الدولة الرخوة، مصطلح أطلقه لأول مرة عالم الاقتصاد السويدي "غونار ميردال" في تحليله لنظم الحكم بالدول المتخلفة، موضحا أنها ليست تلك التي لا توجد بها القوانين أو قوانينها متجاوزة، بل يتعلق الأمر بدول تتوفر على تشريعات ومقتضيات تنظيمية متطورة، لكنها عاجزة عن تفعيلها وفرض احترامها على الجميع، واعتبر الأمر سببا أساسيا في استمرار الفقر والتخلف بهذه البلدان. والدول الرخوة، في نظر "ميردال"، تساعد على أن ينتشر الفساد في مؤسسات هي بطبيعة وجودها جدار عازل ضد الفساد، لأن حكوماتها تصدر القوانين، لكنها في الغالب لا تطبقها. والمتأمل في مناحي الحياة المتنوعة والمختلفة، سيجد أن هناك قواسم مشتركة بين المغرب وهذا الصنف من الدول، إذ سجل تطور ملحوظ على مستوى التشريعات والإجراءات التنظيمية، لكن عددا من هذه القوانين يظل حبرا على ورق تحت مبررات عديدة، غالبا ما تتخذ أبعادا اجتماعية. فهناك قوانين تنظم السير والجولان وترتب الجزاءات على مخالفيها، لكن لدواع اجتماعية تغض سلطات المراقبة الطرف عن بعض مستعملي الطريق، ما جعل أصحاب الدراجات بمختلف أصنافها يتصرفون وكأنهم غير معنيين بالقانون، ويتمادون في سلوكاتهم، التي تكون سببا في حوادث سير خطيرة، رغم صرف الملايير على الحملات التحسيسية. هناك، أيضا، قوانين تنظم نقل الأشخاص ويشترط التوفر على رخصة لمزاولة هذه المهن، لكن برزت وسائل نقل خارجة عن القانون تمارس نشاطها بكل حرية ودون أي ترخيص، تحت أنظار سلطات المراقبة، التي غالبا ما تبرر تساهلها بدواع اجتماعية، ما جعل أصحاب الدراجات ثلاثية العجلات يتسيدون الطرقات، متوعدين من يعترض سبيلهم بالويل والثبور وشدائد الأمور، وكان من بين ضحاياهم رجال أمن حاولوا أن يوقفوهم عند حدهم بعدما طفح الكيل، لأن هؤلاء الخارجين عن القانون أصبحوا يعتبرون نشاطهم حقا مكتسبا لا يمكن التنازل عنه. ولدواع اجتماعية، كذلك، تغض السلطات الطرف عن الأنشطة غير المهيكلة، بدعوى أنها توفر مناصب شغل لمئات الآلاف من المغاربة، وأدى هذا التساهل إلى نموها، مثل خلايا السرطان لتنخر النسيج الإنتاجي المنظم، ودفع هذا التراخي مقاولات للخروج من الإطار النظامي، إلى الأنشطة غير المنظمة، ما يضعف تنافسية الاقتصاد الوطني ويضيع على خزينة الدولة وأنظمة الضمان الاجتماعي الملايير. ولدواع اجتماعية، أيضا، سمح باحتلال الملك العمومي، رغم وجود قوانين صارمة، ما جعل الباعة المتجولين يكتسحون كل الأماكن، وأصبح من الصعب المرور، حاليا، ببعض الشوارع، بسبب احتلالها من قبل هؤلاء الباعة فوق القانون، الذين يعتبرون أنشطتهم حقا مشروعا لا يجب السماح بانتهاك حرمته. ويضيق الحيز لحصر كل مظاهر التسيب وعم الاكتراث بالقوانين، ما يطرح التساؤل حول الجدوى من إصدارها. هناك، إذن، خيط رفيع يفصل بين التقدم والتخلف، يتمثل في القدرة على إنفاذ القانون. عبد الواحد كنفاوي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma