غابة وادي فاس… مأوى المهاجرين الأفارقة

أضحت مدينة فاس، خلال الشهور الأخيرة، وجهة للمئات من المهاجرين السريين المتحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، بشكل مثير للاستغراب والتساؤل. كل يوم يتدفقون على المدينة انطلاقا من الشمال، خاصة بعد أن أقاموا «مخيما» بجوار محطة القطار أكدال، حيث يستقرون بعد رحلة يومية شاقة ينتشرون فيها بين أحياء ودروب وشوارع وملتقيات الطرق خاصة بالمدينة الجديدة، بحثا عما يمكن أن يجود به المحسنون عليهم من صدقات وهبات. تفيد معلومات وأرقام رسمية غير معلنة، أن فاس أضحت في الآونة الأخيرة، قبلة لآلاف المهاجرين السريين من دول إفريقية مختلفة، غالبيتهم تستقر في الهواء الطلق، في غابات مجاورة لمحطة القطار بالمدينة الجديدة، ويتخذون من أهم شوارع المدينة، أمكنة للتسول، وجمع ما يتبرع به المحسنون عليهم، في انتظار تأمين تكاليف الرحيل إلى الضفة الأخرى بأوربا.وأفاد مصدر مطلع أن 3228 مهاجرا من جنسيات إفريقية مختلفة، نزحوا إلى المدينة، انطلاقا من الحسيمة والناظور وضاحيتيهما، على متن حافلات في رحلات يومية متباينة العدد، خلال الفترة بين 14 يونيو الماضي و15 أكتوبر الجاري، وهو رقم "مخيف" و"يدعو إلى القلق والحذر"، خاصة أمام ما يمكن أن يطرحه استقرارهم في الغابة ذاتها من مشاكل صحية واجتماعية. المصدر ذاته تحدث عن نحو 1000 مهاجر نزحوا في الفترة بين 15 شتنبر و15 أكتوبر، مقابل 2400 مهاجر خلال الشهور الثلاثة التي سبقتها، متحدثا عن معدل نزوح شهري يقدر بنحو 807 أشخاص، أي أكثر من 26 شخصا في اليوم، غالبيتهم تستقر بـ"مخيم" غابة وادي فاس، وبعضهم عاد أدراجه في اتجاه منطقة الشرق أو الشمال في انتظار الهجرة غير الشرعية إلى أوربا. هذه الأرقام مثيرة للخوف، بل إن يوم الأربعاء 15 أكتوبر الجاري، شهد أكبر تدفق للمهاجرين على المدينة، بـ 279 شخصا وفدوا على متن 8 حافلات للنقل الطرقي من المدينتين بين الثالثة و10 دقائق عصرا و10 و25 دقيقة ليلا، حسب المصدر ذاته، الذي أكد نقل ثلاثة منهم إلى المركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني لتلقي العلاج بسبب جروح أصيبوا بها في محاولة العبور إلى مليلية. حافلات مجندة لنقل المهاجرين من الحسيمة والناظور أوضح المصدر ذاته أن هؤلاء المهاجرين ينقلون في شاحنات أو حافلات للنقل الطرقي انطلاقا من المدينتين، قبل إنزالهم بموقع قريب من المركب الرياضي الكبير لفاس، ليقطعوا المسافة على شكل قوافل، في مأمن تام نهارا أو ليلا، في اتجاه محطة القطار، خاصة عبر طريق صفرو وحي الأطلس وشوارع الجيش الملكي ومحمد الخامس وعلال بن عبد الله والحسن الثاني.وعاينت "الصباح" لعدة مناسبات، قوافل منهم، في طريقها إلى محطة القطار، خاصة في نهار رمضاني، وهم يسيرون في موكب جماعي بشارع محمد الخامس محملين بأمتعتهم الرثة وحاجياتهم من الخبز والحليب وما جاد به عليهم المحسنون أو تزودوا به في طريق هجرتهم إلى فاس، وهم يقطعون شارع الجيش الملكي في اتجاه مقر الولاية، ذات ليلة بعد منتصف الليل. وقال المصدر نفسه إن مثل هذه المشاهد المثيرة للاستغراب، للنزوح الجماعي إلى فاس، أضحت مألوفة في أحايين كثيرة ومختلفة، مؤكدا أن غالبيتهم يتخذ من هذه المدينة، مستقرا له لجمع المال الكافي لتأمين المبلغ المالي المطلوب من قبل المهربين، لإيصالهم إلى الضفة الأخرى، ما يبرره بمعاينته أفارقة بصدد العودة إلى الشرق أو الشمال، عبر القطار بعد تادية تذاكر السفر عبره.وأوضح أنه ليس عيبا استقبال هذه الفئة وحسن ضيافتها على عادة المغاربة في إكرام ضيوفهم ووفادتهم، لكن الدولة "يجب أن تتحمل مسؤوليتها، إما في محاربة ظاهرة إغراق فاس بهم بالجدية اللازمة، أو توفير ملجأ لإيوائهم في انتظار إيجاد حلول لحالاتهم"، عوض "ترك الحبل على الغارب"، وتركهم يواجهون مصائرهم الغامضة بغابة في قلب المدينة، في غياب أدنى شروط الحياة الكريمة. مهاجرون يتسولون في شوارع المدينة تثير المشاهد المقززة لتسول هؤلاء المهاجرين الأفارقة، الكثير من الشفقة لدى من بأفئدتهم بذور الرحمة والإحسان، بمختلف نقط الإشارات الضوئية بأهم شوارع المدينة خاصة في طريقي إيموزار وصفرو ووسط المدينة الجديدة، وعلى طول الطريق الوطنية بين فاس ومكناس خاصة بين نقطتي القصر الملكي العامر والطريق المؤدية إلى حامتي مولاي يعقوب وعين الله. "صدقة لله" "سلام، على الله".. عبارات تعتبر سلاحهم الوحيد لتليين الأفئدة، أما بحي الدكارات حيث يستقرون وأخلوا من معمل احتلوه بالقوة، فالوضع أكثر مأساوية، إذ يعاين عابر الطريق الفرعية بين الحي وطريق مكناس، حالات "لاإنسانية" للعشرات منهم ممن يفترشون الأرض، ولا يتوانون في مباغثة كل عابر للطريق أملا في الظفر بقطعة خبز أو دراهم لا تغني ولا تسمن من جوع.وإن كانت هذه المشاهد تبقى عادية ومألوفة، فإن ما يتداوله الناس من مغامراتهم، يثير التخوف خاصة أمام الحديث عن سلوكات منحرفة لبعضهم الذين لا يتوانون في مهاجمة نساء بالغابة وما جاورها، كما حدث في حالة قاصر اغتصبت بشكل جماعي من قبل خمسة منهم، اعتقل ثلاثة منهم، وأدينوا بـ 3 سنوات لكل واحد منهم. وعادة ما تكون محطة القطار أكدال مسرحا لمواجهات دامية بينهم خاصة لما تقع حوادث تبادل العنف بين بعضهم، كما حدث قبل نحو شهرين في حادث أصيب فيه العشرات منهم، بينما اختار آخرون مهاجمة المحطة ومحاولة الاعتداء على حراس الأمن الخاص، بعد العثور على جثة متشرد، اعتقادا منهم أنه إفريقي تعرض إلى عملية قتل. ظواهر مشينة بمخيم المهاجرين ظواهر مشينة يبقى المجتمع في غنى عنها، ارتبطت باستقرارهم بهذه المدينة، ونزوحهم إليها في شكل موجات بشرية، انطلاقا من مدخل طريق صفرو قرب المركب الرياضي، ما يفرض التعامل معها بالجدية اللازمة، لأن أي تهاون يمكن أن يجلب الويلات على المدينة، أمام احتمال نقل بعضهم لفيروس "إيبولا" أو أمراض فتاكة.وبعيدا عن كل هذه التخوفات، تبقى مشاهد "مخيمهم" بغابة مجاورة لمحطة القطار أكدال، حيث يختلط النساء بالرجال والأطفال الرضع، وصمة عار يمكن أن تكون لها انعكاسات سلبية على المدينة، وعلى صحة المهاجرين على بعد أيام قليلة من حلول فصل الشتاء، أمام غياب أدنى شروط الحياة الكريمة، وما يطرحه الأمر من احتمال الإصابة بأمراض خطيرة معدية ومتنقلة. هؤلاء النازحون من جنسيات مختلفة وبلدان تتفاوت معدلات الفقر بها، يحلمون بالهجرة إلى أوربا، حيث رسمت بأذهانهم سبل نجاتهم من واقع مر، يجدون أنفسهم "مرميين" بين عربات القطارات المتهالكة والمهترئة بمحطة القطار، أو في خيام بلاستيكية بئيسة بغابة تخفي حجم معاناتهم اليومية، وفي أحسن حال في مصانع مخربة أو دور مهجورة حولوها إلى مساكن قارة عن سبق إصرار.مشهد "مخيمهم" القار، حيث تهدر كرامتهم، مثير للرأفة والرحمة، في انتظار موقف رسمي حاسم في وضعيتهم المستقبلية، إن بتوفير ظروف استقرارهم في انتظار الحسم في إقامتهم، أو إرجاعهم إلى بلدانهم أو أي حل ثالث يخلصهم من معاناتهم اليومية، وينقد المدينة وسكانها من أخطار محدقة قد تقلب "الأمور رأسا على عقب" إن لم يتعامل مع هذه القضية بالجدية والاهتمام اللازمين. أعداد: حميد الأبيض (فاس)

غابة وادي فاس… مأوى المهاجرين الأفارقة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كواليس المتحف الجديد بالرباط على "دوزيم ماغ"

الكوميديا تعاني ضعف السيناريو والإدارة الفنية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات