جفـاء بسبـب متطلبـات الحيـاة

لقطيب الباحث في علم النفس الاجتماعي قال إن تدبير المغاربة للعلاقات العاطفية سيئ يتزامن الاحتفال بعيد الحب مع موجة ارتفاع الأسعار ومواجهة كثير من المغاربة أزمات مالية. عن علاقة المغاربة مع الحب، في ظل هذه الوضعية، ومحاور أخرى، يتحدث منير لقطيب، باحث في علم النفس الاجتماعي، ل»الصباح» في الحوار التالي: < إن الاهتمام بموضوع الحب على مر العصور، تبرز مكانته باعتباره قيمة كونية إنسانية متأصلة ومستمرة لا تعرف حدودا زمنية ولا مكانية ولا ثقافية أو إثنية، ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الحب هو إحساس ومشاعر نبيلة يعيشها كافة البشر، ولكن بكيفيات مختلفة. فعلاقة المغاربة بالحب هي متأصلة ومتجذرة في شخصية المغربي عبر الزمن، إلا أن تمظهراته وتعابيره تختلف تبعا لخصوصية الثقافة المغربية من جهة، ووفقا لمتغيرات سيكوسيولوجية: الأجيال، الأزمنة السيكولوجية، الأوساط والطبقات الاجتماعية من جهة ثانية. < إن معظم المغاربة، عند سؤالهم عن الحب، يتهربون من الإجابة، إذ يجدون صعوبة في الحديث عنه، وكأن الأمر فيه حرج أو ضيق لهم، فإما أن يتوقفوا عن الكلام، وإما أن يتحدثوا عن حب الخالق أو الأم أو حب الناس والخير، أما عن حب بين الجنسين، فتجدهم عادة ما يصنفونه في خانة الطابوهات، ويخجلون من مناقشته. وهذا راجع بالأساس إلى تنشئتهم الاجتماعية وإلى تمثلاتهم حول مفهوم الحب، والذي يخلطونه عادة مع تيمتي الجسد والجنس، أي ارتباط الحب بشهوة جنسية فقط. أما عن التربية الأسرية، فلا يسهر الآباء على تعليم أطفالهم كيفية التعبير عن مشاعرهم. ومن التمثلات الاجتماعية التي لا زالت حاضرة أيضا في المجتمع المغربي، نجد صعوبة تصريح الرجل بحبه لأن في ذلك مساس برجولته، أما المرأة فقد تتهم بخدش الحياء .عموما، نجد اختلافات كثيرة في التعبير عن الحب عند المغاربة بين الأمس واليوم، لكن في أوساط الشباب، يلاحظ جرأة أكبر في التعبير عنه بالألفاظ والعبارات، والإقبال على الاحتفال بعيد الحب. < تؤثر الأزمات على الجانب النفسي الداخلي للأفراد والجانب الاجتماعي، فالشخص يسعى باستمرار إلى التكيف مع بيئته ومحيطه السوسيو اقتصادي، وأي تغيير غير متوقع في مجرى الأمور أو عدم قدرته على تلبية حاجاته وتحقيق رغباته، يمكن أن يصل به إلى حالة الهشاشة النفسية وأيضا إلى درجة الاضطراب والانهيار. وباتت انفعالات المغاربة تتميز بشدتها وحدتها، خاصة عند الغضب، نتيجة توالي الأزمات بدءا من تفشي الجائحة ووصولا إلى ارتفاع الأسعار إلى غير ذلك، وبالتالي فقد تأثر الحب في ظل هذه الوضعية وما تعرفه الأسواق من ارتفاع للأسعار يلهب الجيوب. وبما أن الإحساس بالحب والتعبير عنه وعيشه يتطلب أن يكون الشخص في حالة استقرار وتوازن نفسي، والعناية بالطرف الآخر والسهر على تلبية حاجاته تتطلب إمكانات مالية، فإن هذا ما يتعذر اليوم بشكل كبير عند شريحة واسعة من المغاربة، سواء الطبقة المتوسطة أو الفقيرة، وبالتالي يختفي الحب بعد أن نجحت الأزمات في التغلب عليه. < يمكن تقييم تدبير المغاربة لعلاقاتهم العاطفية في خانة التدبير السيء، ولعل بروز مجموعة من الظواهر الاجتماعية السلبية خير دليل. لقد عرفت السنوات الأخيرة أزمات اجتماعية واقتصادية متوالية، الأمر الذي ساهم في خفض نسبة إقبال المغاربة على الزواج سنويا. وفي المقابل ارتفعت نسبة الطلاق بالمغرب بمعدل يقارب 800 حالة يوميا. ومن جهة أخرى، يلاحظ ظهور نوع جديد من الارتباطات وهي العلاقات العاطفية قصيرة المدة، حيث أصبح المغربي يفضل الدخول في علاقات افتراضية عبر مواقع التواصل اليومي تؤمن له العيش الواقعي بمفرده وتعفيه من تكلفة الارتباط المالية والمعنوية. أما عن العلاقات العاطفية الواقعية فقد أصبحت لا تطول، بل يتعاقد الطرفان على مدتها وتكلفتها وطريقة عيشها، والتي تندرج في إطار العلاقات الارتباطية الحرة عاطفيا وجنسيا. أما العلاقات العاطفية بين الزوجين في ظل الانشغال بمشاكل الحياة فبدأت تعرف ضمورا وجفاء والتفكير أكثر في توفير متطلبات الحياة، وبالتالي لم يعد هناك وقت للمشاعر. < تتأرجح مواقف المغاربة بين مؤيد ومعارض، فمنهم من يرى أن التعبير عن الحب هو ضعف ونقص خاصة بالنسبة للرجال وأن الحب للنساء فقط، ومنهم من يرى بأن الحب قيمة إنسانية ترتقي بالإنسان وتجعله يعيش لذة الحياة، وهذا الرأي نجده في أوساط الشباب وخاصة المثقفين. وهناك رأي ثالث لا يرى في الحب سوى المصلحة والدوافع الشخصية الأنانية، والذي يمكن التعبير عنه عند الحاجة. ويقتصر الاحتفال بعيد الحب على من يملكون الإمكانيات المالية، بينما الشخص المعوز الذي يواجه أزمات في ظل السعي إلى توفير لقمة العيش فهو لا يملك وقتا ولا جهدا ولا مالا للتفكير بالحب والاحتفال به. < إن فكرة الاحتفال بعيد الحب مرتبطة بتمثلات المغاربة، التي تختلف باختلاف الأجيال، والطبقة الاجتماعية، فمثلا الشخص المنتمي إلى طبقة اجتماعية هشة، قد يجهل تماما يوم عيد الحب لانشغاله في توفير لقمة عيشه، بل قد لا يفكر بتاتا في تقديم هدية للطرف الآخر إيمانا منه أن التعبير عن حبه يكمن في توفير مستلزمات الحياة الضرورية، وهو الشكل الذي يعبر به معظم أرباب الأسر لشريكات حياتهم. بينما من ينتمي إلى طبقة اجتماعية ميسورة، وبحكم إمكاناته المالية يرى في الاحتفال بعيد الحب فرصة لتجديد مشاعره وتقويتها. < أصبح المتغير المادي من امتلاك للمال والنفوذ من الموجهات الأساسية للسعي وراء السعادة والرضا وتحقيق جودة الحياة، كما أنه محفز للمشاعر وصانع للعواطف وموجه للسلوك. لذلك، أصبحنا نسمع اليوم، بحب الطمع وحب الاستغلال وزواج المصلحة. يمكن الحديث إذن عن ثلاثة أزمنة سيكولوجية عند المغاربة، الزمن الداخلي النفسي والذي يستدمج الموروث الثقافي المغربي الأصيل والزمن النفسي العلائقي الاجتماعي والذي تتحكم فيه عوامل اجتماعية واقتصادية ويخضع لتقلبات عالمية وليس فقط محلية. ثم الزمن النفسي الثالث الذي يستدخل النماذج الفكرية المعتمدة على البراديغم المادي. ومن هنا يمكن القول، إن الجانب المادي حاضر في العلاقات العاطفية عند المغاربة، بل هو موجه لها في بعض الأحيان، ولكن لا يمكن الجزم بأن المغاربة يغلبون الجانب المادي عن العاطفي، فرغم التحولات الفكرية والقيمية، لازال الموروث الثقافي المغربي الأصيل والمبني على تغليب العاطفة حاضر ومتجذر في شخصية المغاربة. < تعد الورود من الأشياء الرمزية المتميزة في التعبير عن الحب والمودة، بالإضافة إلى باقي الرموز التعبيرية مثل القصائد والأغاني الرومانسية. وحتى وقت قريب، كان المغاربة يرسلون البطائق والرسائل البريدية والورود، ويكتبون الشعر للتعبير عن حبهم، إلا أنه في ظل التغيرات المجتمعية وتوالي الأزمات والتحولات القيمية أصبح التفكير في الأشياء المادية بدلا من الرمزية، ولعل في سيادة فكرة إعطاء المبالغ النقدية في الأعراس وغيرها من المناسبات تترجم هذا التوجه البرغماتي في العلاقات. وما يلاحظ اليوم أنه من العبارات التي تردد بين الحبيبين «شري ليا شي حاجة إلا كنتي كتبغيني»، أي تفضيل المشتريات عن الهدايا الرمزية، إلا أن الأمر ليس مطلقا، فقد نجد بعض الفئات التي لازالت تحافظ على موروث إهداء الورود كتعبير رمزي عن الحب. أجرت الحوار: أمينة كندي في سطور: - باحث في علم النفس الاجتماعي - مختص نفساني في طور التدريب - مفتش ومؤطر تربوي - ناشط وفاعل جمعوي في مجال الإعاقة

جفـاء بسبـب متطلبـات الحيـاة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رئيس جماعة أمام جنايات فاس

حجز مواد فاسدة بالناظور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات