مؤسس جمعية النصير قال لـ"لصباح" إن الدولة هي الوحيدة التي تعاملت بشكل جدي مع الملف الذي قصم ظهر "بيجيدي" قال عبد الرحيم مهتاد، مؤسس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين، إن الدولة نجحت بشكل نهائي في طي ملف السلفية الجهادية، عبر تبني مبادرات اعتبرها أكثر طموحا من تلك التي يروجونها باعتبارهم حقوقيين خلال تبنيهم هذا الملف، سواء من خلال الاعتراف بحدوث تجاوزات أثناء الاعتقالات، أو مراجعة الأحكام القضائية وتبني سياسة المصالحة والعفو، مشددا على أن من استثني من هذه المبادرات، هم المتورطون بشكل مباشر في قضايا الدم. وأقر القيادي السابق في الشبيبة الإسلامية بمحاولة جهات الركوب على ملف السلفية الجهادية واستغلاله، إما انتخابيا أو لابتزاز الدولة، سيما من قبل منظمات أجنبية، مؤكدا أن رفع سقف المطالب في هذا الملف من قبل قادة العدالة والتنمية كان من أسباب سقوطهم المريع في الانتخابات الماضية. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار : مصطفى لطفي – تصوير (عبد الحق خليفة) كيف تنظر للوضع الحالي بسوريا؟ من الصعب الحكم على ما يقع في سوريا حاليا، للعدد الكبير من المتدخلين فيها وتجاذبات الأطراف الدولية الكبرى، لكن سقوط نظام بشار الأسد، كان في صالح الشعب السوري، لأنه تحالف مع الأجنبي من أجل تهجير شعبه، وهذه نقطة سوداء تسجل على آل الأسد، سواء الأب أو الابن، فهما تسببا في هجرة ما يزيد عن ستة ملايين مواطن، وبدل الجلوس معهم على الطاولة والتفاوض معهم لحل الخلاف بشكل سلمي وسياسي، استعان بالأجنبي عليهم، والآن يجني ما زرع، فكما طردهم منذ سنوات من بلدهم، ها هم في 2024 يعودون ويطردونه بدوره من سوريا. برر النظام السوري موقفه أن الثوار بدورهم استعانوا بمقاتلين عرب، هل هذا صحيح؟ عندما نقول الأجنبي لا نتحدث عن الأفراد المتضامين مع قضية ما، بل أقصد به التدخل الدولي المباشر. على امتداد التاريخ شارك مغاربة وعرب في بؤر التوتر في مختلف بقاع العالم تضامنا مع تيارات معينة، وهذا يدخل في خانة حركة الشعوب وشبيهة بحركات التحرر العالمية، لكن أن تستنجد دولة بدولة أخرى ضد شعبها كاعتقاد إيديولوجي، فهنا الخطأ القاتل، سيما أن الصراع في الشرق الأوسط، ليس مبنيا على حيازة الأسلحة والخبرة القتالية والعسكرية، وإنما مبني بالأساس على كل ما هو إيديولوجي، فتجارب حافظ الأسد وابنه بشار في سوريا كانت مبنية على الاستقواء بالأجنبي، وهذا كلفهما ضياع نظامهما، وأتمنى صادقا، أن يستفيد الثوار بعد دخولهم العاصمة دمشق، من الدروس الماضية، ويؤسسوا دولة مبنية على التعايش بين جميع مكوناتها مهما كانت مذاهبهم وطوائفهم، لأن الخوف كل الخوف، تهميش هذا الجانب والدخول في حرب أهلية، وهذا ما تنتظره إسرائيل. وهنا أود أن أشير إلى أن أكبر متضرر من سقوط دمشق، هو حزب الله، لأن المنفذ الذي كان يتحصل منه على الأسلحة والدعم من إيران أغلق في وجهه نهائيا. بعد انهيار نظام بشار، تم الإفراج عن سجناء، ما مصير المعتقلين المغاربة؟ ما يقع في سوريا سيمتد إلى عدة دول عربية، وهنا لا ننسى أن تنظيم "شام الإسلام"، الذي قاتل قوات الأسد في السابق، كان تنظيما مغربيا صرفا، التحق به بداية إبراهيم بنشقرون ومازوز والعلمي وبعدها مجموعة من رموز السلفية الجهادية، كما التحق آخرون بـ"داعش" أبرزهم فتيحة المجاطي وابنها، وبالتالي فمن قتل في المعارك، انتهى أمرهم، أما من وضعوا في سجون نظام الأسد ستشملهم هذه الإفراجات، وبالتالي نحن أمام احتمالين، إما العودة إلى المغرب، بحكم أن مهمتهم انتهت بسقوط نظام الأسد، أو البقاء في سوريا والعيش فيها، والأمر نفسه يشمل مقاتلين من تونس وليبيا والجزائر ودول عربية أخرى. كما أن هناك ظاهرة أخرى خطيرة، وتتعلق بنساء مغربيات كن في "داعش" وتنظيمات مسلحة أخرى، إما معتقلات أو محاصرات بين سوريا والعراق، فكما نعلم أن فتيحة المجاطي وابنها قتلا خلال معارك حسب معلومات مصطفى الحسناوي، وهو كان مقربا منهما كثيرا، في حين يظل مصير باقي النسوة معلقا، سيما أن لدى أغلبهن أطفالا، وبالتالي يبقى الموضوع شائكا، في انتظار مبادرة من الدولة لمد يدها لمن تاب منهم. لماذا تنظيم "شام الإسلام" كان مغربيا صرفا؟ هذه هي طبيعة الحركة الجهادية، فالكل يجمعهم الانتماء للتنظيم والفكرة، وعندما تستقبل الأجانب، يتم توزيعهم في تيارات حسب بلدانهم، لضمان انسجام أكبر، فحتى في التجربة الأفغانية، كان المغاربة يكونون تيارا لوحدهم، كما أنه في طبيعة العمل الجهادي، فالمغاربة مكلفون باستقطاب المغاربة، واستقبالهم في بؤر التوتر مع توفير الإقامة والمأوى لهم، بدل الإقامة مع مقاتلين من جنسيات عربية أخرى، إلا أن هذا لا يعني أن هناك استقلالية عن التنظيم "الأم" الذي يقاتلون تحت رايته. هل أثر الملف السوري منذ 2011 على ملف السلفية الجهادية بالمغرب، إذ نلحظ غياب حماس وركود بخلاف الفترة السابقة؟ الركود الذي يشهده ملف السلفية الجهادية بالمغرب في الفترة الأخيرة، له سبب واحد فقط، وهو أنه انتهى بشكل نهائي، فأغلب الفاعلين في هذا الملف إما أفرج عنهم بمقتضى عفو ملكي أو في إطار المسار الذي اتخذته الدولة من خلال المصالحة، أو أنهم قضوا مدة الاعتقال، بعد مراجعة العقوبات التي أدينوا بها، لهذا ملف السلفية الجهادية لم يعد بذلك الزخم الذي كان عليه في السابق. لكن هناك المزيد من الاعتقالات في صفوف متطرفين... الأحكام القضائية والطريقة التي تعاملت بها الدولة المغربية مع ملف السلفية الجهادية في 2003، لم تعد هي نفسها المعتمدة في 2013 و2022. في 2003 كانت الدولة المغربية أمام صدمة كبيرة لأول مرة يقتل الناس بتفجيرات انتحارية، وقامت باعتقال المتورطين وحدثت تجاوزات، اعترف بها الملك في 2005 في حوار مع جريدة "ألباييس" الإسبانية، إلا أنه بعد ذلك تبنت الدولة مقاربة جديدة، مثلا كانت عقوبة العائدين من بؤر التوتر تصل إلى الإعدام، وبعد 2011، صارت العقوبة لا تتجاوز أربع سنوات حبسا. ومعنى ذلك أن الدولة المغربية كانت مرنة وذكية جدا في التعاطي مع ملف السلفية الجهادية، صحيح كما قلت سابقا أن صدمة كانت شديدة بسبب أحداث 16 ماي الإرهابية، لكن الدولة بعد 2005، بدأت تميز وتدقق في الملف، وظهرت تباشير العفو الملكي بعد حوار الملك مع "ألباييس" الإسبانية، لتدق ساعة فتح الملف وقتها، إذ مباشرة بعد ذلك، بدأت مراجعة الأحكام القضائية وسلسلة العفو وظلت هذه العادة متواصلة. الملاحـــظ أن البيضاء شهدت تفجيرات في 2007، هل أثر ذلك على مسار السلفية الجهادية؟ لم يغير المغرب الخطة رغم تلك الأحداث المأساوية، فالدولة المغربية عندما تتخذ قرارا ما، لا تتراجع عنه، رغم أحداث حي الفرح وأركانة بمراكش، وعمليات إرهابية أخرى، كانت تستهدف عرقلة مسار طي ملف السلفية الجهادية. بل الأكثر من ذلك، أن الدولة راهنت على معركة "المصالحة"، عبر فتح حوار مع المعتقلين داخل السجون، ومن تاب منهم وغير أفكاره يفرج عنه، فالدولة كانت جادة واستمرت في جديتها رغم محاولة فرملتها. ما زال بعض المعتقلين يحتجون داخل السجون، لإقصائهم من هذه المبادرات... ما أعرفه أن مبادرة الدولة لطي هذا الملف سواء من حيث مراجعة الإحكام والعفو، لا تشمل المتورطين بشكل مباشر في أعمال الدم، هؤلاء لا نقاش معهم، بل شملت مبادرة الدولة من اعتقل لانتمائه للتيار الديني أو تعاطف معه، وهم الأغلبية، والدليل هو أن أحد منظري مجموعة "طوما" بسيدي مومن التي فجرت نفسها في 2003، تم الإفراج عنه، والآن يدير مشاريعه الخاصة. وهذا يدل على أن الدولة المغربية متمسكة بمبادرتها لطي الملف، وهناك معتقلون سيستفيدون من العفو ومراجعة العقوبة. وخلاصة لتجربتي حقوقيا من 2003 إلى 2011، كان الجميع يريد استثمار ملف السلفية الجهادية سياسيا، سوء تعلق الأمر بحزب أو جمعية حقوقية أو منظمة، إذ كل من وضع يده على الملف إلا وضعها من أجل حاجة في نفس يعقوب قضاها، والأمر لم يقتصر على أبناء البلد، بل حتى الأجانب، الذين حاولوا استغلاله لابتزاز الدولة والضغط عليها. الوحيد الذي تعامل مع الملف بشكل جدي وحدد إطاره ووضع مخارجه هو الدولة، لا غير. سقطة العدالة والتنمية قد يكون ملف السلفية الجهادية من بين أسباب سقوط العدالة والتنمية في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وليس سببا رئيسيا، بعد أن أدار المنتمون لهذا التيار ظهورهم لقادته. علاقة "بيجيدي" بالملف بدأت برفع سقف تبنيه، بتصريحات بعض قياداته، التي شككت في أحداث 16 ماي، هذا التبني مكن الحزب من اكتساح انتخابات 2012 و2016، بعد أن صوت عليهم السلفيون وحتى المتشددون منهم، الذين يكفرون العملية الديمقراطية، إلا أن آمالهم خابت ولم يعرف الملف الحل، وحتى إن تحقق شيء منه، كان فيه حضور وازن للدولة، فتراجعوا للخلف، ربما كانت القشة التي قصمت ظهر "بيجيدي"، وسقط بشكل مدوي في الانتخابات الأخيرة. ونرى أن المبادرات التي قدمتها الدولة أكثر طموحا من تلك التي كنا نطالب بها، كأن الدولة رفعت "البارة" في ملف السلفية. بدأت، كما قلت، باعتراف ملك البلاد بوجود خروقات في الاعتقال، وبدأت بمراجعة الأحكام القضائية، وتفعيل مسطرة العفو وبرنامج المصالحة، في حين أن الإنجاز الوحيد المحسوب للعدالة والتنمية في الملف، أشرف عليه مصطفى الرميد لما كان وزيرا للعدل، سمح بدخول 23 شخصا كانوا متابعين في ملف أحداث "أطلس أسني" في 1994، كانوا يعيشون في وضعية صعبة بين فرنسا وبلجيكا. الباشا يهزم السياسي لا يقتصر ملف السلفية على العفو والمصالحة، بل يهم إدماج أتباعه في المجتمع، وهنا نتساءل من قاد هذه العملية،هل الأحزاب؟ أبدا، في عهد حكومة العثماني طرق باب العدالة والتنمية وأحزاب أخرى، عدد من المعتقلين دون نتيجة، والغريب أنهم لما طرقوا باب الدولة، طلبا لرد الاعتبار والبحث عن عمل، استجيب لهم في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على مستوى العمالات والأقاليم التي يقطنون فيها، بعبارة أخرى حسب اعترافات بعضهم، استقبلهم "الباشا" بحفاوة وحل مشاكلهم، في حين فشل زعماء الأحزاب في ذلك. فندق "أسني" يعود للواجهة هناك لجنة قائمة الذات مكونة من حقوقيين ومحام وثلاث فقط من أسر المعتقلين من أصل ستة، وهم عائلة عبد الرحمان بوجلي، وعبد السلام كرواز، وكمال بنعكشة، في حين نعتبر الثلاثة الآخرين رافضين لهذه المبادرة، ما دامت عائلاتهم لم تنضم إلينا، وبالتالي لا يمكنا الحلول محلهم. ستتخذ هذه اللجنة مسارها، لتحريك المياه الراكدة في هذا الملف، الذي عمر 30 سنة، لأنه حان الوقت من الناحية الإنسانية والسياسية أن نقول كفى، ولم لا اعتقادا أن حتى عائلات الضحايا الإسبانيين الذين قتلوا في الفندق لن تمانع في الصفح عنهم، وفي حالة لم ننجح في هذه المبادرة، هناك طرح بنقلهم إلى فرنسا لقضاء العقوبة فيها، ما داموا يحملون الجنسية الفرنسية. سنشتغل على الملف في إطار مغربي صرف، وفي مناسبات مع فرنسا، والمعني به بشكل أكبر السلطات المغربية، لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف. في سطور: < من مواليد 1959 بالبيضاء < متزوج وأب لخمسة أبناء < مؤسس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين < انضم إلى صفوف الشبيبة الإسلامية المغربية في 1975 < انتقل إلى فرنسا في 1981 دون وثائق < عاش متنقلا بين فرنسا وبلجيكا واسبانيا والجزائر والمغرب (بأوراق ثبوتية مزورة) < صدر في حقه حكمان بالإعدام غيابيا في 1984 ضمن مجموعة الـ 71 إلاسلامية و1985 ضمن مجموعة بدر الإسلامية التي قامت بإدخال الأسلحة إلى المغرب عبر الحدود الجزائرية < اعتقل بمطار محمد الخامس في 1990، وبعد شهرين بمعتقل درب مولاي الشريف السري، حوكم حضوريا بمحكمة الاستئناف بالبيضاء < استفاد من العفو العام الذي أعلنه الراحل الحسن الثاني في 1994 في حق المعتقلين السياسيين