حسن مزوزي قاضي الاتصال بمدريد قال إن انطلاقة الإصلاح القضائي أعطيت بتنزيل الدستور أكد حسن مزوزي، قاضي الاتصال بمدريد، أن الإصلاح القضائي هو مشروع مجتمعي وليس حكرا على طائفة دون أخرى، وأن عدم احترام النصوص القانونية هو أحد أسباب خلل المنظومة القضائية، وأضاف في حوار مع "الصباح"، أن الخلط بين القضاء الجالس والواقف جر الغالبية العظمى إلى المطالبة عن وعي أو بدونه باستقلال النيابة العامة. وفي ما يلي نص الحوار. قضيتم أزيد من 30 سنة في سلك القضاء. كيف ترون طريق الإصلاح فيه؟ إذا كنتم تقصدون بـ "طريق إصلاح القضاء" الوصفة الناجعة للإصلاح، فسأجيب بأن الأمر يتطلب الإرادة الصادقة، واعتبار أن الإصلاح القضائي مشروعا مجتمعيا وليس حكرا على طائفة دون أخرى، من خلال سن نصوص قانونية مستجمعة لخصائصها الجوهرية وتطبيقها التطبيق السليم، ولا تستهدف أشخاصا معينين أو ظرفية معينة، بل تكون نصوصا لها قدرة التوقع، ويكفينا وجود نصوص قانونية ورثناها عن الاستعمار عمرت أكثر من قرن مازالت صالحة، فيما تلاشت صلاحية نصوص تم تنزيلها بالأمس القريب والأمثلة كثيرة. كيف تقيمون المسار الذي سلكه القضاء المغربي؟ يكفيني في هذا الصدد استحضار الماضي القريب بشهادة المرحوم محمد الفاسي الكاتب العام السابق لوزارة العدل في السبعينات وأحد مؤسسي القضاء الحديث بالمغرب في كتابه "مسار القضاء المغربي" الذي ذكر خلو مختلف مخططات التنمية ومجموع البرامج المقدمة من طرف كافة الحكومات التي تعاقبت على الحكم في بلادنا، من أي سياسة شمولية لقطاع العدل باستثناء الاستشارة الواسعة التي أجراها المغفور له الحسن الثاني سنة 1973 والتي شملت العلماء والقضاة والمحامين وغيرهم من رجال القانون للإدلاء برأيهم في دراسة قامت بإنجازها لجنة وزارية عهد إليها بذلك، عدا ذلك فقد كان مجرد تكرار شعارات مملة من قبيل، تقريب القضاء من المواطنين... تفتيش المحاكم.. التشديد في معاقبة الارتشاء.. مراجعة النصوص التشريعية بهدف ملاءمتها مع الظروف ...إلى غير ذلك ..إلا أن هذه التجربة لم يكتب لها النجاح ويشاء مكر الصدف أن يخرج للوجود ما كان مختلفا بسببه وسببا في إجهاض التجربة وهو قانون حكام الجماعات والمقاطعات، فيما تمت التضحية بكافة المقترحات الرائدة آنذاك من قبيل التركيبة الجماعية للمحاكم الابتدائية، غرفة الاتهام، هيأة المحلفين بالمحاكم الجنائية والمسطرة الكتابية، ومؤسسة القاضي المقرر وغيرها من المقتضيات التي كان من شأنها أن تساهم في إقلاع قاطرة العدالة. وما أخشاه هو أن تتكرر التجربة وتقف بعض الخلافات حجر عثرة دون إنجاز الإصلاح القضائي المنشود والحال إن هناك إرادة لدى الجميع في تحقيقه سيما بعد تنزيل دستور يوليوز 2011. هل أنتم متفائلون أم متشائمون من مستقبل الإصلاح القضائي ؟ لا بل أنا جد متفائل لأن لا خيار لنا سوى إنجاح الإصلاح من جهة ومن جهة ثانية لأن الانطلاقة أعطيت بتنزيل الدستور. يرى البعض أن خلل المنظومة القضائية لا يعزى إلى قلة النصوص بل إلى عدم احترام الموجود منها، هل توافقونهم الرأي؟بالطبع أتفق مع هذا التوجه الذي لا يختلف حوله اثنان، ذلك أن عدم احترام النصوص القانونية هو أحد أسباب خلل المنظومة القضائية، فالعالم أصبح اليوم يقيم الدول تبعا لاحترامها القوانين وليس في عدد النصوص التي تنتجها. ولهذا يتعين البحث عن الآليات التي تمكن من تطبيق النصوص المزمع تنزيلها للوصول إلى القرار المستقل، فلا فائدة من نصوص لا تطبق، فالفصل 27 من القانون الأساسي للدولة الفيدرالية الألمانية جاء بالصيغة نفسها التي ورد بها الفصل 112 من الدستور الستاليني، "القضاة مستقلون ولا يخضعون سوى للقانون"، لكن شتان بين تطبيق هذا المقتضى في دولة يعتبر فيها استقلال السلطة القضائية أمرا محسوما فيه وبين دولة يصدر فيها القاضي أحكاما تستجيب حرفيا لملتمسات ممثل النيابة العامة الخاضع لتعليمات الحزب الشيوعي! أثيرت أخيرا إشكالات حول استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، هل تسايرون هذا الطرح؟ إن الجواب يقتضي استحضار التمييز بين قضاء الحكم وبين قضاء النيابة العامة لأن من شأن التمادي في هذا الخلط تكريس مفهوم التبعية بالنسبة إلى القضاء ككل عوض تعميم الاستقلال وهي أمور لا تخدم العدالة، لأن هذا الخلط بين القضاءين جر الغالبية العظمى إلى المطالبة عن وعي أو بدونه باستقلال النيابة العامة إسوة بالقضاء الجالس حتى اكتسب معه هذا الادعاء قوة القانون. إن الكلام عن إصلاح أي مؤسسة يقتضي اتباع منهجية البحث العلمي التي تقتضي معرفة تاريخ المؤسسة المراد إصلاحها وموقف القانون المقارن بصددها، وبالنسبة إلى النيابة العامة فقد نشأت وترعرعت في أحضان السلطة التنفيذية، فلم تختلف في نشأتها في فرنسا أواخر القرن 12 عنه في انجلترا بداية القرن 13، لتنتقل إلى بعض الدول الأوربية وتصبح جزءا من المنظومة القانونية اختلفت الدول في تفاصيل هيكلتها وتنظيمها، فحتى الثورة الفرنسية قررت الإبقاء عليها بمقتضى قانون 16 و 24 غشت 1790 . أما في المغرب فلم يكن لهذه المؤسسة وجود قبل الحماية إلى حين النص عليها في ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتنظيم القضائي و كان يطلق على أعضاء النيابة العامة "مندوبو الحكومة"، وفي ما يخص القانون المقارن فإن أغلب الدول الرائدة في مجال القضاء جعلت النيابة العامة تابعة للسلطة التنفيذية ، ولا اعتقد أن تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية في فرنسا وألمانيا والنمسا وبلجيكا ... قد مست بمصداقية هذه الأنظمة أو جعلت منها أنظمة رجعية ؟ فالأصل هو تبعية النيابة العامة وليس استقلالها فحتى إيطاليا التي اختارت الاستقلال تحاول جاهدة الإنعتاق منه أمام الانتقادات الموجهة إليه وأدى بها ذلك إلى تنزيل قانون 25/07/2005 الذي تضمن نصوصا تحد من حرية النيابة العامة، إلا أن هذا القانون لم يكتب له الخروج إلى الوجود لعدم تبني مرسوم تنظيمي لتطبيقه. لماذا تبعية النيابة العامة في رأيكم؟ لأن كافة المحاولات المنجزة لإجراء إصلاحات تهدف إلى جعل النيابة العامة مستقلة وأقل تبعية للسلطة التنفيذية، تصطدم بحاجز الشرعية والمبادئ الديمقراطية المتعارف عليها والتي تحتم إخضاع هذا الجهاز للمراقبة والمحاسبة لحماية الحريات الفردية لتحقيق المساواة بين المواطنين أمام القانون في إطار سياسة جنائية موحدة لا تتعدد بتعدد سلط ملاءمة أعضاء النيابة العامة. ولعل هذه الحيرة هي التي دفعت فرنسا -حين أثيرت مسألة استقلال النيابة العامة- إلى إثارة مدى استعدادها إلى الانتقال إلى الجمهورية السادسة أي القطع مع دستور 1958 وليس الاقتصار على تعديل بعض مقتضياته. قاضي الاتصال... أسباب النزول قاضي الاتصال هو قاض يعين من قبل وزير العدل ليكون في وضعية إلحاق بوزارة الخارجية والتعاون بمقتضى قرار مشترك لكل من وزير العدل و الحريات ووزير الشؤون الخارجية والتعاون لتحقيق عدة غايات يمكن تلخيصها في تسهيل التعاون القضائي في المجالين الجنائي والمدني، وإنجاز دراسات تتعلق بالقانون المقارن وخلق علاقات مؤسساتية. وقد كانت النواة الأولى لظهور قاضي الاتصال الاتفاقية الثنائية الفرنسية الإيطالية الرامية إلى تبادل قاضيي الاتصال سنة 1993 إثر قضية المافيا الإيطالية "كوزا نوسترا"، التي كان يتولاها القاضي الإيطالي الشهير "جيوفاني فالكوني" وبعد أن تبين نجاعة المبادرة المذكورة بادر مجلس الاتحاد الأوربي بتاريخ 22 أبريل 1996 بمقتضى العمل المشترك إلى إقرار المبادرة بخلق إطار قانوني لتبادل قضاة وموظفين في مجال التعاون القضائي الدولي. أما في المغرب فقد بدأت التجربة سنة 2004 ويتوفر المغرب الآن على ثلاثة قضاة للاتصال في كل من فرنسا واسبانيا وبلجيكا كما يستقبل بالمغرب قضاة الاتصال للدول المذكورة . التبعية المزدوجة تستند التبعية المزدوجة لقاضي الاتصال بين وزارتي العدل والخارجية إلى أنه، بحكم مركزه القانوني المتميز وطبيعة صلاحياته، يباشر مهامه لدى وزارة العدل والسلطات القضائية في بلد الاستقبال، فبتفعيله للتعاون القضائي بين البلدين، يقوم بمهام قضائية تجعله تابعا من الناحية الوظيفية لوزارة العدل وتجعله أيضا مطوقا بموافاتها بالتقارير والمراسلات المتعلقة بممارسة مهامه. وصفة دبلوماسي ملحق بوزارة الخارجية تطوقه ضرورة التحري في بعض تحركاته، ذلك أن عدم تبعيته الكلية لوزارة الخارجية وتبعيته الوظيفية لوزارة العدل لا تعفيه من التنسيق مع البعثة الدبلوماسية التي هي أجدر بتقدير الملاءمة في شتى المجالات باعتبارها أدرى بالأعراف الدبلوماسية وأعرف أيضا بالتوجهات العامة للسياسة الخارجية للدولة التي قد تغيب عن القاضي بحكم تكوينه القانوني، وبالموازاة مع ذلك فمن الطبيعي أن يعتبر قاضي الاتصال بمثابة مستشار قانوني لدى البعثة الدبلوماسية في ما له علاقة بالمجال القانوني والقضائي لتجربته القضائية وخبرته القانونية، التي ستساعد لا محالة البعثة الدبلوماسية هناك في تصريف القضايا التي تهم الجالية المغربية ولهذا السبب تخصص الدول مكاتب خاصة لقضاة الاتصال في السفارات إلى جانب مكاتبهم الموجودة بوزارة العدل لدولة الاستقبال. في سطور - خريج الفوج التاسع- رئيس سابق لابتدائية الداخلة- رئيس سابق لابتدائية العرائش- عضو المجلس الأعلى للقضاء لفترتين- رئيس غرفة نقض بمحكمة النقض- قاضي الاتصال بمدريد أجرت الحوار: كريمة مصلي