتون بأنظمة لحماية البيئة لتجنب التلوث بسبب المادة، مع ضرورة تقديم الدعم لهم. واقترحوا على الوزيرة إحداث محطات للتصفية الخاصة ب"المارجان"، من مادة "الفينول" التي لها تأثير خطير على الأودية والفرشة المائية خاصة أن نهر أسرى الذي تفرغ فيه، هو من روافد سد الوحدة. لكن لا الجهود المركزية ولا الإقليمية، نجحت في وقف نزيف بيئي مهدد للأرض والماء والإنسان، ما يوحي ب"تغول" بعض أصحابها. العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، نبهت لحجم كارثة تلويث واد أسرى بالمواد المتخلص منها بطريقة عشوائية في مجاريه، وما يتسبب فيه ذلك من جرائم بيئية خطيرة، محملة السلطات مسؤولية "تغاضيها عن هذا الجرم الخطير"، داعية الجهات المختصة لتحديد المسؤوليات ومتابعة المتورطين في تلويث مياه هذا النهر. "لون مياهه يتغير كل سنة إلى السواد الداكن" و"الأضرار كثيرة على مختلف الكائنات والحيوانات والنبات" تقول العصبة واحدة من جمعيات وفعاليات جهرت بامتعاضها من استمرار أصحاب معاصر ومنهم برلمانيون، في "إبادة" الأرض والزرع والماء والإنسان، بمادة خطيرة أمام أعين مسؤولين مفروض أن يحموا البيئة منها. مدينة في حاجة لمشاريع تنموية رغم مرور عقود على "إنبات" المدينة بقمة الجبل، فإن سكانها ما زالوا مرتبطين ارتباطا وثيقا بنشاطهم الفلاحي بسفحها المترامية فيه حقول زراعية وأشجار زيتون كثيفة في كل الاتجاهات سيما المجاورة لجماعات مزراوة وعين عائشة وازريزر، ويعتمدون في عيشهم ومدخولهم على ما يجنون من "غلة" قلت في السنوات الأخيرة. وتعيب فعاليات عدم اهتمام وتنمية مصالح وزارة الفلاحة بالزراعة المعيشية لهؤلاء رغم أنها مصدر أساس "لسد رمقهم"، لكن "لا نرى أي برنامج لمساعدتهم" والوزارة "لا تأبه لها" سيما "مع ما أصاب الجو من تلوث وما تسرب للأرض من مخلفات، أمست معه الأرض لا تنبت إلا بمساعدتها على ذلك" يقول رجل التعليم المهدي الزمراني. قلة الاهتمام ملحوظة أيضا في باقي المجالات الاقتصادية الغائبة كليا أو جزئيا عن المدينة كما إدارات ومصالح لا تتوفر بها فروع تعفي سكانها عناء التنقل بعيدا لقضاء أغراضهم الشخصية والإدارية، بما فيها المجال الصحي بعدما أصبح المستشفى الإقليمي مجرد قنطرة عبور غير آمنة إلى فاس رغم توفره على تجهيزات وطاقم بشري. حاجة مدينة تاونات ليست ماسة إلى بنيات وتجهيزات وإدارات ومبان فحسب، بل هي في حاجة لإطلاق مشاريع اقتصادية تنعش إنسانا زادت ظروف الجفاف من أزماته، في غياب أي اهتمام رسمي بالنشاط الصناعي اللهم من مبادرات استثمارية فردية عنوانها البارز بناء مقاه ومحطات وقود ومعاصر زيتون. مسؤولو تاونات في الجماعة والعمالة، مطالبون بالإنصات لنبض الشارع وأنين النفوس وألم الأفئدة، وليس فقط تخصيص كل ثلاثاء لدراسة رؤساء الأقسام والمصالح، لشكايات مواطنين حالمين بغد أفضل لمدينتهم تنال فيه حقها المشروع من التنمية، ويقطع فيه مع كل صور المحاباة الشاهدة صفقات مشاريع، عليها مهما اختلفت طبيعتها ونوعها.